سانشيز يشيد بالعلاقات المغربية الإسبانية: بلدان شقيقان يتقاسمان نفس القيم والطموحات        تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار يومي السبت والأحد بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    بداية العد العكسي... عام واحد يفصل المغرب عن استضافة كأس الأمم الإفريقية    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير        وفاة الممثل المسرحي محمد الخلفي بعد صراع طويل مع المرض    صحة غزة: استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني في حرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023        سابينتو يعلق على رحيله عن الرجاء: "من الواضح أن الظروف اللازمة لتحقيق النجاحات.. غير موجودة"    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    "همم": الحملة ضد غالي نتيجة مباشرة لمواقفه في الدفاع عن حقوق الإنسان وفضح ملفات الفساد    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    عامل الحسيمة يترأس مراسيم المشاركة في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة    في اتصال هاتفي.. ولي العهد السعودي يطمئن على صحة الملك محمد السادس        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    إيطاليا تغرّم "تشات جي بي تي" 15 مليون أورو بتهمة انتهاك خصوصية البيانات    الملك محمد السادس يتلقى اتصالا هاتفيا من ولي العهد السعودي        التوفيق: وزارة الأوقاف تعمل حاليا على ترجمة معانى القرآن الكريم إلى الأمازيغية    وزيرة المالية تعترف بعدم انخفاض أسعار المحروقات في المغرب بمستوى الانخفاض العالمي في 2024    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    اجتماع بوزنيقة.. الأطراف الليبية تتفق على تشكيل حكومة موحدة    الأمن يرفع مستوى اليقظة في برلين    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    بوزوق ينفصل عن الرجاء بالتراضي    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    إعادة تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. مفاهيم مؤسسة وسردية تاريخية    العازف سفيان بامارت.. حين تلتقي الأناقة بالعاطفة في تناغم موسيقي فريد    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    أخنوش يُشرف على توقيع اتفاقية لتطوير المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنهج التجريبي الإسلامي في التجربة الصوفية :أية علاقة وتقاطع؟
نشر في بريس تطوان يوم 11 - 11 - 2024


أولا:المنهج التجريبي والخصوصية الصوفية
من بين أهم خصائص المنهج التجريبي الإسلامي أنه منهج "إدراكي" أو "تأملي"- بحسب رأي الدكتور علي سامي النشار- فقد أدرك المفكرون المسلمون تمام الإدراك "أنه لابد من وضع منهج في البحث يخالف المنهج اليوناني حيث إن هذا المنهج الأخير إنما هو تعبير عن حضارة مخالفة ، وتصور حضاري مخالف .ويثبت هذه الحملة العنيفة التي قام بها علماء الإسلام على منطق اليونان . وتاريخ هذه الحملة العنيفة واضح وضوحا بالغا في كتابات المسلمين . فإذا أقدموا على وضع المنهج ، فإنما عن تأمل تام وشعور حقيقي بما يفعلون . فلم يكن المنهج الجديد إذن عبارات شاردة ولماحية عابرة ، وإنما هو بناء منهجي كامل "[1].
والتجربة في الفكر الإسلامي هي تجربة منقلة (متعاقبة) ومؤسسة على مبادئ أخلاقية[2] تصديقية وتصورية أيضا. لكن التفاوت الكبير بين أصحابها سيحصل في مستوى المعايشة الوجدانية ، والممارسة المتواصلة . وتتجلى هذه التجربة بهذه المواصفات في الحقل الصوفي بصورة خاصة ، كما نجد أبا حامد الغزالي يقول عن خصوصيته :"فمن لم يرزق الذوق فيتيقنها بالتجربة والتسامع إن أكثر معهم الصحبة حتى يفهم ذلك بقرائن الأحوال يقينا. ومن جالسهم استفاد منهم هذا الإيمان . فهم القوم لا يشقى جليسهم . ومن لم يرزق صحبتهم ، فليعلم إمكان ذلك يقينا، بشواهد البرهان … والتحقيق بالبرهان علم ، وملابسة تلك الحال ذوق ، والقبول من التسامع ، والتجربة بحسن الظن إيمان …"[3].
