بسبب سوء التنظيم أرغموا على قضاء يومين في العراء رغم الضجة الإعلامية المغربية التي ترافق عمليتي العبور و العودة كل سنة،وكثرة الأصوات الرسمية التي ما انفكت تطربنا طيلة العام بشعارات تفيد تسهيل جميع الإجراءات الإدراية وتوفير كل الإمكانيات البشرية و اللوجستيكية،حتى تمر العمليتان في ظروف جد حسنة......... نكتشف و بالصدفة أن الجهات التي أوكلت لها مهمة تسيير هذا القطاع تضحك على ذقون المهاجرين المغاربة،حتى أن البعض يعتبرها طريقة منها لتنفير،هذه الشريحة التي هاجرت بلدها للبحث عن حياة أفضل،في وطنها. التاريخ،السبت 12 يونيو.تراكمت أفواج من المهاجرين المغاربة على ميناء ألميريا قادمين من بلدان أوروبية مختلفة،أصبحت معها فناءات الميناء خلية نحل لا تهدأ.وتحت أشعة شمس من رصاص،كما يقول الفرنسيون،تصرفت العائلات كل بطريقتها لإيجاد مخبئ يقيها لفحات الشمس الحارقة،مفترشة ما حملته معها من أغطية.أضحى الميناء منتجعا،ليس كباقي المنتجعات طبعا،وسط غابة بشرية،يعلوها صراخ الأطفال من كل جانب،أو على الأصح ملجئا للاجئين فروا من نيران الحرب،إلا أنه ليس هذا و لا ذاك. فالأمر يتعلق بمواطنين مغاربة تكبدوا مشاق السفر،بعد أن قطعوا آلاف الكلمترات لزيارة بلدهم،و خانهم حظهم العاثر مع غياب البواخر. عندما اتجهت إلى المركز المخصص لشبابيك بيع التذاكر،داهمتني رائحة نتنة جراء العرق المتبخر مع شدة الحر الذي يتصبب من أمواج بشرية تتدافع أمام الشبابيك لعلها تحصل على تذاكر تقيها شر قضاء ليلة أخرى في الانتظار.وعلى الجهة المقابلة تمدد أطفال ونساء على الأرض،كان لهم السبق في الحصول على هذه المواقع مبكرا ضمنت لهم سقفا يحجب عنهم أشعة الشمس.فوضى لا نظير لها أمام الشبابيك.و حتى تنجح في الوصول إلى الفتاة الجالسة وراء الشباك،كان عليك أن تمارس لعبة الدفع بما ملكته من قوة،وإلا ستدوسك حوافر كائنات بشرية لا تعرف للنظام معنى،ويجهل إن كانت حقيقة تعيش في بلد أوروبي أم لا. في ظل هذا الكر و الفر و تبادل الدفع بالمناكب بين الموجودين على الطوابير،و أية طوابير،حفنة نحل متلاحمة عند الشبابيك،وكل من انسل منها بعد اقتنائه للتذاكر،ومغادرته "للطابور"،يغرق في عبارة "الحمد لله على السلامة" من طرف من لا يزالون يتدافعون في الزحام.أن تخرج ناجيا بتذاكر في يديك يعني أنك نجوت بجلدك.هناك من سقطوا أرضا نتيجة إغماءات بسبب "دفع فيا ندفعيك" و الصهد،بل تردد على أسماعنا أنه حصلت وفيات،صعب علينا التأكد من صحتها.وسبق أن سقط رجل في الخمسينات من العمر أرضا وقبله فتاة في العشرينات من عمرها أمامنا،وحضرت الطريقة المغربية برشهما بالماء حتى استعادا وعيهما.رجال الإسعاف تدخلوا في مناسبات كثيرة في حالات أخرى. الساعة كانت تشير إلى حوالي الرابعة زوالا.وهناك من ساعدتهم قوتهم العضلية و "التبلعيط" في بعض الأحيان،باختلاقهم لكذبات ليقنعوا من حواليهم أن الدور عليهم للانسلال نحو الشباك،في جو من اللانظام والفوضى،و أمام أعين رجال الأمن الإسبان الذين اتخدو ا موقف المتفرج،وفي فضاء غير مكيف،زيادة على وجود فتيات من خلف الشباك غير متمرسات،يسرن في عملهن سير السلحفاة و بالكثير من الغنج.ما أطلق العنان لتعاليق "ماتشوية" من طرف بعض الرجال تضرب في المرأة،وتقلل من قيمتها في مثل هذه المهام البسيطة. تدافعت كأيها الناس قبل أن أطلب من الحاضرين تنظيم أنفسهم على الأقل حتى "لايتشفوا فينا سبنيول"،لكن لمن تحكي زابورك يا داوود.بعد خمس ساعات من التدافع و "العصير" والتصبب عرقا،وجدتني في الأخير أمام الشباك.سلمت للقابضة الوثائق الضرورية،فبدأت في إنجاز التذاكر،وفي لحظة من اللحظات توقفت لتقول لي بتأسف بارد "ماكاينش البلاصة لطموبيل" بعد أن استخلص زميل لها يبدو أنه رئيس المصلحة عشرات التذاكر من حاسوبها أمام جماهير المنتظرين،ليذهب بها في اتجاه مجهول،علما أن هذا "الباطو"،الذي تحدثني عنه هذه الفتاة سيغادر ميناء ألميريا في منتصف الليل. دار بيني وبينها وقتئذ هذا الحوار القصير: وما العمل؟ عليك بالانتظار؟ انتظار ماذا؟ لا أدري... لا تدرين..."كتضحكوا علينا" ألتفت نحو الخلف لأتوجه بالكلام لسوق من المنتظرين من ورائي: "الإخوان راه الباطو اديال 12 اديال الليل أعمر".ارتفعت همهمات و أصوات من هنا وهناك تسب وتشتم،بل منها من كان يقسم بألا يعود إلى المغرب."أفيراها وزراة الجالية"،يقول أحدهم،ثم يضيف الآخر،"وزارة الجالية ومجلس الجالية ومؤسسة الحسن الثاني و ازيد و ازيد،كتلونا غي بالكدوبات".و يتدخل ثالث من الخلف "أحنا إلي ما نسواوش ألي جايين لهذا البلاد،عوض ما نمشيو لطايلاند و لا تركيا وينقامنا الفاكانس أرخص"،يقاطعه رابع "المشكل أحنا عندنا احبابنا و أملاكنا في المغرب،وزيد بزيادة هذ بلادنا". في خضم هذا الهرج والمرج،ينزل نبأ من فم الفتاة نفسها،"كاين باطو في الغد على منتصف الليل"،اصفر وجهي وامتعضت من هذا التهكم اللامبرر من الجالية،لكن لم يكن أمامي بديل آخر.أخذت التذاكر و أديت الثمن المطلوب بزيادة ملحوظة عن السنة الفارطة،سجلها جميع الحاضرين من المهاجرين،عكس ما رددته المصالح الوصية على قطاع الهجرة بالمغرب.ترهل جسمي من كثرة التعب و الصهد،وتهت على وجهي وسط دروب ألميريا،لأبحث عن فندق أقضي فيه الليلة،وأنا كلي سخط مرددا كما هؤلاء المهاجرين "إيوا فاكانس وا شمن فاكنس هذا"،قضى معظمهم رفقة أسرهم ليلته في فناء الميناء.