قال رشيد لزرق، محلل سياسي وخبير دستوري، إن ورش إصلاح الوظيفة العمومية يحتاج إلى كفاءات عالية، لا تتوفر في الوزراء الذين تعاقبوا على هذا القطاع. وأضاف لزرق في تصريح ل"تليكسبريس"، أن الوزراء الذين تداولوا على ورش إصلاح الإدارة هم الأضعف في تاريخ المغرب بكل المقاييس، وخير مثال على ذلك أن محمد بنعبد القادر، الوزير الحالي المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية يشترك مع سلفه محمد مبدع في عدم الإلمام بالإدارة وضعف التكوين وانعدام الكفاءة. وأوضح لزرق، أن الرجلين معا لا يمثان للإدارة بأي صلة عن قرب أو عن بعد، وليس على دراية بملفات الإصلاح الإداري ولا يلمان باستراتيجية مكافحة الفساد التي هي ضمن الملفات الحساسة والمعقدة، كما لا يصعب الجزم بأن المدة التي قضياها على رأس القطاع تعد فترة سوداء وحالكة وصعبة. وأكد المحلل السياسي رشيد لزرق، أنه في عهد الوزيرين، مبدع وبنعبد القادر، تحقق لأول مرة إجماع لدى الخبراء ومحللي الشأن الإداري بكون هذا الورش أضحى "قنبلة" في وجه الحكومة و عائقا أمام التنمية، في الوقت الذي كان يلزم تجند الإدارة المغربية لتكون أداة لإنجاح سياق وطني للإصلاح من خلال تضافر جهود الكل بغاية بلوغ مرحلة التنمية والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية. لكن هذه الغاية تظل بعيدة المنال في حل والتنزيل المبدع والسليم لنصوص التعاقد الدستوري، الذي خول للحكومة صلاحيات كبرى باعتبارها السلطة التنظيمية، وأوكل لها التعيين في المناصب السامية، وفق ما هو مؤطر بالقانون التنظيمي رقم 02.12 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.12.20 بتاريخ 17 يوليو 2012 المتعلق بالمناصب العليا كما وقع تعديله، يضيف لزرق. وفي المقابل، أوضح لزرق أن هناك غياب للارادة السياسية في اصلاح هذا الورش بروح وطنية و مسؤولية، وهو ما يظهر جليا عبر الوزراء الذين تداولوا على القطاع والذين كان القاسم بينهم افتقادهم الدارية والكفاية العلمية بما يستطيعون معه من الإشراف على ورش ضخم يتطلب الجرأة و الإبداع بغاية إخراج الإصلاح من عنق الزجاجة. وزاد لزرق، أن "الملاحظ أنه في الوقت الذي يعبر إعطاء صلاحيات التعيينات في المناصب السامية على ضرورة تحمل المسؤولية السياسية، فإن الممارسة العملية جعلت من سلطة التعيينات غنائم حكومية توكل على أساس حزبي وسياسي لتشكل مساسا واضحا بمبدأ المساواة، وحياد الإدارة، بعدما حضرت الولاءات السياسية والانتماءات الحزبية أو العائلية وغابت الكفاءة، وأن بعض الإدارات تحولت إلى ملحقات حزبية، وأصبحت من الأسباب الكبرى في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إذ أن الحشود الحزبية المعينة ضربت مبدأ الاستحقاق، وظلت عاجزة عن ترجمة مقتضيات السياسات العمومية والسياسة العامة". وفي تناقض تام مع التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى، التي نشهدها والتي تتطلب أن تختار الحكومة أجدر الكفاءات والخبراء الأكاديميين أو أرفع الخبراء الإداريين والأطر والموظفين، فإن الاتجاه أدى إلى تلغيم الإدارة وإغراقها بتعيينات في كافة المستويات بأشخاص لا يفقهون شيئا من الملفات العادية، فما بالك بالملفات الحارقة المطروحة اليوم، وأبرزها الملف الاجتماعي وملف التنمية. يضيف لزرق. وخلص لزرق إلى أن كل ما قيل أشاع جوا من التراخي في القطاع، مرفوقا بالاحتقان والغضب لدى الإداريين بما يضرب في مقتل مردودية القطاع العمومي ويجعل دور الإدارة في التصرف في الملفات اليومية يتقلص رويدا رويدا، وهو ما لم يحصل مطلقا في أحلك الظروف التي عاشها المغرب، بحيث ساد التفكير الغنائمي في التعامل مع الإدارة، وهو ما جعلها غير قادرة على أداء وظيفتها، اذ فقدت دورها كرافعة اقتصادية، وأصبحت تجسد عائقا أمام التدفق الاستثماري وخلق الثروة، وقد تأكد تراجع الاقتصاد بعد تخلف مردود الإدارة وتراجع الاستثمارات العمومية.