بعد أشهر عجاف، ترتفع منذ أيام وتيرة خطوات رسمية تعيد العلاقات بين المغرب وإسبانيا إلى سيرتها الأولى. البداية كانت في 18 مارس الجاري، عبر رسالة بعث بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، إلى الملك محمد السادس. في هذه الرسالة وصفت مدريد مبادرة الرباط للحكم الذاتي بأنها "الأكثر جدية" لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية؛ وفق بيان للديوان الملكي. واعتبر الأكاديمي المختص في العلاقات الدولية محمد العمراني بوخبزة، أن "التحول في الموقف الإسباني من قضية الصحراء هو خطوة أولى ستمهد الطريق لفتح صفحة جديدة". وقال بوخبزة، عميد كلية الحقوق بجامعة عبد المالك السعدي في تطوان، إن هذه "الصفحة الجديدة ستحتاج إلى إرادة قوية لوجود ملفات عالقة يجب الاشتغال عليها". وبين هذه الملفات العالقة: الحدود البحرية والهجرة غير النظامية ومدينتا سبتة ومليلية المتنازع عليهما بين البلدين. وتابع بوخبزة: "الموقف الجديد هو تحول في الاتجاه الصحيح، وتعبير واضح لا لبس فيه، بمثابة تحول للمضي بالعلاقات إلى مستويات (أفضل)". وأردف أن "الشريك الإسباني تفاعل مع ما عبر عنه المغرب من تطلعات وأسس لضبط العلاقات بين الجانبين على أساس المصالح المشتركة والثقة المتبادلة ومبدأ الوضوح". من جانبه؛ قال المحلل السياسي محمد بودن، إنه "بالنسبة للمغرب لم يكن الهدف هو الخروج من الأزمة، بل الحصول على تحول استراتيجي في الموقف الإسباني". وأضاف بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، أن "الموقف الإسباني يمثل مؤشرا على تحول استراتيجي، وأيضا عامل آخر من العوامل المحفزة لتعزيز الشراكة بين الجارين". وزاد بأن "إسبانيا يهمها الاستقرار في الفضاء الأطلسي، لذلك حدث التحول في موقفها". موضحا أن "هناك أيضا المتطلبات الأمنية، خاصة ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وأيضا معالجة ملف الهجرة". وفي رسالته، أكد رئيس الحكومة الإسبانية "عزمه العمل جميعا من أجل التصدي للتحديات المشتركة، ولاسيما التعاون لتدبير تدفقات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والعمل على الدوام في إطار روح من التعاون الكامل". ووصف بودن الموقف الإسباني الجديد من مبادرة الحكم الذاتي في إقليم الصحراء بأنه "مهم جدا". وأرجع ذلك إلى أن "إسبانيا لها مسؤولية تاريخية، وهي أحد أعضاء مجموعة أصدقاء الصحراء المغربية، وأيضا تساهم في الجهود الأممية لحل النزاع". وقال بودن إن "الموقف الجديد لإسبانيا يأتي في ظل دينامية دولية تساند الحكم الذاتي، باعتباره الأساس المنطقي والجدي لحل النزاع في الصحراء". وأضاف أن "إسبانيا تتابع مواقف الدول الكبرى، أمريكا وألمانيا، وأيضا دعم مجلس التعاون الخليجي، ودينامية فتح قنصليات في أقاليم الصحراء". وفي 10 دجنبر 2020، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء، وفتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة. ووفق بودن، فإن "المغرب وكذا إسبانيا يتعاملان مع علاقات دولية متشابكة، وبالتالي وجب التعامل مع الوضع الدولي كما هو، وليس كما تتمنى أي دولة". وزاد بأن "هناك تحولات مرتبطة بالطاقة والأمن الغذائي بالتزامن مع الأزمة الروسية الأوكرانية، ساهمت في دفع إسبانيا إلى وضع حد لأزمتها مع المغرب". ومنذ 24 فبراير الماضي، تنفذ روسيا عملية عسكرية في جارتها أوكرانيا، ما دفع عواصم عديدة إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية على موسكو. وروسيا هي أحد أبرز موردي النفط والغاز، وهي وأوكرانيا من الموردين الرئيسيين للقمح. وتابع بودن: "ستكون إسبانيا محتاجة اليوم أكثر للمغرب، بخصوص استيراد بعض المنتوجات الفلاحية، وأيضا الأسمدة التي سيرتفع عليها الطلب، بينما المغرب من الدول المصدرة لها". متفقا مع بودن، اعتبر بوخبزة أن هناك "تحولات كبرى تقع على المستوى الدولي والإقليمي.. إسبانيا تدرك حجمها وتدرك الأدوار الجديدة للأطراف الإقليمية". ولفت إلى أن "علاقات المغرب وإسبانيا تاريخية، لكن هناك تغيرات على المستويين الإقليمي والدولي، وجب أخذها بعين الاعتبار".