الشيخ محمد حدو أمزيان حياته وتراثه العلمي([1]) -الحلقة 1- كثيرا ما سئلت كما سئل غيري من أقارب الشيخ وتلامذته ومحبيه عما تركه من المؤلفات المطبوعة، لا سيما وهو علم من أعلام الشمال وتطوان، كان له حضور بارز في ذاكرة أهلها وما يزال، إلى جانب ما حباه الله به من فصاحة، ومعرفة بالعربية وعلوم الشريعة، وحلاوة تعبير، وطلاوة أسلوب، وقوة ذاكرة على الفهم والفقه، وعلى امتلاك جلاسه، ورواد دروسه، التي كان يحضرها المئات بل الآلاف. والجواب أن الشيخ –وهذا لقبه العلمي الذي اشتهر به- لم يقم بطبع كتبه، ولم يتفرغ للتأليف والتصنيف، لزحمة مهامه وأشغاله، من تدريس بالكلية، ووعظ وإرشاد بالمساجد، وإدارة للتعليم الديني بالمنطقة الخليفية ورئاسة للاستئناف المخزني بها، وعَمَلٍ متواصل بحزب "المغرب الحر" مع رفيقه وصديقه الشيخ محمد زريوح، وعمادة لكلية أصول الدين ورئاسة للمجلس العلمي فيما بعد. لكن مع هذه المهام كلها استطاع أن يكتب مقالات عدة؛ نشرت بالمجلات والدوريات المتخصصة، ودروسا علمية ألفها للطلبة، وقد قمنا بجمع تراثه العلمي في مؤلف مفردلتيسير الأمر على الباحثين والدارسين المهتمين بتراث المنطقة وأعلامها، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل. وقبل الحديث عن مقالاته وبعض تصانيفه لا بد أن نترجم له ترجمة قصيرة. أ- ترجمته: هو العلامة الشيخ الداعية، الأستاذ الكبير، والواعظ الشهير، محمد بن حدو بن موح أمزيان البوخلوفي النكوري، ولد سنة 1916 م في قبيلة بني ورياغل إحدى قبائل الريف الأوسط بإقليم الحسيمة، من أسرة ريفية تسمى لدى الأهالي أولاد موح أمزيان، وكان أبوه القائد حدو موح أمزيان قائدا لقبيلته، ثم أصبح قائدا كبيرا مع المجاهد البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، وبعد احتلال الإسبان لمدينة الحسيمة والمنطقة واستسلام الخطابي لفرنسا، رأت الحكومة الإسبانية أن من السياسة ترك بعض القواد البارزين المؤثرين في مناصبهم كان من بينهم أبو المترجم له. وفي أحضان هذه الأسرة الكريمة الشجاعة تربى وترعرع الشيخ رحمه الله، ولما بلغ سن السادسة، ألحقه أبوه بالمكتب القرآني (المسيد) رغبة في حفظ القرآن الكريم الذي حفظه في ظرف ثلاث سنوات. وفي سنة 1927 أُجْبِرَ بعض أولاد القواد الكبار على الرحلة إلى مليلية المحتلة من أجل تكوين النخبة تكوينا استعماريا، فانتقل الشيخ مع أبيه إلى مدينة مليلية، فالتحق بالمدارس الإسبانية، ومكث فيها نحوا من ست سنوات تمكن من خلالها من دراسة المرحلة الابتدائية وسنتين من المرحلى الثانوية بنجاح، ولهذا يعزى إتقانه للغة الإسبانية واطلاعه على الثقافة الحديثة. ونظرا لأفكاره الإسلامية والوطنية التي رباه والده عليها اختار الرجوع إلى بلده لدراسة اللغة العربية بدلا من الاستمرار في تعلم اللغة الإسبانية، فأخذ عن شيوخه دروسا في النحو والصرف والفقه نحوا من ثلاث سنوات ونصف. وفي سنة 1936 م رحل إلى مدينة تطوان -مركز الإشعاع العلمي في الشمال- فالتحق بالمعهد الديني؛ حيث انتظم في الدراسة النظامية التي ابتدأت فيه. وفي سنة 1938 م أدرج الشيخ في قائمة البعثة التي توجهت إلى القاهرة، على يد الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله، الذي اختار لذلك صفوة من الطلبة الأذكياء النابهين. وفي القاهرة التحق بكلية أصول الدين، إحدى كليات الجامع الأزهر، حيث درس بها أربع سنوات، حصل على إثرها على الشهادة العالية، ثم تخصص في قسم الدعوة والإرشاد، وبعد دراسة سنتين نال شهادة العالمية في الدعوة والإرشاد، ثم سعى بصفة استثنائية للتخصص في إجازة للتدريس، ونال شهادتها بعد سنتين أخريتين. وفي سنة 1946 رجع إلى المغرب، وواصل في تطوان دروس الدعوة والإرشاد نحوا من أربع سنوات، بعيدا عن الوظيف العام، وكان لهذه الدروس شهرة كبيرة وأثر بالغ في إيقاظ الوعي الإسلامي والوطني. وفي سنة 1951 م أَسْنَدَتْ إليه وزارة التعليم بالمنطقة الشمالية إدارةَ التعليم الديني، مع إلقاء دروس في التفسير لطلبة المعهد العالي أستاذا من أساتذته. وفي سنة 1951 م انتقل إلى منصب رياسة الاستيناف المخزني، وقريبا من هذه السنة، أسس مع صديقه الشيخ زريوح حزب "المغرب الحر"، ليفتح صفحة جديدة من حياته، في العمل السياسي، وكتابة المقالات في لسان الحزب يومئذ جريدة "المغرب الحر". وبعد الاستقلال بثلاث سنوات، وما شهده المغرب من فتن واضطرابات لمحاولة فرض نظام الحزب الوحيد آنذاك، والاختطاف والتعذيب والتقتيل، لجأ الشيخ إلى مدينة ألمرية الإسبانية مع طائفة من رفاقه حيث قضى عامين ونيِّف. وبعد عودته من المنفى التحق بمنصبه أستاذا بالمعهد العالي، الذي سيتغير اسمه إلى كلية أصول الدين، وبعد وفاة عميدها العلامة الشيخ التهامي الوزاني -رحمه الله- أصبح الشيخ أمزيان عميدا للكلية. وفي سنة 1981 م عين رئيسا للمجلس العلمي بتطوان إلى أن توفي رحمه الله في 2 يوليوز عام 1996م. هذه لمحة عن مسيرة الشيخ أمزيان. ( يتبع ) الدكتور توفيق بن أحمد الغلبزوري أستاذ بكلية أصول الدين بتطوان بريس تطوان