ليس غريبا على المتابعين أن يتنبأوا بمصير مؤتمر باريس، وأن يعرفوا موقف إسرائيل الرافض لهذا المؤتمر، فقد واظبت إسرائيل منذ تأسيسها، على اعتماد آلياتٍ تفاوضية مع العرب والفلسطينيين، وهذه الآلياتُ التقليدية أثبتتْ فعاليتها طوال أكثر من ستة عقود، فإسرائيل كانت قد أعدَّتْ شعارَها التقليدي الموجَّه إلى الجمهور الإسرائيلي، وهو: "عليكم إكمال تحقيق الحلم الصهيوني، بالاستيطان، والتوسع، وطرد الفلسطينيين، ليس بالقذائف والمتفجرات، بل بالاتفاقات، واللقاءات والمباحثات، فكل المباحثات، والاتفاقيات، لم تكن سوى مهرجانات تخاطبُ الواقعَ العالمي، تشير إلى أن إسرائيل هي الطرف المبادر للسلام، أما العرب والفلسطينيون فهم دائما أصحاب اللاءات، والرفض، والشجب، والمقاطعة" لذا فقد انزعجت إسرائيل من موافقة الفلسطينيين على مؤتمر باريس للسلام، فتوظيفُهَا لمؤتمر القمة العربي في الخرطوم 29/8/1967 المسمَّى (مؤتمر اللاءات الثلاثة)، أي لا صلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل، وتوظيفها السابق على مؤتمر اللاءات، في رفض العرب والفلسطينيين لقرار التقسيم 181 الصادر في 29/11/1947 ظلَّ سيد البربوغندا الإعلامية في إسرائيل طوال سنوات عمرها! بالمناسبة فقد نجحت إسرائيل في ذلك خلال عقودِ طويلة، على الرغم مِن أنَّ المؤرخين الجُدد في إسرائيل في بداية الألفية، أبرزوا من أرشيفهم معلومات، أخفتْها إسرائيل، تشير إلى أن مصر وسوريا كانتا تسعيان لمفاوضات السلام مع إسرائيل، سرا وعلانية، حتى في ظل الأنظمة العربية اليسارية!! ومن أسباب الرفض أيضا، أن إسرائيل ظلت تحتفظ طوال عقود بنظرية المفاوضات، غير المتكافئة، أي مفاوضات بين الجانب الإسرائيلي القوي، وبين الجانب الآخر الضعيف، وهذا التفوق التفاوضي أعطاها وحدها مميزات عديدة، وخبرات طويلة في دراسة نفسيات المفاوضين، وجعلها تتمكن من إلصاق التهم بمفاوضي الطرف الآخر، وتوريطهم استخباريا لكي يُقابلوا بالشجب والاستنكار بين أهلهم وعشيرتهم، لغرض إفشال التفاوض، أو الحصول على مكاسب، وكانت تلك ميزة استثمرتها إسرائيل بصورة بارزة! ولعلَّ أبرز أسباب رفض إسرائيل لمؤتمر باريس للسلام كذلك، كان ينبع من نجاحها خلال السنوات الست الفائتة، في إلغاء الشعار المرفوع في العالم، وهو: "احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية هو مصدر الشرور في العالم" نجحت إسرائيل بالفعل في إلغاء هذه النظرية، باستغلال الأحداث الجارية في دول العرب، وقالت للعالم: "انظروا، إنَّ المجازر، والتهجير، والتقسيم، الجارية في العالم العربي، لا تتعلق بإسرائيل مطلقا، فإسرائيل بريئة من دم الخريف العربي، فالمشكلة إذن في الديكتاتوريات في العالم العربي" استهزأت إسرائيلُ بالعالم كله، وهي تقول: ألم تروا أنكم كنتم تظلموننا؟!! وقد انبرى هذا اليوم، يوم انعقاد مؤتمر باريس، 3/6/2016 مديرُ عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، وشبه مؤتمر باريس للسلام بمعاهدة، سايكس بيكو 1916 عندما اتفقت بريطانياوفرنسا على تقسيم الشرق الأوسط، لأن دوري غولد، وسياسيي إسرائيل، قد انزعجوا من عودة فرنسا إلى اعتبار الاحتلال الإسرائيلي، والاستيطان، باعثا على الإرهاب في المنطقة، وفق ما جاء من تصريحات فرنسية!! ومن أسباب رفض إسرائيل لمؤتمر باريس أيضا، أن إسرائيل تودُّ أن تنفذ آخر مخططاتها، والتي تقضي بأن يتحول العربُ من شركاءَ للفلسطينيين في قضيتهم الأزلية(القضية الفلسطينية)، من داعمين، ومصلِّبين للفلسطينيين في المطالبة بحقوقهم، إلى مقاولين من الباطن لحلَّ هذه القضية، وذلك باستخدام نفوذهم، ونقودهم، للضغط على الفلسطينيين، لان لإنجاز حلٍّ شريف، بل لإنهاء كل متعلقات القضية الفلسطينية برمتها، فهذا الوقت، هو أنسب الأوقات، عند إسرائيل، لتنفيذ المخطط، فالعرب يعيشون أضعف مراحل تاريخهم، وعندهم استعداد للتعاون، والتحالف، وعقد المعاهدات مع إسرائيل، في مقابل أن تحفظ إسرائيلُ عروشهم، وتمنع سقوطهم!! حتى لا تفقد إسرائيلُ أسلحتَها الدبلوماسية التقليدية، فإنها تسعى اليوم إلى إفشال مبادرة السلام الفرنسية، فهي تارة تهدد فرنسا ليس باستيعاب الجالية اليهودية الثرية والكبيرة، الموجودة في فرنسا فقط، بل تهددها بوقف التنسيق المخابراتي معها في مجال (مكافحة الإرهاب) وهذا سيحرم فرنسا من تفوُّق جهاز الموساد في مجال الاستخبارات، وهذه إشارة مبطنة وغامضة أيضا!!