التأم ثلة من المثقفين والإعلاميين، مساء امس الجمعة بطنجة في ندوة وطنية منظمة بشراكة بين وزارة الثقافة والاتصال والمركز الإعلامي المتوسطي، لبحث تفكيك العلاقة الملتبسة بين الثقافة والإعلام. واعتبر الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، عبد اللطيف بنصفية، في كلمة خلال الندوة أن "الثقافة أتلفت بسبب التداخل مع المواد الترفيهية في الإعلام، فضلا عن شغلها حيزا ضيقا وبرمجة فقراتها في ساعات المتابعة القليلة". وأبرز أن العرض الإعلامي الثقافي مرتبط بالإبداع الإنساني والحضاري للمجتمع وبالممارسة الإعلامية للمغرب، لكنه للأسف لا يأخذ بالتخطيط الاستراتيجي، مبرزا كذلك ضعف "الأداء الإعلامي للمثقفين وعلاقتهم المحدودة بتكنولوجيات الإعلام والتواصل ومحدودية القدرة على التسويق الإعلامي للمادة الثقافية". للخروج من هذا الوضع، اقترح الباحث ضرورة الرفع من سقف المادة الثقافية في دفاتر التحملات المقبلة للإعلام العام والخاص على السواء، وتشجيع المثقفين على استغلال الإمكانات الهائلة للانترنت، ودعم تكوين إعلاميين متخصصين في الشأن الثقافي، والنهوض بتشبيك الإعلام الثقافي. من جانبه، اعتبر بنسالم حميش أن الثقافة هي صيانة الذاكرة النافعة والمخيلة المبدعة وإنعاشهما، وهي الإسهام في بناء مجتمع المعرفة وتقوية أساسياته، فالثقافة هي نقد وتجاوز العولمة السائبة والرأسمالية المالية الافتراضية القائمتين على التحلل من الواقع وحقوق الناس. وأضاف أن الثقافة هي رصد مكامن سلوكات الغلو والتعصب والعنف وعلل تكونها واعتمالها، وذلك بغية معالجتها ومغالبتها وتحرير المجتمع والناشئة من تمظهراتها ومخاطرها، كما أنها هي الارتقاء بالوعي الفردي والجماعي للتشبع بقيم الجمال والخير والحقيقة، ومبادئ المواطنة البناءة والحرية المسؤولة. وأعرب عن الأسف لكون أن "الثقافة ليست أعز ما يطلب، وهو ما يعكسه كم وزمن البرامج الثقافية في الإعلام"، معتبرا بالمقابل أن التحجج بميولات واختيارات الجمهور هو "مجرد شماعة يعلق عليها الإعلام قلة اهتمامه بالثقافة عوض العمل على الرقي بذوق الجمهور". بدوره رأى الإعلامي ياسين عدنان أن البرنامج الثقافي يلعب دور الوساطة بين المنتج والقارئ، لكن في المغرب "البرنامج الثقافي معلق في الفراغ، فهو غير مسنود بناشر قوي، ولا بقارئ مهتم". وأبرز صاحب البرنامج الثقافي "مشارف" على القناة الأولى أن المطلوب من السلطات العمومية "موقف يقوم على دعم الحاجة إلى البرنامج الثقافي لنشر المعرفة والمضمون الفكري وتغذية الوجدان وتنمية الذوق وحاسة النقد لدى المواطن"، معتبرا أن دفاتر التحملات جاءت لتؤمن الحيز المخصص للثقافة في الإعلام، لكن يتعين أيضا التوفر على رؤية ثقافية تؤطر الإنتاج التلفزيوني. من جهته، ذكر السيد الشاعر ومدير مجلة "الثقافة المغربية"، صلاح بوسريف، بأن ظهور الصحافة في المغرب ارتكز على جوهر ثقافي، مبرزا في هذا السياق التجارب الإعلامية الأولى بتطوان وطنجة وفاس، وظهور الصفحات والملاحق الثقافية بالجرائد الحزبية والمستقلة بعد ذلك. ومن جانبه، اعتبر الكاتب العام للمركز الإعلامي المتوسطي، حمزة المتيوي، أن اختيار عنوان الندوة نابع من معاينة "العلاقة المتشنجة" بين الإعلام والثقافة، و"الاتهام المتبادل" بالتقصير، مبرزا أن الندوة تحاول تقريب وجهات النظر بين المثقفين والإعلاميين واكتشاف أسباب تراجع الحضور الثقافي في وسائل الإعلام. وتميزت الندوة بحضور وزير الثقافة والاتصال، محمد الأعرج، الذي أكد على أن تضافر الجهود بين الثقافة والإعلام كفيل بالارتقاء بالمضامين الثقافية للمشهد الإعلامي من الطابع النخبوي إلى الطابع الجماهيري، وبالنظر إلى وجود تجارب إعلامية سابقة وحالية ناجحة، فإن هذه المسألة تبقى مسألة اختيار واشتغال وابتكار.