تودع الرئيسة الارجنتينية المنصرفة، كرستينا دي كيرشنر، الحكم بعد 8 أعوام جعلتها شخصية فاعلة في السياسة الدولية، وغيرت وجه بلادها على أكثر من صعيد، ولم تخل فترة حكمها من الجدل والإثارة والأزمات السياسية والدبلوماسية. ولدت كريستينا فرنانديز دي كيرشنر عام 1953 في بيونيس إيرس، بالارجنتين، ودرست الحقوق والعلوم السياسية في السبعينيات بجامعة لابلاتا. وتعرفت في الجامعة على نيستور كارلوس كيرشنر، ثم تزوجته عام 1975، وأنجبا ماكسيمو عام 1977، وفلورانسيا عام 1980. وانضمت إلى حركة الشباب البيروني منذ بداية السبعينيات، عندما كانت الارجنتين تحت النظام الاستبدادي، ولكنها اعتزلت السياسة لتركز اهتمامها بالقانون. وعادت إلى السياسة في عام 1989، وانتخبت في مجلس محافظة سانتا كروز، وأعيد انتخابها عام 1993، ثم دخلت مجلس الشيوخ عام 1995، وبعدها مجلس النواب في 1997، لتعود إلى مجلس الشيوخ في 2001. التألق : وحققت كريستينا دي كيرشنر نجاحاً سياسياً برفقة زوجها نيستور، الذي ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2013، في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية شهدتها الأرجنتين. وخاض نيستور كيرشنر حملة انتخابية محتدمة مع منافسيه، من بينهم كارلوس منعم، وفاز بالانتخابات، ونصب رئيساً للأرجنتين في 25 أيار (مايو) 2003. وواصلت كريستينا دي كيرشنر تألقها السياسي خلال فترة حكم زوجها، وساهمت في حشد الدعم له، وكانت المرشح الرئيسي في قائمة حزبها لمجلس الشيوخ عن العاصمة بيونيس أيرس، عام 2005. وفازت كريستينا دي كيرشنر بالمقعد بفارق 25 في المئة عن منافستها هيلدا غونزاليس دي ديهالد. الرئاسة وفي عام 2007، قرر نيستور دي كيرشنر عدم الترشح للانتخابات الرئاسية، وأعلن دعمه لترشح زوجته كريستينا. ولم تكتف بالفوز بالرئاسة، بل إنها تفوقت على المنافس الأول بفارق 22 في المئة من الأصوات. ونصبت كريستينا دي كيرشنر أول رئيسة منتخبة للأرجنتين يوم 10 دجنبر، وكانت إيزابيل خوان بيرون أول رئيسة تتولى رئاسة الأرجنتين بعد وفاة زوجها أثناء فترة حكمه. وأعيد انتخابها لفترة ثانية في 2011، بعد وفاة زوجها بأزمة قلبية، بفارق أكبر من أصوات الناخبين، الذين يبدو أنهم أحبوا برنامجها الاجتماعي، الذي رفع الرواتب وحسن رعاية الأطفال، وكرس السيادة الوطنية على الاقتصاد، ودعم الطبقة الوسطى في المجتمع. الأزمات : ولكنها دخلت في مواجهة مع الصحافة المستقلة، عندما أممت الصناعات الأساسية، وأثيرت ضدها عددا من الفضائح السياسية والمالية. ولعل أكبر هذه التهم تلك التي وجهها النائب العام الراحل، ألبريتو نيسمان، لها بالتآمر من أجل عرقلة تحقيقه بشأن دور إيران في تفجيرات بيونيس إيرس عام 1994، التي أسفرت عن 85 قتيلاً. وتنفي دي كيرشنر مزاعم نيسمان، كما أن العديد من خبراء القانون في البلاد يقولون إن أعضاء فاسدين في جهاز المخابرات لفقوا لها هذه التهم. وعززت كريستينا دي كيرشنر، في فترة حكمها، علاقات بلادها مع الحكومات اليسارية في المنطقة مثل فنزويلا، وكذا مع الصينوإيران، مما ساعدها على إنعاش قيمة العملة الوطنية ألبيسو المتدهورة. المعارك وساءت علاقة الأرجنتين خلال فترة دي كيرشنر بالولايات المتحدة، التي تتهمها بالوقوف وراء الأزمة المالية في بلادها. ووجهت انتقادات لاذعة لبريطانيا بخصوص الخلاف بشأن جزر المالوين (الفوكلاند)، التي تعتبرها أرضاً أرجنتيتية. وشنت هجوما عنيفا على الدول الغربية ومجلس الأمن في الأممالمتحدة متهمة إياها «بخداع العالم وقلب الحقائق» في الحرب على «الإرهاب». كما اعترفت الأرجنتين في حكم كيرشنر بدولة فلسطين، وأثارت حفيظة إسرائيل، لمواقفها الداعمة لحق الشعب الفلسطيني. وأعلنت في لقاء جمعها بالبابا فرانسيس أخيرا أنها تلقت تهديدات من تنظيم «الدولة الإسلامية». واشتهرت دي كيرشنر بخطاباتها النارية في الأممالمتحدة، التي تنتقد فيها سياسات الدول الغربية تجاه العالم الثالث. وداع مؤثر : وألقت كرستينا فرنانديز دي كيرشنر خطاباً عاطفياً امام حشد من مؤيديها في العاصمة بوينس آيرس. وحثت مؤيديها على الخروج الى الشوارع اذا شعروا بأن حكومة يمين الوسط الجديدة قد خذلتهم. ومن المقرر أن يؤدي الرئيس الجديد المحافظ موريسيو ماكري، الذي فاز بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، اليمين الدستورية في وقت لاحق ودافعت فرنانديز في الكلمة التي القتها امام عشرات الآلاف من مؤيديها الذين احتشدوا خارج قصر لا روزا الرئاسي عن سجلها في الحكم. وقالت، «نؤمن بما انجزناه، ولذلك يجب ان نتحلى بالايجابية ونضمن ان هذه الانجازات لن تدمر». ونصحت مؤيديها بالقول، «عندما تشعرون ان اولئك الذين منحتموهم ثقتكم واصواتكم قد خذلوكم، ارفعوا بيارقكم». ولن تحضر الرئيسة المنصرفة حفل تنصيب خلفها، وذلك بعد ان اختلف الاثنان حول المكان الذي ينبغي ان يقام فيه الحفل. وستعد هذه المرة الاولى منذ اطاحة الديكتاتورية العسكرية عام 1983 لا يحضر فيها رئيس منصرف حفل تنصيب خلفه. وكان الرئيس الجديد ماكري قد استصدر امراً قضائياً يؤكد انتهاء فترة ولاية فرنانديز منتصف ليلة الاربعاء. وستنتقل مقاليد السلطة الى الرئيس الجديد بواسطة رئيس مجلس الشيوخ فدريكو بينيدو الذي يتولى منصب رئيس الدولة المؤقت لمدة 12 ساعة. وبالرغم من خسارة مرشح فرنانديز منصب الرئاسة، ما زال حزبها يتمتع باغلبية في البرلمان وبامكانه عرقلة سياسات التغيير التي ينوي ماكري اعتمادها.