المسرح العربي.. خيبات لا تنتهي المصدر: * حازم سليمان / الامارات اليوم العرض المغربي «حمار الليل» بدا ثقيلاً ومرتبكاً وعاجزاً. الإمارات اليوم لن تصلح الهيئة العربية للمسرح ما أفسده الدهر أو المخرجون، أو على الأقل لن تكون مهمتها بالسهولة المتوقعة أمام واقع مسرحي عربي اختلطت فيه الأوراق، وطاله الترهل إلى درجة كبيرة، لكن أن يكون هناك من يحاول أفضل من لا شيء، مثل هذه الأحاديث تتكرر يومياً في أروقة مهرجان المسرح العربي في بيروت. خيبات متلاحقة وصادمة تترك أثرها بين ضيوف المهرجان وجمهوره والسؤال: هل هذا هو حال المسرح العربي؟ ربما كان العرب بحاجة إلى مهرجان يجمعهم ليعرفوا تماماً المأزق الذي يمر به هذا الفن، وفي الوقت نفسه ليس بالضرورة أن تكون جميع عروض المهرجان مدهشة، فالإبداع والتميز يظل حالة مباغتة، والتجارب المؤثرة تظهر بين الحين والآخر ويمكن القول إن إحدى مزايا هذا المهرجان هي تسليط الضوء عليها ولفت الانتباه إليها، وهذا ما حدث بالفعل مع العرض المسرحي الأردني (سكان الكهف) الذي باغت الجمهور بتجربة مؤثرة وقوية ومبهجة. الدهشة التي رسمها العرض الأردني، جاءت بمثابة طوق نجاة لعروض اليوم الخامس من المهرجان، ليوقظ المشاهدين، خصوصاً بعد الخيبة الكبيرة التي سببها العرض المغربي (حمار الليل) الذي كان متوقعاً له الكثير ما دام يحمل توقيع مسرحي بقامة الدكتور عبدالكريم برشيد مؤلفاً، والدكتور محمد بلخضر مخرجاً، لم يقدم هذا العرض أكثر من فرجة مدرسية مملة. ومع أن عروض اليوم الخامس بدأت مع العرض اللبناني (مساحات أخرى)، إلا أن هذا العرض ورغم الجماليات الكثيرة التي قدمها على مستويات الأداء والحركة، ليس لنا إدراجه في خانة المسرح، على اعتبار أنه عرض راقص صامت، وبالتالي يفتقد أهم عناصر المسرح المتعارف عليها. «مساحات أخرى» استطاع العرض الحركي الأدائي اللبناني (مساحات أخرى) أن يفرض حضوره، فكنا أمام براعة أدائية، وقدرات جسدية مدهشة لرنا جمول ورامي بوحمدان وعلي جواد. ثلاثي استطاع أن يبني على الخشبة فرجة تعبيرية مشوقة أدارتها المؤلفة والمخرجة جنى حسن، التي نسفت فكرة الحوار في العرض واستعاضت عنه بتوظيفات موسيقية وتشكيلات تعبيرية راقصة لعرض قصة حب حافلة بالصراع والهواجس والآلام. هي فتاة عالقة بين رجلين، ميلها إلى أحدهما هو جوهر الصراع النفسي والجسدي الذي شهدناه على الخشبة. مؤلفة ومخرجة هذا العرض جمعت في التشكيلات التي صنعتها على الخشبة بين حكايات كلاسيكية شهيرة في تاريخ المسرح والأدب وارتأت أن تقدمها بصرياً، ومن دون اللجوء إلى الحوار الذي استعاضت عنه بممثلين على درجة كبيرة من اللياقة والمهارة التي فرضت نفسها على الجمهور. افتقاد هذا العرض للحوار لم يوقع المخرجة في مطب الإكثار من الدلالات الإيحائية المرافقة، بل اتكأت على مسرح فقير مكشوف، وكان الاعتماد على أدوات واستخدامات دلالية بسيطة أسهمت في توصيل فكرة العرض وحكايته. وبعيداً عن السجال الذي يمكن أن تولده مثل هذه العروض لناحية انتمائها للمسرح، كنا أمام تجربة محكمة متماسكة فيها ما يكفي من الإبداع والتجريب. «حمار الليل» كل ذلك الإيحاء في العرض اللبناني قوبل بإسهاب تعبيري مدرسي على خشبة مسرح بيروت التي استضافت العرض المسرحي المغربي (حمار الليل) لفرقة الفوانيس. فمنذ اللحظة الأولى بدا هذا العرض ثقيلاً ومرتبكاً وعاجزاً عن تمرير ذلك الخيط الرفيع الذي يربط الصالة بالخشبة. الحكاية التي تروي لنا قصة أشخاص في أحد الموانئ بانتظار سفينة يهربون فيها من واقعهم الصعب كان لها أن تكون مؤثرة لولا الكثير من الكلام