عبد الله النملي / في خطوة لإثارة الانتباه لملف الشهيد كمال عماري، بادرت جمعية عائلة وأصدقاء الشهيد إلى تخليد الذكرى الثالثة لوفاته، تحت شعار " الحقيقة، الإنصاف، وجبر الضرر "، عرفت فعالياتها مجموعة من الأنشطة المختلفة، حيث شهد يوم الجمعة 30 ماي 2014 ،بعد صلاة العصر، زيارة المقبرة للترحم على الشهيد، وفي اليوم الموالي، تم تنظيم حفل تأبيني أمام منزل الشهيد بحي غيثة، ووقفة أمام البرلمان على الساعة السادسة مساء في نفس اليوم، ويوم الأحد فاتح يونيو 2014 ،على الساعة السادسة والنصف مساء، تَمّ تنظيم وقفة احتجاجية بحي دار بوعودة مكان الاعتداء على الشهيد، بالرغم من المنع المكتوب الذي توصل به المنظمون، عرفت إنزالا أمنيا كثيفا، أعقبتها يوم الإثنين 02 يونيو 2014 ندوة صحفية للمحامين بالرباط، فيما تم تأجيل ندوة حول موضوع " الإفلات من العقاب " كان مقررا أن يحتضنها مقر حزب الإتحاد الاشتراكي بآسفي في نفس اليوم. ووفاء لروح الشهيد في ذكراه الثالثة، أصدرت جمعية عائلة و أصدقاء الشهيد عماري بيانا للرأي العام، اعتبرت فيه أن (أجهزة الدولة مُصرة على محاولة طمس معالم الملف بكل الطرق الملتوية التي لم تُجْد نفعا)، و أضاف البيان (ها نحن في الذكرى الثالثة لوفاته، لازلنا نعيش على نفس النهج البائد (..) في دعم الإفلات من العقاب، وهدر حقوق الشهداء والمظلومين والتستر على الجُناة الظالمين)، واستطرد البيان أن ( اخفاء المعالم امتدت للتقارير والدلائل(..) مانعة حق العائلة والدفاع وكل الشعب المغربي في الإطلاع على التقرير الطبي وتقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهذا ما يفند وبالملموس شعارات حقوق الإنسان وتحكيم القانون وضمان الحقوق ويؤكد أن دار المخزن لازالت على حالها)، وطالب بيان الجمعية إلى (الإفراج عن التقرير الطبي وتقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان(..) و مُعاقبة الجناة الذين عذبوا الشهيد في جريمة نكراء أدت إلى وفاته)، كما حمّل البيان (كامل المسؤولية للدولة التي تمارس تعتيما واضحا على الملف وتضمن إفلات الجناة من العقاب). وتبعا للحيف والمماطلة التي شهدها ملف الشهيد في تجلية الحقيقة ومحاكمة الجُناة فقد أصدرت هيئة الدفاع في ملف الشهيد يومه 2/6/2014 بلاغا للرأي العام خَلُصَت فيه ( أنه لم يوجه أي إجراء من إجراءات البحث أو التحقيق ضد أي من رجال القوة العمومية رؤساء ومرؤوسين، رغم أن تقرير المجلس الوطني يشير صراحة إلى مسؤولية عناصر أجهزة الأمن ورؤساء تلك الأجهزة)، و أضاف البلاغ أن ( الاعتداء على الشهيد كمال عماري هي جريمة دولة تتضمن المس بالحق في الحياة وفي السلامة الجسدية والتعذيب، وانتهاك الحق في الانتماء والحق في التعبير والحق في الاحتجاج السلمي، وهي جرائم سياسية بعضها لا يسقط بالتقادم وفقا للقانون الدولي والجنائي المغربي). كما أعلنت هيئة الدفاع في بلاغها عن ( تخوفها من المسار الذي يسير فيه ملف التحقيق المفتوح في القضية أمام محكمة الاستئناف بآسفي، كما تحتج على رفض الجهة القضائية