كنا في بداية الأمر عندما توصلنا بخبر وقوع إحدى الكوارث الطبيعية في مياه البحر بين مدينتي آسفيوالصويرة عندما غرق مركب صغير لصيد السمك الحر والتي نجا فيها شخص واحد من ضمن خمسة من موت محقق "كنا" نظن على أن الناجي من هذه الكارثة شاب في مقتبل العمر قادر على مقاومة الأمواج وذو بنية جسمانية قوية تساعده على الإفلات من هذا الحادث المأساوي لنفاجئ عند لقاءنا به بأن المعني بالأمر ماهو إلا شخص قد تقدم شيئا ما في السن وذو بنية نحيلة لا تتحمل مجهودا كبيرا للنجاة من موت محقق . لقد شاءت الأقدار أن يبقى امحمد لحداكات على قيد الحياة بعدما عاش واقعة أليمة غير عادية تمثلت في لفظ مياه البحر لأصدقاءه الأربعة في وقت وجيز عندما كانوا جميعا على متن مركب للصيد التقليدي مختص في صيد السمك الحر " بالانكري" بمياه منطقة " تيلين" التابعة لإمسوان مابين مدينتي أكاديروالصويرة خلال شهر غشت الماضي حيث كان خبر الكارثة بمثابة صدمة قوية تلقتها عائلات وأصدقاء الضحايا .فالناجي من هذه الواقعة من موت محقق امحمد لحداكات البالغ من العمر 53 سنة والمتحدر من دوار اعبيبو بالصويرية القديمة التابعة لإقليم آسفي والذي يقطن في الوقت الراهن بزاوية سيدي واصل بآسفي لم يكن يدرك على أنه بقدرة قادر سينجو بأعجوبة من الموت وأنه سيرى بأم عينيه باقي الأفراد المرافقين له والبالغ عددهم أربعة والذين كانوا على متن المركب وهم يفارقون بشكل بطيء الحياة وسط مياه البحر بسبب حدة الأمواج العالية التي جرتهم من فوق المركب وسببت في فراقهم الحياة في وقت وجيز في غياب أي تدخل من أية جهة أخرى لخلاء المنطقة التي كانوا يصطادون فيها من أي مركب من مراكب الصيد سواء الصغيرة أو الكبيرة حيث كانت قذفات الأمواج قوية صعبت معها المقاومة وغابت عنها وسائل الإنقاذ الحديثة .كان ذلك اليوم يوم السبت 18 غشت 2007 عندما هيأ امحمد الحداكات رفقة باقي أصدقائه أنفسهم " عبدالله كراط، ، رشيد بوجمل ، عبدالجليل بيا والحسين " من أجل ركوب أمواج البحر على متن مركبهم الصغير من نوع " بالانكري" الذي يحمل اسم " وئام " والمسجل بمدينة الجديدة من أجل كسب قوت يومهم كالمعتاد .في يوم 20 غشت حمل طاقم المركب المستلزمات من تجهيزات وأدوات خاصة بالصيد كالشباك والحبال والمواد الغذائية التي يتطلبونها على متن مركبهم لكونهم يقضون أكثر من يوم واحد وسط مياه البحر ثم توجهوا على بركة الله من ميناء مدينة سيدي إفني في اتجاه منطقة "كاب الصويرة" بالقرب من امسوان، وفي هذه الأخيرة انشغلوا في صيد السمك كالمعتاد بشكل عادي وبهدوء تام دون أن يدركوا أن الهدوء قد تتبعه العاصفة.كان كل شيء على ما يرام يوم 20 غشت وسط البحر ، وكان طاقم المركب منشغلا في العمل الجاد الصبور، وعند حدود الساعة الثانية عشرة ليلا بدأت بعض التغييرات الطفيفة تطرأ على الحالة الجوية حيث ابتدات بانتشار كثيف للضباب على مساحة كبيرة في البحر صعب معها على الطاقم وعلى قائد المركب " عبدالجليل بيا" رؤية الطريق بوضوح وسط مياه البحر وصعب معها رؤية الأضواء المنبعثة من المناطق البرية ، وبعد ثلاث ساعات تقريبا من انتشار هذا الضباب الكثيف أي عند حدود الساعة الثالثة من صباح يوم 21 غشت ، سمع دوي صوت قوي حيث تفاجأ طاقم المركب باصطدام هذا الأخير بصخرة كبيرة سببت في انكسار الجزء الأمامي للمركب مما جعل المكان المخصص لقائد المركب " الباسريرا " في مواجهة