برفضها تقديم يد المساعدة لجيرانها في مالي الذين يريدون استرجاع شمال بلادهم المحتل لأكثر من تسعة أشهر من طرف المتمردين الجهاديين من مختلف المشارب..تكون الجزائر قد وضعت نفسها .حتى اشعار اخر .في موقف حرج وهي التي ظلت باستمرار تتباهى بريادتها الإقليمية التي كشفت أنها تتجاوز قدراتها الحقيقية. فالجزائر تعلن من جهة .وبصوت عال .معارضتها لأية فكرة تروم تقسيم مالي. ومن جهة أخرى. تتردد في اتخاذ تدابير ملموسة لمنع مثل هذا الاحتمال. فالامر يتعلق بتناقض يظهر عدم وضوح الرؤية بالنسبة لبلد يدعي أنه يقود السياسة الدبلوماسية في المنطقة وكونه فاعلا لا غنى عنه لضمان أمنها.
ففي شتنبر 2011. استضافت الجزائر مؤتمرا دوليا حول مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. كان الهدف المفترض منه تعزيز التعاون بين المشاركين لمواجهة تهديد متزايد. وهي رواية لم ترق الكثير . بما أن مروجيها لم يكونوا يرغبون سوى في الدفاع عن مصالحهم الخاصة بدلا من العمل على مشروع مشترك لمواجهة التهديد الإرهابي.
وبالنظر لتطور الاوضاع يمكن بسهولة استنتاج أن هذا الحفل الذي تم انتقاء من حضروه واقصاء المغرب منه .كان مجرد خدعة لخدمة اهداف توسعية خيالية . وبعد بضعة أشهر. اجتاحت "القاعدة" والموالين لها شمال مالي. حيث تم ارتكاب جميع أنواع الأعمال الوحشية ضد السكان المحليين والتراث الثقافي لبلد كان دائما مركزا للإسلام المعتدل.
ومن وجهة النظر السياسية .فان ما شهدته مالي كان بمثابة اختبار للحقيقية بالنسبة لصناع القرار الجزائريين الذين سخروا عبثا كل طاقتهم من أجل إقصاء المغرب من الرهانات الأمنية الإقليمية والحيلولة دون أية مساهمة حاسمة من طرفه لفائدة الأمن في القارة.
ففي الوقت الذي برزت فيه بلدان المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا على الساحة معلنة دعمها لطلب سلطات باماكو من أجل تدخل عسكري دولي . لعبت الجزائر دور النعامة بهدف المراوغة دون تقديم مسالك للتفكير في عمل جماعي يجنب التدخل الأجنبي في شؤون المنطقة.
وعلى ما يبدو فإن الجيش الجزائري غير قادر على إعطاء مضمون عملي للرواية الرسمية بشأن الريادة الإقليمية وخاصة في منطقة الساحل. فقدرات التنفيذ لدى هذا الجيش. بما في ذلك ضمن بعثات إنسانية خارج البلاد. من قبيل منطقة الساحل.على سبيل المثال. تبدو غير مؤكدة .
فينبغي من حين إلى آخر.وبعيدا عن أي خطاب للقوة. أن تكون هناك خطة عسكرية. حتى وان كانت متعلقة باستتباب السلم. لإعطاء معنى ملموس لوضع الريادة غير المتحقق منه. فالصراع في مالي. البلد الذي له حدود مع الجزائر تمتد على 1200 كلم. يثير مسألة أساسية بطريقة غير مسبوقة وحاسمة في آن واحد بالنسبة لصناع القرار في الجزائر .
وقد أعربت بلدان المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا رغم مواجهتها مشاكل اقتصادية عديدة عن حرصها القوي على دعم السلطات الشرعية في مالي عسكريا . في حين حاولت الجزائر تقديم جزء من المتمردين . من خلال المساومة في مفاوضات معهم. كمحاور مقبول للالتزام بمسلسل سياسي في البلاد. وهذه مفارقة تلخص تماما الوضع غير المفهوم للجزائر ويكشف عن انهيار تطلعاتها التوسعية الإقليمية.
ومن جهته جاء التدخل العسكري الفرنسي في الأزمة المالية. من خلال قوات جوية أو برية. ليثبت اخر مسمار في نعش التطلعات الجزائرية . ففرنسا .القوة الاستعمارية السابقة. التي لديها بالتأكيد مصالح في المنطقة.جاءت لتفضح الموقف المتهاون للسلطات الجزائرية. التي تعرقل جهود استعادة الشرعية في هذا البلد المنتمي لمنطقة الساحل. ففي باريس. يسود اقتناع بأن هذا التدخل سيكون موضع ترحيب من قبل السكان الذين أنهكتهم الصراعات والذين يعارضون إلى حد كبير المتطرفين الاسلاميين.
فتراخي الجزائر ورؤيتها الضيقة لعلاقات الجوار.وتشبثها بشكل مرضي بموقفها المعارض للمغرب . كلها عوامل أفضت إلى إجهاض حل افريقي للملف المالي وفتح الباب على ما اعتبره صناع القرار الجزائريون. بدافع الضعف بكل تأكيد. نزعة تدخلية.
ففي نهاية المطاف. لن تخرج دولة مالي من وضعها الحالي إلا بمساعدة بلدان القارة. ولن يكون الأجنبي إلا عنصرا داعما . والحل النهائي لن يكون إلا افريقيا. والمغرب ضمن إطار دولي متشاور بشأنه سيتحمل مسؤولياته الاقليمية لاسيما إزاء الساحل .