شكل موضوع "المغرب،أوراش وإصلاحات" محور عشاء مناقشة نظمته،ودادية مهندسي القناطر والطرق بالمغرب. ويأتي هذا اللقاء، الذي قام بتنشيطه السيدان كريم غلاب وزير التجهيز والنقل ورشيد بلمختار رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية، في إطار الأنشطة الثقافية التي تنظمها الودادية ومساهماتها في النقاش الدائر بالمملكة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتضم ودادية مهندسي القناطر والطرق بالمغرب أزيد من من 310 عضوا ، تهدف إلى المساهمة في تكوين الأطر التقنية للمملكة وتطويرعلاقات التعاون الودية والثقافية بين أعضائها. فقد التأمت أدمغة المغرب بالرباط مساء الجمعة الماضي، في اجتماع حاسم خُصص لتقييم حصيلة المغرب التنموية، والتداول في الأشواط التي قطعها في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، واستشراف الآفاق المستقبلية، بعد مرور أربع سنوات على صدور التقرير الخمسيني. الاجتماع الذي ترأسه كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل، إلى جانب رشيد بلمختار، رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية، وحضرته نخبة من ألمع المهندسين المتخرجين من المدرسة الوطنية للقناطر، كان نزيها وشفافا، وغابت عنه لغة الخشب. كان المجال مفتوحا لنقاش صريح، وفي بعض الأحيان صادما، خاصة خلال تقديم الأرقام والمعطيات العاكسة للتعثر المسجل في بعض القطاعات، في مقدمتها قطاع التربية والتكوين، والصحة. لم يلتف رشيد بلمختار كثيرا حول الأرقام، بل دق منذ انطلاق النقاش، ناقوس الخطر حول وضعية قطاع التربية والتكوين في المغرب، مؤكدا فشل السياسات المتبعة في التعليم، ومنبها إلى أنه إذا لم يتم تدارك الأمر، وتُتخذ التدابير الضرورية، فإن النفق المسدود سيكون مآل هذا القطاع الحيوي، بما لذلك من تداعيات خطيرة على مستقبل المغرب والأجيال المتعلمة الصاعدة. وقال رشيد بلمختار، إن التقدم المنشود لا يمكن أن يتحقق في إطار نزيف الهدر المدرسي الذي يُلقي ب 380 ألف تلميذ سنويا خارج أسوار المؤسسات التعليمية، ما يطرح، بحدة، سؤال مستقبل أجيال كاملة من الأطفال المحرومين من التعليم، والذين سيصل عددهم في غضون خمس سنوات المقبلة، إذا بقي الوضع على حاله، إلى مليوني طفل، بدون تعليم ولا تكوين. وأثار بلمختار، الذي شغل منصب وزير التربية الوطنية مابين 1995و1998، الانتباه إلى مشكل بطالة الخريجين والشباب التي ارتفعت إلى 18 في المائة، عوض 16.8 في المائة المسجلة في 2004، وهي نسبة مرتفعة، قياسا مع المعدل الوطني(9 في المائة). وأشار بلمختار، كذلك، إلى التفاوتات القائمة بين الجنسين، إذ ظلت النساء لمدة طويلة محرومات من التعليم، وارتفعت في صفوفهن نسبة الأمية، والبطالة، مقارنة مع الذكور.الأدهى من كل ذلك، تأكيده أن غالبية المدرسين بالمغرب يعانون ضعفا في التكوين، وهي معضلة تراكمت عبر السنين، ليخلص إلى نتيجة مُقلقةهي أن مستقبل أطفال المغرب مضبب، ما لم يتم تدارك الوضع. كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل، حاول أن يُمسك العصى من الوسط، معتمدا وجهة نظر متفائلة، مشيرا إلى المكتسبات التي تحققت على المستويات السياسية، والاقتصادية، وحتى الاجتماعية، رغم استمرار بعض الظواهر، مثل البطالة، والأمية،التي تتطلب مضاعفة الجهود لمواجهتهما. وأكد الوزير أن المغرب يسير في الطريق الصحيح، وأنه يتقدم بسرعة، وإن ليس بحجم احتياجات وتطلعات المواطنين، مشيرا إلى ضرورة إبراز المكتسبات التي تحققت، وعدم الاكتفاء بالتركيز على السلبيات والإخفاقات. وقال إن المغرب دخل في العشرية الأخيرة مرحلة مطبوعة بتزايد وتيرة النمو الاقتصادي، التي انتقلت من 2.8 في المائة خلال الفترة ما بين 1990 و2000، إلى معدل سنوي في حدود 5 في المائة، وهو ما مكن المغرب من الصمود في وجه الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة، والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة. وأشار غلاب إلى مديونية المغرب الضعيفة، وانخفاض معدل البطالة التي نزلت لأول مرة، خلال العشر سنوات الماضية، عن سقف 10 في المائة. وعرض غلاب المكتسبات التي تحققت في مجال البنيات التحتية الأساسية، بفضل الأوراش الكبرى التي عرفها المغرب خلال العشرية الأخيرة، مبرزا الجهود التي بُذلت في مجال الطرق السيارة،التي يتوقع أن يصل طولها إلى 1420كيلومترا ، بعد الانتهاء من أشغال الطريق السيار فاسوجدة، في يونيو المقبل. أشار غلاب، كذلك إلى برامج فك العزلة عن العالم القروي الذي يستفيد منه 300 ألف شخص سنويا، وتراجع مستويات الفقر، مشددا، في الوقت نفسه، على ضرورة التركيز على التوزيع العادل للثروات، والقضاء على اقتصاد الريع، ومحاربة الفساد، واعتماد الاستراتيجيات المندمجة.