وهذه الخصوصية التجريبية التي يتميز بها المنهج الصوفي، وخاصة في تأسيس معرفة النفس وسبر أغوارها سيجعل من الصعب تحديد المناهج في الفكر الإسلامي تحديدا ضيقا، كل منهج قد يعمل على حدة . وذلك لأن المعرفة ، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الغيبية ذات البعد الإيماني العقدي، أو المسائل النفسية الدقيقة والشعورية ، لا يمكن حصرها في قياس دون آخر[4]. إذ القياس لا يكون سوى على مستوى ما اكتسب من خلال المشاهدة أو الملاحظة الظاهرية العادية . أما فيما يتعلق بباطن النفس الإنسانية، وتفاعلاتها مع الغيب ومع عالم الشهادة ، فهذا قد يكون فوق مستوى الأدلة العقلية البسيطة ، وإن كانت هذه صادقة في أحكامها الجزئية .
ولقد أوضح الغزالي هذا عند وصف رحلته المشهورة من الشك إلى اليقين، وهي رحلة نفسية بالدرجة الأولى. بحيث قد انصب الشك لديه على المعطى الحسي المحض ، ثم بعد ذلك في العقل وأحكامه وقواه ، إلى أن أصبح هذا الشك عنده بمثابة مرض نفسي، لأنه أصاب بالدرجة الأولى أدوات المعرفة لديه كما يقول :"حتى شفى الله تعالى من ذلك المرض ، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال ،ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقا بها على أمن ويقين . ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام ، بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر، وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف . فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المحررة فقد ضيق رحمة الله تعالى الواسعة"[5].
كما قد ذهب بهذا المعنى إلى عقد فصل خاص في كتابه " إلجام العوام عن علم الكلام" عنونه ب " التصديق الجازم غير موقوف على البحث وتحرير الأدلة". وهو بهذا يريد أن يفتح للعامة المجال في الاكتساب المعرفي اليقيني،من دون أن يكون مقيدا بالحدود المنطقية كأساسيات في التصور أو القياسات كلوازم في التصديقات . بحيث اعتبر أن التصديق الجازم يحصل على ستة مراتب :
الأولى: وهي أقصاها ما يحصل بالبرهان المستقصي، المستوفي شروطه، المحرر أصوله ومقدماته ، درجة درجة ، وكلمة كلمة ، حتى لا يبقى مجال احتمال وتمكن التباس ، وذلك هو الغاية القصوى.
الثاني: أن يحصل بالأدلة الوهمية الكلامية المبنية على أمور مسلمة مصدق بها لاشتهارها بين أكابر العلماء، وشناعة إنكارها، ونفرة النفوس عند إبداء المراء فيها.
الثالثة : أن يحصل التصديق بالأدلة الخطابية . أعني القدرة التي جرت العادة باستعمالها في المحاورات والمخاطبات الجارية في العادات ، وذلك يفيد في حق الأكثرين تصديقا ببادئ الرأي وسابق الفهم ، إن لم يكن الباطن مشحونا بالتعصب …
الرابعة : التصديق بمجرد السماع لمن حسن الاعتقاد فيه بسبب كثرة ثناء الخلق عليه .
الرتبة الخامسة : التصديق الذي يسبق إليه القلب عند سماع الشيء مع قرائن أحوال لا تفيد القطع عند المحقق ، ولكن يلقي في قلب العوام اعتقادا جازما.
السادسة : أن يسمع القول فيناسب طبعه وأخلاقه ، فيبادر إلى التصديق لمجرد موافقته لطبعه "[6].
وأهم ما في هذه الأقسام مما يخص الموضوع الذي نحن نبحث فيه ، هو ذلك الاعتبار النفسي الذي يتأسس عليه التصديق . وفي هذا سيكون بصدد تأسيس ما يسمى :علم نفس الاقتناع أو ما إلى ذلك .
كما أن هذا الطرح يقرب من الجدل المنهجي الذي دار بين المتكلمين وخاصة الأشاعرة ، والذي كان فاصلا بين ما يسمى بطريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين . وخاصة فيما أقدم عليه أبو بكر الباقلاني من "وضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار، وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء، وان العرض لا يقام بالعرض ، وأنه لا يبقى في زمانين ، وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم ، وجعل هذه القواعد تبعا للقواعد الإيمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها، و "إن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول"[7]…ثم نظروا في تلك القواعد والمقدمات في فن الكلام للأقدمين فخالفوا الكثير منها بالبراهين التي أدلت إلى ذلك . وربما أن كثيرا منها مقتبس من الفلاسفة في الطبيعيات والإلهيات . فلما سبروها بمعيار المنطق ردهم إلى ذلك فيها ولم يعتقدوا بطلان المدلول من بطلان دليله كما صار إليه القاضي…"[8].
