عبر اختيارها المواجهة المفتوحة مع الولاياتالمتحدة إثر خسارتها عقدا ضخما لبيع غواصات إلى أستراليا، تخوض فرنسا رهانا خطيرا بينما لا تتعجل دول أخرى للوقوف إلى جانبها. وبعدما انسحبت أستراليا من اتفاقها مع باريس لشراء غواصات تقليدية لصالح تلك الأميركية التي تعمل بالدفع النووي، قامت فرنسا بخطوة استثنائية فاستدعت سفيريها من واشنطن وكانبيرا للتشاور. وفي هذا الصدد، يقول الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس برتران بادي إن فرنسا وضعت نفسها في موقف لا يمكن لها أن تبدو من خلاله إلا وكأنها تتراجع أو تخسر ماء وجهها فور عودة سفيرها إلى الولاياتالمتحدة، حليفتها التاريخية. ويؤكد "عندما تدخل في أزمة كهذه، فالأفضل لك أن تعرف أين المخرج". وأعلنت أستراليا أنها ارتأت بأن الغواصات النووية تمثل خيارا أفضل بالنسبة إليها يضمن تفوقها البحري بينما أعلنت عن تحالف ثلاثي جديد مع الولاياتالمتحدة وبريطانيا ينظر إليه بشكل واسع على أنه يستهدف الصين، التي شك ل اتساع نفوذها أولوية بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. ومن المقرر أن يعقد الرئيس الفرنسي، الذي التزم الصمت علنا، محادثات مع بايدن في الأيام المقبلة. لكن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان خرج عن الأعراف الدبلوماسية واللغة المعهودة بين الدول الصديقة متحد ثا عن "كذب" و"ازدواجية" ومت هما أستراليا ب"طعن (فرنسا) في الظهر". ولم يتم حتى الآن الإعلان عن أي لقاء مرتقب على جدول أعماله على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المرتقبة الأسبوع الجاري في نيويورك مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي يتحدث الفرنسية بطلاقة ويعرف بحبه لأوروبا. ومع عقد بلغت قيمته 50 مليار دولار أسترالي (36,5 مليار دولار أميركي، 31 مليار يورو) لدى التوقيع عليه سنة 2016، قد يوصل الغضب الفرنسي رسالة إلى قطاع الصناعات الدفاعية النافذ في البلاد رسالة مفادها أن القادة السياسيين يضغطون لصالحه. لكن التأثير الدبلوماسي يبقى أقل وضوحا إذ تبدو فرنسا في عزلة مع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولا تبدي ألمانيا، القوة الحليفة في الاتحاد الأوروبي، التي تجري انتخابات الأحد المقبل، أي حماسة للتدخل. واكتفت الحكومة بالإشارة إلى أنها أخذت علما بالخلاف. وأفادت خبيرة العلاقات عبر الأطلسي لدى معهد "بروكينغز" سيليا بلين أنه بإمكان فرنسا أن تقنع الدول الأوروبية الأخرى بأن إدارة بايدن تفتقد لاستراتيجية حيال أوروبا. وقالت "على فرنسا مشاركة هذا التقييم مع حلفاء أوروبيين وطرحه على طاولة البحث مع الأميركيين للتوصل إلى حلول". وبينما احتفت معظم الدول الأوروبية بفوز بايدن على سلفه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، إلا أن الرئيس الأميركي تعر ض لانتقادات من حلفائه الأوروبيين على خلفية عملية سحب الجنود الأميركيين من أفغانستان، التي وصلت على إثرها طالبان بشكل سريع إلى السلطة بعد حرب دعمها حلف شمال الأطلسي استمرت 20 عاما. وأما النقطة الخلافية الأخرى، فتتمثل بالإبقاء على الحظر المفروض على معظم الأوروبيين على السفر إلى الولاياتالمتحدة جر اء كوفيد، رغم أن الاتحاد الأوروبي الذي تعتمد العديد من بلدانه على السياحة كمصدر دخل، خفف الشروط المفروضة على الأميركيين للدخول إلى دوله. يشير ماكس برغمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية والذي بات حاليا في "مركز التقد م الأميركي" ذي الميول اليسارية، إلى أن على بايدن القيام "بخطوات جريئة لإصلاح العلاقات مع فرنسا منعا لخروج الخلاف عن السيطرة". وأشار إلى أنه بإمكان بايدن أن يدعو ماكرون إلى البيت الأبيض ويدعم رؤية الرئيس الفرنسي في ما يتعلق بقوة دفاعية أوروبية والتحرك لرفع حظر السفر. وقال "تكمن الخطورة في أن هذه الحادثة تسمم البئر وتقلب رأسا على عقب التعاون في كافة المجالات الأساسية من حلف الأطلسي والتعاون التجاري والتقني وتطوير نهج موح د حيال الصينوروسيا"، فيما شدد في الوقت ذاته على أن التحالف يصب في مصلحة أمن أستراليا. وسبق أن أثار بايدن كذلك حفيظة قادة شرق أوروبا عبر إلغائه معظم العقوبات المرتبطة بخط أنابيب الغاز بين روسياوألمانيا "نورد ستريم 2" الذي يشير معارضوه إلى أنه سيفسح المجال لموسكو لممارسة ضغوط جديدة على الدول الأصغر. وذكرت إدارة بايدن أنها اتخذت القرار جزئيا من أجل ضمان المحافظة على علاقات قوية مع ألمانيا. وقال بادي "لم تكن أوروبا يوما منقسمة إلى هذا الحد حيال خياراتها المرتبطة بالسياسة الخارجية". كما لا ينوي لودريان عقد لقاء ثنائي مع نظيرته البريطانية الجديدة ليز تروس فيما ألغت فرنسا لقاءات كانت مقررة الأسبوع الجاري مع وزير الدفاع البريطاني. وأكد فرانسوا هايزبورغ من "مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية" ومقرها باريس "لديهم الحق في أن يشعروا بالغضب". وأضاف "الخطر بالنسبة لفرنسا هو في أن يحركها الغضب من الآن فصاعدا"..