مباشرة مع أمواج البحر مما ارتأى بالقائد إلى الزيادة في سرعة المركب حتى يتسنى لهذا الأخير الابتعاد عن الصخرة تفاديا للخطر لكن كل المحاولات باءت بالفشل حيث خلف ذلك هلعا في صفوف الجميع ، وكان يتواجد في مكان القيادة "الباسريرا" إلى جانب قائد المركب كل من " رشيد بوجمل بصفته "الميكانيكي" وعبدالله الكراط ، بينما امحمد لحداكات والحسين فكانا خارج " الباسريرا " لتقوم أمواج البحر بقذف بقوة كبيرة جميع من كان متواجدا في مكان القيادة بينما امحمد والحسين فقد أصيبا بالخوف والهلع وظلا يراقبان الأفراد الثلاثة الذين رمت بهم الأمواج بعيدا عن المركب وهم يصارعون الموت .بقي وسط المركب مباشرة بعدما لفظت مياه البحر الأفراد الثلاثة وبعدما انقطع صراخهم وطلباتهم النجدة كل من امحمد الحداكات والحسين حيث ازداد ذهولهما من الحادث وأصيبا بالهلع والخوف عندما عاينا الأمواج الكبيرة وهي تقذف بأصدقاءهم الثلاثة مما ارتأى بهما إلى نزع ملابسهما ورميها في البحر تحسبا لوقوع مكروه وحتى يتسنى لهما العوم بسهولة اذا ما قدر لهما الغرق .هدأت الأمواج بعض الشيء ولم يعد الحسين قادرا على المكوث وسط المركب فقرر النزول إلى البحر لمصارعة الأمواج حيث أقدم على رمي عصا في البحر قصد التعلق بها علها تساعده على اتقاء شر قذفات الأمواج وتسهل عليه السباحة قصد الهروب إلى البر.قرار الحسين هذا لقي معارضة شديدة من قبل امحمد حيث حاول معه جاهدا من أجل الكف عن هذا القرار لكون ذلك سيشكل عليه خطورة وقد يعرضه إلى ما لا يحمد عقباه، لكن وأمام تعنته ورفضه لذلك أقدم على تنفيذ قراره ، لكن محاولته هاته باءت بالفشل حيث صارع الأمواج الكبيرة بقوة بكل ما أوتي من قوة إلى أن انهارت قواه أمام الأمواج التي تشبه "الغول" لينتهي به الأمر في آخر المطاف إلى الغرق والنزول الى قعر مياه حيث لحق بالأفراد الثلاثة. بقي امحمد وحيدا في المركب وسط الظلام الدامس حائرا أمام هذه الكارثة الطبيعية التي سرقت منه أصدقاءه الأربعة منتظرا قدره المحتوم الذي لا مفر منه بعدما عاين بأم عينيه أصدقاءه وهم يصارعون الموت ، فلجأ إلى حبل كبير كان مرمى في المركب فأحكم ربط الحبل بالمركب ثم رمى به في البحر وشرع في النزول بواسطته ببطئ ، وفور وصوله إلى المياه بدأ في السباحة بكل ما أوتي من قوة ودراية في مجل السباحة والعوم كما هو معهود في شباب مدينة آسفي الذين يتقنون العوم لتوفر المدينة على شاطئ بحري إلى أن وصل إلى البر لتعاود الأمواج إرجاعه إلى البحر وتعيده تحت المركب وهناك وجد الأحبال في الأعماق التي التوت على جسمه والتصقت بملابسه مما أدى به إلى نزع باقي ملابسه الداخلية التي يرتديها حيث كان وقتها يعاني من ضيق في التنفس ليحس بالاختناق جراء غياب الأكسجين في قعر البحر فأرغم على شرب الماء الذي امتزج بالبنزين الذي سال من المركب ثم حاول جاهدا الصعود إلى أعلى البحر ، وهناك استنشق بعض الهواء الذي ساعده في المقاومة شيئا ما ، ليتوجه مرة ثانية سباحة إلى البر ، وهناك تحكم بشدة بيديه في صخرة بالرغم من تعرضه لقذفات الأمواج القوية التي أصابته بجروح بليغة على مستوى جميع أنحاء جسده ليتمكن في آخر المطاف من الصعود إلى البر بمنطقة " تيلين " بإمسوان .