المعنية من تمكين هيئة الدفاع من حقها في الحصول على نسخة من وثائق القضية بما يمكنها من القيام بعملها بما تقتضيه مهامها القانونية)، و أصَرّ البلاغ على (كشف الحقيقة كاملة وتحديد المسؤوليات الفردية والمؤسسية ومحاكمة الجناة وكل المتورطين في القضية أمام قضاء مستقل ونزيه مع توفير كافة الضمانات لمحاكمة عادلة)، وشدد البلاغ أن ( استنفاد جميع إمكانات الحصول على الحقيقة والإنصاف وجبر الضرر أمام المؤسسات الداخلية، يفتح الباب أمام عائلة الضحية للجوء للمؤسسات الدولية المختصة). وكشفت هيئة الدفاع عن (عزمها القيام بخطوات في ملف التحقيق المفتوح أمام محكمة الاستئناف بآسفي لتوجيهه نحو البحث عن الفاعلين أفراد ومؤسسات بما يقطع مع الإفلات من العقاب)، كما حَمّل البلاغ ( المسؤولية للجهات القضائية المتدخلة في الملف وللسيد وزير العدل والحريات ولجميع السلطات العمومية المغربية في كل انحراف يعرفه مسار الملف، وفي كل إجراء من شأنه طمس الحقيقة والإنصاف ). وفي حوار مؤثر، أدلى به والد الشهيد عبد الرحمان عماري، بمناسبة مرور ثلاث سنوات على استشهاد ابنه، لموقع الجماعة نت، جاء فيه أن ( كل شيء ضاع لي، وضاعت معه نصف حياتي كلها (..) بقيت كالشجرة التي ضاع فرعها الأصلي، نعم لدي أبنائي الآخرين (..) ولكن كلهم أبعدتهم ظروف العمل، لكن كمال كان ذراعي الأيمن، يتابع كل أعمال الفلاحة، ويجلب الحاجيات الضرورية، كان المعيل لي ولأمه وأخواته، ابني لا يعوض ولن أنساه ما دمت حيا (..) لقد حكى لي كمال كل شيء بالتفصيل وهو طريح الفراش، قال لي: لقد اعتدى علي البوليس في وقفة سلمية بعد أن سألوني: هل أنت مع المتظاهرين؟ فقلت نعم، مباشرة انهالوا علي بالضرب (..) وسحلوني إلى زقاق ضيق ليكملوا تعذيبي، لم أفعل شيئا ولم أقاوم حتى (..)، لقد سلبوا مني كمال بالقوة، ويراهنون على أن أنساه، ولكن هيهات فلن أنساه ما حييت (..)، وقد أخبرنا بأن قاضي التحقيق قرر إنهاء البحث، ثم فوجئنا به يواصله ! (..)،لقد ساوموني بالمال وأنا لن أتنازل عن حق ابني ولو أعطوني الأرض بما فيها..). وللتذكير، فقد استشهد كمال عماري في إطار الحراك الشعبي الذي دشنته حركة 20 فبراير بالمغرب، حيث تعرض، بحسب حركة 20 فبراير، لاعتداء يوم 29 ماي 2011 من طرف سبعة عناصر من القوات العمومية الذين انهالوا عليه بالهراوات، أثناء ممارسته لحقه في التظاهر السلمي، بحي دار بوعودة بآسفي، مما أسفر عن إصابته في رأسه وفي عموده الفقري، إلى أن فارق الحياة بمستشفى محمد الخامس يوم 02 يونيو 2011 . وبقية الحكاية معروفة من الروايات المتضاربة بشأن وفاته ( السكتة القلبية ! الاعتلال الرئوي ! حادثة السير المزعومة ! والبحث عن الدراجة المزعومة ! )، والحقيقة أنه لا حاجة لتقارير طبية لتبيان حقيقة العلاقة السبيبة بين الاعتداء والوفاة، فعائلة الشهيد ودفاع العائلة يتوفرون على ملف طبي أنجز قبل الوفاة من قبل طبيبين، يشير إلى آثار العنف الخارجي الذي كان ظاهرا على جسده، مما يستبعد مطلقا فرضية المرض الداخلي، ويضع أي تقرير للتشريح