لا يعترف التسول بالحدود الدولية، فهو مثل العدوى ينتقل منبلد إلى آخر، غير عابئ بكل جوازات السفر.. لكن المثير أن يتحول متسلوا بلد يصنف عادة من البلدان الغنية إلى بلد من العالم الثالث للتسول، حينها تسود الدهشة لرؤية أجانب اختاروا العاصمة الاقتصادية لاستجداء عطف المارة. التحق إسبانيان، في الآونة الأخيرة، بطابور المتسولين بالبيضاء، واقتحما وسط المدينة لاستجداء عطف السائقين والمارة طمعا في الحصول على دراهم قليلة. وروى شهود عيان ل"الصباح" تفاصيل تسول الإسبانيين (فتاة وشاب في منتصف عقدهما الثاني)، إذ وقفا عند ملتقى طرق بشارع أنفا بالبيضاء، منذ يوم الجمعة الماضي، ينتظران توقف السيارات عند الشارات الضوئية، وحرصا على ارتداء لباس مميز شبيه إلى درجة كبيرة بزي البهلوانيين، في حين زين الشاب ملامح وجهه ببعض الرسومات لم تخف أنهما أجانب عن المغرب. ولجأت الفتاة الإسبانية، بعد توقف السيارات عند الإشارة الضوئية، إلى الرقص بممر الراجلين وبين السيارات، في حين يعمد مرافقها إلى القيام بحركات بهلوانية تستمر ثواني قليلة أمام اندهاش الحاضرين.وأوضحت المصادر نفسها أن أغلب السائقين فوجئوا برؤية الإسبانيين، واعتقد بعضهم، في أول الأمر، أن حركاتهما إعلان إشهاري لأحد المنتوجات أو مشهد لمسلسل يجري تصويره بالمدينة، خصوصا أن الإسبانيين لم يبد من هيأتهما ما يثير شكوك السائقين. وأفادت المصادر ذاتها أن الإسبانيين واصلا حركاتهما إلى حين اقتراب انطلاق السيارات، حينها وأمام اندهاش وحيرة المارة والسائقين بعد توقف الإسبانيين عن عروضهما، توجها مباشرة إلى السائقين يستجدونهم، ونجحا في نيل عطف عدد كبير منهم والحصول على بعض الدراهم كانا يضعانها في جيوب خاصة. ولم يخف المتسولان هويتهما، إذ تحدثا باللغة الإسبانية، وحين سأل سائق أحدهما عن هويتهما وأسباب اختيارهما هذه الطريقة للتسول، قال الشباب:" إنه إسباني"، وغادر المكان في اتجاه سائق آخر قبل انطلاق السيارات. وفي السياق نفسه، أفادت المصادر نفسها أن ارتفاع نسب البطالة في إسبانيا دفع عددا من مواطنيها إلى التوجه إلى المغرب، ومنهم من يشتغل في مهن متواضعة في مدن بشمال المغرب، علما أن آخر دراسة أنجزها معهد البحوث الاجتماعية بإسبانيا، ونشرت يوم الأربعاء الماضي، أشارت إلى أن التشاؤم يخيم على الإسبان بالنسبة إلى مستقبل الاقتصاد الاسباني، وأن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد والبطالة المتزايدة تؤرقان الإسبان.وكشفت الدراسة نفسها أن 77.4 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع يرون أن الوضع الاقتصادي «سيئ أو سيئ جدا»، وأن 20.1 في المائة تعتبره «عاديا»، بينما قال نحو 44.2 في المائة إن سنة2011 «مليئة بالشكوك»، وتوقع 35.7 في المائة من المستجوبين أن الوضع سيكون «أسوأ» خلال السنة الجارية، مقابل 40.1 في المائة قالوا إنه سيكون «مساويا» للسنة الماضية. وتبقى أهم المشاكل التي تؤرق الإسبان تتعلق بالوضع الاقتصادي، إذ جاءت نتائج الاستطلاع وفقا للترتيب التالي: البطالة (78.6 في المائة)، والمشاكل الاقتصادية (52في المائة)، الطبقة السياسية (19.3 في المائة)، وانعدام الأمن (8.1 في المائة)، وربما دفع هذا التشاؤم إسبانيي البيضاء إلى إبداع طريقة جديدة لجني الأموال.