جلس امحمد في الخلاء بعدما نجا بأعجوبة من موت محقق وهو منهمك القوة وحالته جد متردية بسبب تأثيرات قذفات الأمواج عليه وإصاباته البليغة على مستوى جميع أنحاء جسمه ، حيث كانت الساعة تقارب الخامسة صباحا ليلفت انتباهه بعض الأضواء المنبعثة من مراكب الصيد وسط البحر فحاول جاهدا الوقوف لطلب النجدة منها ، لكن ولبرودة مياه البحر التي ظل يسبح فيها لساعات طوال لم يستطع الوقوف ، وبقي مركنا في مكانه إلى حدود الساعة العاشرة صباحا بعدما أحس بالدماء وهي تسري في عروق جسده وبعدما أحس ببعض السخونة في جسمه فقرر النزول إلى جانب البحر عله يجد من ينقذه من هذه الوضعية وهناك وجد بعض من البحارة والمراكب فحكى لهم حكايته المثيرة ليمنحه أحدهم بعض الملابس ومبلغ 20 درهما ثم نعته الطريق التي سيسلكها للوصول إلى الطريق الرئيسة التي منها يمكن له أن يمتطي سيارة أجرة أو حافلة .وصل امحمد إلى الطريق الرئيسية وهو في حالة يرثى لها ، فانتظر بعض الوقت عله يجد من ينقله إلى مدينة آسفي ،لكن ونظرا لحالته المتدهورة التي كان عليها فقد رفض أصحاب سيارات الاجرة الوقوف إليه ، ثم توجه صوب إحدى محلات بيع السجائر ليقتني منها علبة سجائر ويمنح لصاحب المحل مبلغ 4 دراهم كي يتصل هاتفيا بالدرك الملكي .حضرت عناصر الدرك الملكي التي كانت في ديمومة يوم 21 غشت إلى عين المكان حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال فأحس امحمد بالغبن والاحتقار لكون عناصر الدرك لم تعره أي اهتمام ولم تترك له الفرصة للتعبير عن مشكلته بالرغم من محاولاته معها من أجل اقناعها بالاستماع إليه لكن دون جدوى حيث كان جوابها أن اتهمته بكونه من مهربي المخدرات لاغير .لم يرق امحمد كلام عناصر الدرك الملكي ، فركن إلى جانب حائط مقابلا لها وهناك جلس يتمعن إليها ، ليحضر في الوقت نفسه أحد الأشخاص يدعى حسن تابع لبحرية امسوان فحكى له الواقعة بتفصيل ، ثم حضر أحد البحارة الذي استمع هو الآخر لحكاية امحمد ليقرر استضافته في منزله الى ان يحل الصباح، وعند ما يستريح يمكن له بذلك مغادرة المنطقة. في صباح يوم 22 غشت حضر مندوب الصيد البحري رفقة خليفته وأحد أفراد القوات المساعدة فطلبوا من امحمد مرافقتهم إلى مكان وقوع الحادث ، وعند معاينتهم للمكان تأكد لهم على أنه تابع لإقليم أكادير وليس الصويرة ، وهناك عاينوا أجزاء المركب متلاشية وسط سطح مياه البحر.وبعد أربعة أيام من وقوع الحادث طلب من امحمد التوجه إلى مدينة أكادير وبالضبط إلى الميناء وهناك روى حكايته مرة أخرى إلى درك الميناء ومنها عاد إلى مدينة آسفي .بعد هذه الواقعة الغريبة ، أصبح هذا الحادث محط نقاش دائم عند جلوس امحمد مع أصدقاءه في إحدى المقاهي بمنطقة دار بوعودة بزاوية سيدي واصل بآسفي من خلال حكيه لهم سيناريو الواقعة التي استغربوا لها ، حيث يعتبر أصدقاؤه نجاته من الموت المحقق بمثابة ولادة ثانية جديدة. هذا وقد عاش امحمد لحظات الحسرة واليأس عندما رمت مياه البحر يوم 22 غشت بجثة عبدالله الكراط ، ثم بعدها بجثتي الميكانيكي رشيد بوجمل والبحار الحسين ، لترمي مؤخرا بجثة قائد المركب عبد الجليل بيا لكون ضحيتين من بين هؤلاء يقطنان بالقرب من حيه.ولم تتفهم الجهات الوصية على تدبير الشأن البحري بأسفي معاناة امحمد بعد هذه الفاجعة الأليمة من خلال تماطلها في تجديدها لوثائقه الخاصة بالبحر والتي ضاعت منه إبان وقوع الكارثة حيث لم يتمكن من الحصول عليها إلا مؤخرا بعدما صعد من احتجاجاته على هذا التماطل كما أنه لازال يعاني من الصدمة ومن ألم دائم في بطنه جراء شربه لماء البحر ممزوج بالبنزين.