ثانيا: مناهج المعرفة وتخطي الحصر المنطقي
هذا المنحى إلى عدم حصر مناهج المعرفة في صور منطقية محضة أو قواعد ومقدمات عقلية صناعية ومقيدة سنجده عند كثير من المفكرين المسلمين ، أو المتكلمين الأشاعرة غير الغزالي ، كابن تيمية مثلا حينما يقول : "وأما علوم بني آدم الذين لا يصنفون الكتب فهي مما لا يحصيه إلا الله . ولهم من البصائر والمكاشفات والتحقيق والمعارف ما ليس لأهل هذه الحدود المتكلفة ، فكيف يجوز أن تكون معرفة الأشياء متوقفة عليها ؟"[9] ثم يمضي قائلا : "إن الله جعل لابن آدم من الحس الظاهر والباطن ما يحس به من الأشياء ويعرفها، فيعرف بسمعه وبصره ،وشمه وذوقه ، ولمسه الظاهر ما يعرف . ويعرف أيضا بما يشهده ويحسه بنفسه وقلبه ما هو أعظم من ذلك .هذه هي الطرق التي تعرف بها الأشياء. وأما الكلام فلا يتصور أن يعرف بمجرد مفردات الأشياء إلا بقياس تمثيل وتركيب ألفاظ وليس شيء من ذلك يفيد تصور الحقيقة .
فالمقصود أن الحقيقة إن تصورها بباطنه أو ظاهره استغنى عن الحد القولي، وإن لم يتصورها بذلك امتنع أن يتصور حقيقتها بالحد القولي. وهذا أمر محسوس يجده الإنسان من نفسه ، فإن من عرف المحسوسات المذوقة مثلا كالعسل لم يفده الحد تصورها. ومن لم يذق ذلك ،كمن أخبر عن السكر وهو لم يذقه ، لم يمكن أن يتصور حقيقته بالكلام والحد، بل يمثل له ويقرب إليه ويقال له طعمه يشبه كذا أو يشبه كذا وكذا. وهذا التشبيه والتمثيل ليس هو الحد الذي يدعونه . وكذلك المحسوسات الباطنية مثل الغضب والفرح والحزن والغم والعلم ونحو ذلك . من وجدها فقد تصورها، ومن لم يجدها لم يمكن أن يتصورها بالحد، ولهذا لا يتصور الأكمه الألوان بالحد. فإذن، القائل بأن الحدود هي التي تفيد تصور الحقائق قائل للباطل المعلوم بالحس الباطن والظاهر"[10].
وضرب المثال الحسي للذوق الذي تقتنص بواسطته المعارف دون البحث عن الحد الأوسط ، كما هو معلوم به عند المناطقة ، سنجده بصيغة مطابقة له عند أبي حامد الغزالي، الذي طرح موضوع الذوق والبصيرة والكشف وما إلى ذلك كوسيلة منهجية في الاكتشاف المعرفي والبحث العلمي، ومباشرة الحقيقة على مستوى الشعور. وذلك حينما ذكر منهج الصوفية في المعرفة بقوله : "فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات . وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما، وبين أن يكون صحيحا وشبعان ، وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة على معادن الفكر وبين أن يكون سكران لا يعرف حد السكر وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء. والصاحي يعرف حد السكر وأركانه وما معه من السكر شيء، والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها، وهو فاقد الصحة . فكذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها، وبين أن تكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا"[11].
[1] النشار:نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ج1ص39
[2] ابن قدامة :المغني ،تحقيق محمد سالم محيسن وشعبان محمد إسماعيل ،مكتبة الجمهورية العربية مصر ،مكتبة الرياض الحديث ص 769
[3] الغزالي:المنقذ من الضلال ص51
[4] ابن تيمية:مجموع فتاوى المنطق 9ص213
[5] الغزالي:المنقذ من الضلال ص10-11
[6] الغزالي :إلجام العوام عن علم الكلام ،دار الكتاب العربي بيروت ص111-115
[7] ابن خلدون :المقدمة ص 347
[8] نفس ص348
[9] ابن تيمية :مجموع فتاوى المنطق 9ص 47
[10] ابن تيمية:مجموع فتاوى المنطق 9ص47-48
[11] الغزالي:المنقذ من الضلال ص45


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.