يساير أطروحة المرض أصحابه في شبهة التحيز وخرق قسم أبوقراط. وقد أصدر سابقا المرصد المغربي للحريات والوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان تقريرا أكد فيه أن ( الاعتداء العنيف الذي تعرض له الفقيد عماري من طرف رجال الأمن هو السبب المباشر وراء موته)، كما دعت الهيئتان الحقوقيتان إلى ( كشف الحقيقة كاملة في ظروف وفاة كمال عماري وتحديد المسؤوليات، مع اتخاذ جميع الإجراءات القانونية لمساءلة مرتكبي الاعتداءات)، و ( تحديد المسؤوليات على مستوى القرار الأمني في مختلف مستوياته، بخصوص استعمال القوة وما رافقه من اعتداء واختطاف واحتجاز وتعذيب ومعاملات مهينة وحاطة بالكرامة). وفي تقرير منظمة التحالف الدولية قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بعثة المراقبة إلى مدينة آسفي في 03 يونيو 2011 ، اعتبرت فيه أن وفاة عماري (كانت بعد قمع واسع للمتظاهرين الذي بلغ ذروته في 29 ماي 2011)، و أشارت المنظمة إلى أن الشهيد كمال عماري ( بينما كان عائدا من المظاهرة، وفي الطريق إلى عمله أوقفه رجال شرطة، وطلبوا منه وثائق دراجته النارية، ثم سألوه عن مشاركته في المظاهرة، فأجاب "نعم". في هذه اللحظة انهال عليه سبعة من رجال الشرطة بالضرب، ولم يستثنوا أي جزء من جسده (..) وفي هذا الجو من الرعب والخوف لم ينقل كمال إلى بيته إلا متأخرا بعد أن تدهورت حالته. ولم يجرؤ على زيارة المستشفى خوفا من اعتقاله والاعتداء عليه مرة أخرى، لكن بفعل الآلام المبرحة، وتدهور حالته الصحية، وفي ظل رواج إشاعات عن حضور قوات الأمن للمستشفى لمنع الجرحى من ولوج المستعجلات، اضطر للذهاب إلى مستشفى محمد الخامس يوم الخميس 2 يونيو2011 ، وقد أظهرت أشرطة فيديو على الأنترنيت كمال يحتضر إلى أن مات بالمستشفى نفسه). واليوم، وبعد مرور ثلاث سنوات على ملف التحقيق رقم 280/11 المفتوح أمام محكمة الاستئناف ضد مجهول، لا زال الملف يُراوح مكانه، دون أي تقدم يُذكر، بحيث تم الإعلان عن الانتهاء من التحقيق بتاريخ فاتح أبريل 2014 ، ليُعْلَن بشكل مفاجئ عن فتح البحث من جديد في جلسة 3/8/2014 للاستماع للشهود مرة أخرى، ورغم المناشدات والمراسلات التي تقدمت بها هيئة الدفاع، فإنها لازالت حتى الآن محرومة من الحصول على صورة من وثائق الملف، خصوصا تقرير التشريح الطبي الذي انفردت النيابة العامة بنشر ملخص مبثور منه، فضلا عن أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ممتنع عن نشر أو تسليم دفاع أو عائلة الشهيد نسخة من تقرير مهمة التقصي التي قام بها في الملف. كل ذلك يفتح الباب للسؤال عن واقع حقوق الإنسان في المغرب، ومصداقية المزاعم التي يُرَوج لها في المحافل الدولية حول احترام المغرب لحقوق الإنسان، ومما يدعم هذه الخلاصة هو العدد الكبير من الانتقادات التي يتعرض لها المغرب في تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، والتي تجمع أن المغرب يعرف تراجعا في هذا المضمار، بالنظر إلى استمرار شكاوى التعرض للتعذيب وتكريس سياسة الإفلات من العقاب.