والجمل التقليدية والخطابية التي تقال عادة في علاقة الإنسان بوطنه وأهله، وبقينا طوال مدة العرض أمام أقوال وأحكام تمسي في سياق افقي لم يترك لنا فرصة الدخول إلى أعماق هذه الشخصيات المأزومة المرمية في الميناء، المثقف، الراقصة، المجنون، الهارب من الزوجة، الشاب المتمرد، جميع هذه الشخصيات ظلت مسطحة ولم تستطع نقل مواجعها بشكل مؤثر إلى الجمهور، وظلت عالقة بين أكوام الديكور الضخمة، وتلك الشبكة الكبيرة التي تُغلق المسرح ولم نجد لها أي توظيف يذكر باستثناء رمزيتها التي كان يمكن الإشارة إليها بعشرات الوسائل الأخرى. البحث عن مشكلات هذا العرض ستقودنا إلى كثير من النقاط التي تبدأ من نص تقليدي الخطاب والمضمون، الذي يصل بنا إلى نهاية كلاسيكة مفادها أن البقاء في الوطن أفضل من الهجرة، مروراً باللعبة الإخراجية التي اختارت سينوغرافيا تقليدية الدلالة، وكان اللعب في مساحة ضيقة مثقلة بديكورات ضخمة لا مبرر لها، أو لم توظف كما ينبغي فظلت كاتمة على أنفاس العرض. ومن أكبر مشكلات هذا العمل كانت في ذلك الأداء المسرحي المدرسي البسيط، وكنا أمام حلقات مفقودة في علاقة الممثل بما يفعله على الخشبة، المسافة كبيرة كانت بين الممثل والعمل وبالتالي كبيرة المسافة أيضا بين العمل والجمهور. بصورة عامة كنا أمام عرض مغربي مخيب، والأمل بألا يكون هذا العمل يمثل حقيقة واقع المسرح في المغرب. «سكان الكهف» ينبش العرض الأردني (سكان الكهف) في الروح، كل ما فيه يصل بنا إلى حافة الألم، حتى ذلك الضحك كنا نستعيذ منه ونخاف من عواقبه، لكن في نهاية المطاف هذا هو المسرح، لعبة خطرة ومؤلمة، رحلة في مواجهة حقائق مؤلمة ومؤرقة. ليست المرة الأولى التي يتصدى فيها مخرج عربي لهذه المسرحية العالمية التي كتبها وليام سارويان، كثير من النجوم العرب خرجوا من عباءة (سيد المسرح) الشخصية الأساسية في العرض، لما فيها من مفاتيح وممكنات تعبيرية تغري الممثل في أن يصل إلى أقصى درجة من الجمال على الخشبة، وهذا ما حدث مع الممثل أحمد العمري الذي قدم عرضاً مؤثراً وناضجاً، الجسد، النطق، الوجه، الصوت التفاعل مع المكان والزمان، الانتقال بسلاسة من حالة إلى أخرى، جميعها عناصر متوافرة في هذا الممثل ليكون نافراً وبارزاً على الخشبة كعلامة فارقة. ليس الممثل في هذا العرض هو سبب جودته فقط، بل ثمة من يدير اللعبة ويحركها ويعرف ماذا يفعل بكل العناصر التي بين يديه، والمقصود هنا المخرج خليل نصيرات الذي صنع عرضاً متماسكاً، تجتمع فيه جملة من العناصر الفنية بدءاً من البنية البصرية للخشبة، مروراً بتوليفة النص وتطويعه والتماهي معه ليكون قادراً على حمل مضامين محلية وعربية، ومن خلال عدد من الممثلين هم: أريج جبور، سوزان البنوي، بلال زيتون، ناصر حوامدة، بكر الزعبي، أحمد أبوسبيتان. في هذا العرض كنا أمام مسرح داخل مسرح، وحضور إنساني يبحث عن ذاته أمام الهدم الذي يتجاوز هنا المباني ليطال الذات البشرية المأزومة. مواجع وجودية مؤرقة، وكوميديا سوداء تنتزع الضحك من الغصة، وتحرض فينا التفكير بكل هذا الذي يحدث من حولنا. تقوم اللعبة في هذا العرض على ما يمكن تشبيهه بلعبة الصناديق المغلقة، كلما فتحت واحداً قادك إلى آخر، هذه البنية المركبة للعرض تم تدعيمها بسينوغرافيا دلالية صممها محمد أبوحلتم لتكون عاملاً داعماً وشريكاً في العمل، هذه الشراكة هي واحدة من مميزات التجربة، إذ تجتمع العناصر الفنية في وحدة حال تقودنا في النهاية إلى عرض متكامل لا يطغى فيه عنصر على على آخر، كل ذلك آت من قراءة جماعية للعمل وهي في نهاية المطاف قيمة المسرح وخصوصيته.