في وقت تعلن فيه السلطات في الجزائر سعيها لتجديد هياكلها عبر تعيين وجوه جديدة وتنظيم انتخابات لإعادة بناء مؤسسات الدولة، تطالب أحزاب سياسية بإبعاد الرئيس عبد المجيد تبون وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، فيما يرفض الشعب أي انتخابات في ظل النظام العسكري. وبعد قرار تبون حل البرلمان الذي رافق آخر ولاية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قررت السلطات في الجزائر تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة شهر يونيو، فيما طالبت رئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والتقدم"، زبيدة عسول، بانتخابات رئاسية مبكرة العام المقبل، وإقالة الحكومة الحالية "للدفع بمسار التغيير". وكانت تشكيلات سياسية أخرى، طالبت بحل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة. وفي الوقت الذي أعلنت فيه أحزاب عديدة مقاطعة انتخابات يونيو، عبّر الجزائريون عن عدم استعدادهم للمشاركة في أي انتخابات "حتى ولو كانت رئاسية مسبقة" وفق تعبير الناشط ياسين عبدلي. ويردد المتظاهرون في الجزائر شعارات رافضة لأي استحقاق انتخابي في الوقت الحالي بالقول "مكاش انتخابات مع العصابات" أي لن تكون هناك انتخابات مع العصابة، حسب تعبيرهم. وينعت الجزائريون المسؤولين الذين رافقوا الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة خلال عهداته الرئاسية ب"العصابة". "الشعب أصبح لا يرغب في المشاركة في أي مسرحية انتخابية لأنه أصبح لا يرى فيها وسيلة لتحقيق التغيير، وفق أستاذ العلوم السياسية بلقاسمي عثمان. وقال بلقاسمي، حسب ما أورده موقع "الحرة"، إنه لا يمكن ربط المسار الانتخابي الذي ترسمه الدولة بمطلب عسول الذي يحمل نوايا حزبية "بغض النظر عن صحتها من خطئها". وأضاف "التغيير يجب أن يبدأ بالدهنيات وليس بالمؤسسات". وانتقد بعض أنصار الحراك، وحتى الطبقة السياسية لما وصفه بعدم سعيها للتغير الفعلي والاكتفاء بالنداءات الأسبوعية، وقال "يجب العمل على التغيير وليس المطالبة به فقط". وبعد أن صادق البرلمان الجزائري قبل أشهر، على تعديل دستوري، كرس ما تصفه السلطة ب"الجزائرالجديدة"، حل الرئيس عبد المجيد تبون البرلمان ودعا لانتخابات تشريعية مبكرة شهر يونيو المقبل. والبرلمان الذي صادق على "دستور تبون" كما يصفه المعارضون للسلطة في الجزائر، هو نفسه الذي صادق على تعديل دستور بوتفليقة العام 2016. وتم تمرير الدستور إثر استفتاء شعبي مثير للجدل، نظم في غمرة الاحتجاجات الشعبية العارمة التي تعرفها الجزائر منذ فبراير 2019. ولم تتعد نسبة المشاركة في الاستفتاء 23.72، وهو ما يصفه العضو في حزب جبهة القوى الاشتراكية نسيم عبدو بالدليل على "الشرعية العرجاء" التي تسير بها السلطة الجزائرية. ويتساءل جزائريون حول جدوى الانتخابات وتجديد الهيئات ومؤسسات الدولة بينما "عقلية النظام" لم تتغير منذ 1962 تاريخ استقلال الجزائر عن فرنسا وفق تعبير عبدلي. ياسين، وهو شاب من العاصمة ومن أبرز المناصرين للحراك الشعبي، يرى أن نداءات عسول والسلطة لإجراء انتخابات تحت أي صيغة "تعطيك صورة عن الانقطاع الذي هم فيه، عن الشارع". وأضاف المتحدث، في حديث لذات الموقع، أن التغيير الذي ينشده الشباب في الجزائر لن يتأتى إلا من خلال التمسك بالمظاهرات الأسبوعية "والتصعيد السلمي" على حد وصفه. أما عن فكرة إمكانية أن تساهم انتخابات رئاسية مسبقة، في ردم الهوة بين السلطة والشعب فيقول ياسين "هذه مناورة سياسية يستفيد منها من يريد ركوب الحراك وليس الشعب". يذكر أن بعض التيارات السياسية تنادي بمرحلة انتقالية في الجزائر، ليس عن طريق الانتخابات التي تنظمها الإدارة الحالية، بل عن طريق توافق وطني يشكل أرضية للتغيير. وكان تبون قد فاز بانتخابات مثيرة للجدل أجلت عدة مرات تحت ضغط الشارع، ثم نظمت في 12 ديسمبر 2019. وفاز تبون الذي يعيب عليه الشارع كونه اشتغل مع الرئيس بوتفليقة طيلة فترة حكمه بنسبة 58,15 بالمائة. كما أن قربه من رئيس الأركان السابق الفريق أحمد قايد صالح، ساهم في عدم تحقيقه الإجماع في صفوف الشعب، حيث كان واضحا انه من صنع العسكر. وبلغت نسبة المشاركة 39,83 بالمائة، أي ما يقارب عشرة ملايين ناخب من أصل أكثر من 24 مليونا مسجلين في القوائم الانتخابية. وهو ما يرى فيه بلقاسمي دليلا على عدم جدوى إجراء أي انتخاب في الوقت الحالي. من جانبه، يرى أستاذ القانون الدستوري، رشيد حميدة، ضرورة بلورة فكرة التغيير أولا ثم الحديث عن طرق الوصول إليها. وفي اتصال مع ذات الموقع، أبدى حميدة رفضه لأن يدور الجدل حول أسبقية التغيير بين مؤسسة البرلمان أو الرئاسة لأن ذلك يدخل وفقه ضمن "المراوغات السياسية". بدلا من ذلك، يقترح أن يتم تأطير الحراك الشعبي وإيجاد صيغة تمثيلية له، ثم البدء في حوار جدي مع السلطة. في المقابل شدد على ضرورة أن ينخرط الشعب في مسعى التغيير عن طريق الضغط السلمي على أصحاب القرار والمشاركة الإيجابية في المواعيد الانتخابية لتفويت الفرصة على من وصفهم ب "الانتهازيين".