إن الله عز وجل حين اصطفى نبيه وحبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون خاتم الأنبياء و المرسلين، و هاديا و مبشرا ونذيرا لكل بني البشر، إلا تأكيدا منه سبحانه وتعالى على عظمة هذا النبي الأمي . فالله عز وجل هيأ كل الظروف ليصبح نبيه الأعظم الشخصية التاريخية التي تزداد قيمتها بقدمها عكس ما نقرِؤه في كتب التاريخ عن الشخصيات التاريخية التي ساهمت في بناء حضارات عريقة ، فسرعان ما تتقادم أسماؤها مع مرور الزمان ، أو ينطفئ نورها بمجرد مجيء شخصيات أضخم منها فكريا أو سياسيا ، فمعظم سير الفلاسفة و المفكرين والعلماء تجد لها مقدمة وخاتمة ، بينما سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فرغم ما ألف فيها من مجلدات ، فهي ستظل كتابا مفتوحا و نبعا متجددا ، بل هي كانت ولا تزال قابلة للتفسير والتجديد .فأين نحن من هذه السيرة العطرة ؟ ما هي الخدمات التي أسديناها لهذا النبي الأعظم ؟. هل يحق فينا قول الله عز وجل " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ؟ ما هي مكانته صلى الله عليه وسلم في قلوبنا اليوم؟ هل نستحضر سيرته في كل آن وحين ، هل نستحضرها في بيوتنا ، في مؤسساتنا التعليمية، ، في إداراتنا ، في حينا ، هل نستحضرها في أفراحنا وأتراحنا هل ...هل.... فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد ترجم لغة القرآن إلى فعل وممارسة يومية، ماذا ترجمنا نحن عن سيرة خير الأنام ؟ إننا نعيش اليوم أزمة ضمير خانقة، ومن مظاهرها أننا نقول ما لا نفعل، أننا نبغض من ينصحنا ويعطف علينا – لوجه الله – أننا نختار عكس ما نحب وما حسمنا في اختياره منذ قليل، أننا جعلنا من اللئيم خليل ، ومن المحسن دليل. فلنعد إلى رشدنا ، فلنمعن النظر في سيرة الحبيب ، إنها رحمة للعالمين، فلنقتدي به عليه الصلاة و السلام في حركاتنا وسكناتنا ، فلنمثله في عصرنا هذا أحسن تمثيل ، فلنجعل منهاجه دروسا في الحياة ، فلنجعل اسمه يتردد على كل فاه ، فلنجعل حبه يجري في أجسامنا مجرى الدم في العروق ، وهذا أقل ما يمكن أن نفعله في ظل وجود هجمة شرسة عليه صلى الله عليه وسلم في وقتنا الحالي . إننا اليوم في حاجة ماسة لإعادة ترتيب بيت مجتمعنا الإسلامي ، و ذلك من خلال إعادة النظر في سلوكياتنا مع أبنائنا وأزواجنا، و مع كل من له حق علينا. فأين نحن من معاملة نبينا لأبنائه وزوجاته ،من معاملته صلى الله عليه وسلم لخدامه وأقربائه ، فالرحمة كانت هي سلوكه اليومي ، هذه الرحمة ما كانت لتلتصق بهذا النبي الكريم لولا إرادة الله سبحانه وتعالى . فنبينا أذاقه الله كل أشكال الحرمان منذ نعومة أظافره ، وذلك لحكمة اقتضاها سبحانه . أجل هذه الحكمة اقتضت أن يذوق طعم اليتم ليكون رحيما بالأيتام ، هذه الحكمة اقتضت أن يذوق طعم الفقر ليكون رحيما بالفقراء والمحتاجين ، كما أن هذه الحكمة اقتضت كذلك أن ينشأ أميا ليكون رحيما وعطوفا بالأميين ........ فهذه الرحمة المهداة لو عرفته البشرية حق المعرفة ، وفهمته حق الفهم لهامت به حبا ووجدا . فآن الأوان لتتفتح القلوب وتحيا الضمائر، لننصب أنفسنا خداما للحبيب ولسيرته العطرة.