تبين أخيرا أن قيادة حزب العدالة والتنمية تصر إصرارا على تقويض المسار الديمقراطي، وقد حملت معاول الهدم بدءا بأساس البناء الديمقراطي الذي ليس سوى العملية الانتخابية، وهو إصرار نابع من التخوف لدى الحزب الذي تحول إلى يقين كونه سيدخل الانتخابات التشريعية المقبلة منهزما قبل إجرائها، وبالتالي فقد أخرج عناصره النزقة من جحورها لتضرب حجرا هنا وحجرا هناك علها تسقط شيئا ما على رؤوس الأحزاب السياسية وخصوصا على رأس وزارة الداخلية بما تحمله من رمزية حماية العملية الديمقراطية. ولم تكتف القيادة النزقة بالتشكيك في العملية الانتخابية بل دخلت عملية خطيرة جدا ينبغي الانتباه إليها من طرف كل الفاعلين وكل من يريد الاستقرار لهذا المغرب الذي نستظل بظله الوارف، ألى وهو التشكيك في كل ما هو دولة ومؤسسات وما يرمز إليها من أدوات ومؤسسات حماية الأمن وحماية البلد.
فبعد أن شكك عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب، في مجهود ثمان سنوات من مكافحة الإرهاب ومن الضربات الاستباقية التي جنبت المغرب الكوارث حتى أضحى نموذجا يحتدى في محاربة الإرهاب والتطرف بشهادة كبرى مراكز الدراسات والتتبع العالمية، حيث شكك بنكيران، القادم من دهاليز الشبيبة الإسلامية ككيان يولد العنف ويؤصل له ويدعو إليه ويعلم الانطواء عند العواصف إلى حين مرورها ليعود إلى أصله، في كل المجهودات الأمنية وفي أحداث 16 ماي الإرهابية، هاهو شيطان العدالة والتنمية يوحي للحبيب الشوباني، الذي لم يكن إلى حدود الأمس سوى رجلا تافها تائها في الصحراء الشرقية، ليشكك بدوره في تفجير مقهى أركانة متهما الدولة في مؤسساتها ذات البعد الرمزي، معتبرا أنها من صناعة المخابرات لضرب الحراك الاجتماعي والسياسي، كان ذلك خلال الإجتماع الدوري للجنة الإعلام والإتصال التابعة للحزب والتي التأمت يوم الأحد 21 غشت الجاري، وهذا التشكيك خطير في محتواه خصوصا وأن الفاعل الرئيسي معتقل ويتم التحقيق معه وفق المساطر القانونية، لكن الرجل التافه خرج علينا بتخريجة لم يسمع بها حتى الجن حين زعم أمام أنصاره الذين جمعهم تحت يافطة دورة تكوينية في الإعلام أن عادل العثماني المتهم الرئيسي في تفجير أركانة كان "كامي لحشيش" عندما قام بإعادة تمثيل الجريمة وأن الذي "حششه" هو المخابرات، لم نسمع يوما أن شخصا تحشش رغما عن أنفه ولم نسمع أن الشوباني كان طبيبا حتى يفحص دم العثماني. فهل يتحمل الشوباني مسؤوليته الكاملة فيما يقول، أم أنه أراد أن يصنع لنفسه سجنا يدخله بإسم إشاعة الكذب و التضليل والتشكيك في جرائم قتل مازال القضاء يحقق فيها.
الغرض من كل ذلك هو التشكيك ليس في الأجهزة الأمنية وعملها فحسب ولكن التشكيك في الدولة برمتها حتى تظهر بمظهر الدولة السوقية وبالتالي الحكم على المسار الديمقراطي بالتلف لأنه ترعاه دولة ليست في المستوى الذي يريده حزب العدالة والتنمية.
وإمعانا في التشكيك في أجهزة الدولة قال سلكوط آخر من سلاكيط آخر زمن عبد الله بوانو، الذي كان يلبس صباطا مقطعا في الجامعة، فظهرت عليه آثار النعمة فجأة بعد أن التقى نموذجه في العمل الإسلامي حسن الترابي بالخرطوم، وقدم له نفسه على أنه زعيم طلابي كبير، ولم يكن يومها يؤم سوى بضعة طلبة منضويين تحت لواء الفعاليات الطلابية، إن الرجل الذي أدخل نيني للسجن وشحه الملك في عيد العرش وهذا تشكيك خطير في المؤسسة الملكية في محاولة للضغط عليها قصد منحهم رئاسة الحكومة.
لكن هيهات هيهات فإن الدولة أعلنت بداية عصر الشفافية والمنافسة الحرة. وزاد قائلا في اجتماع للجنة الداخلية لمناقشة القوانين الانتخابية إن علي وعلال وإلياس هم الذين يعينون العمال والولاة انطلاقا من مقهى بحي الرياض، وهذا اتهام خطير وضرب في العمق لاختصاص من اختصاصات المؤسسة الملكية. الرد على ترهات كتيبة الموت دخل حزب بنكيران والموكول لها ضرب المؤسسات بفبركة الإشاعات وإطلاق التهم يمينا وشمالا جاء يوم الخميس 26 غشت، خلال إجتماع للجنة الداخلية بمجلس النواب، والتي كان موقفها صارما من الأقاويل والإتهامات التي تريد العدالة و التنمية أن تفرش بها أرضية الإستحقاقات المقبلة و تقويضها والضرب في كل الإلتزامات و الخطب والتوجيهات الملكية، فالحزب لم يعد له أي حد أو احترام ولاحتى توقير لأسمى رمز في الدولة، فهمهم الوحيد هو الإنتخابات والفوز فيها ولو أدى بهم الأمر الى تزويرها لصالحهم. لقد اكد السيد وزير الداخلية خلال هذا الإجتماع أن الذي يعين الولاة والعمال ليس أي شخص، وأن هذه المهمة يقوم بها جلالة الملك بصفته الدستورية، وكل اتهام و إلصاق مسؤولية التعيين في هذه المهام لشخص ما فهو من باب إطلاق الإشاعات والتشكيك. وحول الأقاويل التي بدأ حزب بنكيران في تناسلها، أوضح السيد وزير الداخلية أن تاريخ اجراء الانتخابات التشريعية كما تم الإتفاق حوله هو 25 نوفمبر، وأن تاريخ 11 نوفمبر الذي روجت له بعض الأحزاب ووسائل الإعلام لاأساس له من الصحة و لم يسبق لوزارة الداخلية أن اقترحته. و عن الإتهامات والتشكيكات التي أصبح يطلقها بعض ممتهني الخوض في الماء العكر داخل نفس الحزب الإسلاماوي، حول التوشيح الأخير لسيد عبد اللطيف الحموشي من طرف جلالة الملك أوضح السيد الوزير أن هذا التوشيح هو تكريم وإعتراف بالخدمات الأمنية التي قدمها للبلد. فعندما يكون المدعو بوانو وشوباني و أمثالهما يرقدان تحت إبط زوجاتهما في أمن و أمان، هناك رجال بواسل يقدمون حياتهم ويسترخصونها فداء لهذا الوطن. ولأن المدعوان بوانو وشوباني لم يسبق لهما أن كانا في موضع الضحية ولم يتم بعد تهديد حياتهما ولا تم اعدامهما خلال ضربة إرهابية، يحق لهما أن يفتحا كل الثقب التي في أجسامهما ليعبرا عن المستوى المنعدم للحس الوطني المعطل لديهما.