تكرم أفرادا كرسوا أنفسهم لقضايا عربية في مأدبة الغداء الرئيسية شخصيات أكاديمية وصحفية وثقافية. ومهرجان أرابيسك للفنون العربية يبهر جماهير الأميركيين الأدباء العرب يروون الشعر والفنانون يعرضون المسرحيات والرقص والموسيقى وأكثر. تلقى أميركيون كرسوا أنفسهم للذود عن حقوق العرب والحفاظ على تراثهم جوائز في الحفل الختامي للمؤتمر القومي اللجنة الأميركية- العربية لمكافحة التمييز هذا العام الذي تزامن مع الذكرى السنوية الثلاثين لتأسيس المنظمة. حضر المئات هذا الحدث الذي تمحور هذا العام على قضايا الفلسطينيين. وكان الخطيب الرئيسي في مأدبة الغداء الختامية السفير الأسبق للجامعة العربية لدى الأممالمتحدة وكبير ممثليها في الولاياتالمتحدة كلوفيس مقصود. وتكلم مقصود بعاطفة جياشة عن سبل تحقيق حل عادل للأزمة الإسرائيلية-الفلسطينية والقضية الفلسطينية. وقدم المحامي فادي قبلاوي جائزة ريشيل كوري التي سميت تخليدا لناشطة سلام أميركية لاقت حتفها عندما تصدت لجرافة إسرائيلية في غزة في العام 2003. وقال قبلاوي في هذه المناسبة: "في الوقت الذي نتلاقى هنا لتمجيد روح ريشيل كوري وتفانيها لحقوق الإنسان وكيف ألهمت الكثيرين منا، فإن عددا جما من الحاضرين هنا وكثيرين عبر العالم، لا سيما الشخصيتين اللتين جاءتا إلى هنا لتكريمهما...يدركون أن روحها تتجسد أكثر من أي شيء آخر في رمزي كيسيا وجينيفر لوينستاين." فقد ساعد كيسيا في تأسيس صحيفة المواجهة ببغداد في 2003 وآلت مساعيه لتحسين حياة العراقيين إلى منحه جائزة صناع السلام من برنامج العدالة والسلام لجامعة جورجتاون في العام 2004. وقد عمل كيسيا في الأراضي الفلسطينية على مشاريع للتضامن مع فرق صانعي السلام المسيحية وحركة الحرية لغزة وصناع السلام ما بين الأديان. وتحدث كيسيا في كلمته لدى تسلمه الجائزة عن التحديات التي يجابهها نشطاء السلام في كل مكان. وتساءل: "متى كان التقدم الذي تحقق في الماضي ومتى كان الإنتقال لعالم عادل أقل من المجازفة بكل روحك وقلبك قربانا لما تعرف أنه الحق؟" أما لوينستاين فهي أستاذة مشاركة لدراسات الشرق الأوسط ومديرة برنامج مركز هافنز في جامعة ويسكونسن في ماديسون. وفي الماضي كانت صحفية متجولة وناشطة لحقوق إنسان ومتطوعة بدوام جزئي في مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة. وقد أسست أو شاركت في تأسيس جمعيات أهلية وجماعات طلابية في أحرام الجامعات لتثقيف الناس عن سياسات إسرائيل والولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط. ولدى تسلمها جائزتها تحدثت لوينستاين عن نشاطها فقالت: "ما تلقنته كطفلة..هو أنه حينما تكون السلطة او دولتك او رئيس بلديتك، من مستوى القاعدة فأعلى، حينما تخفق الدولة في الوفاء بالتزاماتها بحماية حقوق الإنسان والذود عنها لجميع الناس في أية منطقة يعود الأمر للناس أن يهبوا ليقوموا بذلك بأنفسهم." وقدمت كلير نادر، كريمة روز نادر،الجائزة التي تحمل اسم والدتها إلى ريام صيام بعد وفاتها. وكانت روز نادر التي توفيت في 2006 ناشطة أميركية-عربية رائدة ووالدة داعية حقوق المستهلك والمرشح الرئاسي الأسبق رالف نادر. أما صيام التي وافتها المنية نتيجة لداء السرطان في 2009 فساعدت ضحايا التمييز في جميع أنحاء البلاد من خلال عملها الدفاعي. فنظمت حملات لجمع الأطعمة والألبسة للشعب اللبناني خلال حرب 2006 مع إسرائيل ورعت فرقة للرقص من مخيم للاجئين فلسطينيين. كما كرست نفسها للتحدث في منتديات مجتمع لتوعية المواطنين حول قضايا الحقوق المدنية. وتسلم شقيقها نادر صيام الجائزة بالأصالة عن عائلتها. وقال عن شقيقته في تلك المناسبة: "السبب الذي دفعها لأن تكون محامية هو أنها كانت تود مساعدة الناس وأرادت أن تكون صوتا لمن لا صوت له. وهذا هو تماما ما قامت به." وتلقت حنان وفرح منيّر جائزة الفقيدة هالة سلام مقصود التي سميت تخليدا لذكرى رئيسة اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز السابقة وزوجة الدكتور كلوفيس مقصود. وقدمت الجائزة شقيقتها هنية عثمان. ومنير وزوجته عالمان أميركيان من أصل فلسطيني هاجرا إلى أميركا في سبعينات القرن الماضي. وهما يمتلكان إحدى أكبر وأعرق مجموعات ألبسة وأزياء وتحف وفنون تقليدية من فلسطين. وفي 1992 أنشآ مؤسسة التراث الفلسطيني لنشر التوعية بالثقافة الفلسطينية والعربية وفهمها. وأعاد فرح منير إلى الذاكرة المودة الحميمة التي كانت تربطه وقرينته مع هالة مقصود. ويذكر أن مجموعة مقصود من الألبسة التقليدية العربية هي جزء من مجموعة مؤسسة التراث الفلسطيني. وقال منير: "أينما تذهبون ستجدون اسم هالة هناك إلى جانب الألبسة. وآخر مرة عرضنا فساتينها كانت في مركز كينيدي بواشنطن على مدى 3 أسابيع وذلك خلال مهرجان آرابيسك للفنون العربية. فقد اكتظ الطابق السفلي في مركز جون كينيدي التذكاري للفنون الأدائية في واشنطن بمعروضات الشرق الأوسط التي تشمل الألبسة والأزياء المختلفة والمجوهرات والتحف وغيرها من منتجات الحرف اليدوية اللافتة للنظر والاهتمام في سوق تستقطب المتسوقين من زوار المركز احتلت مكان محل التحف والهدايا. هذا التغيير في تسهيلات وعروض المركز الدائمة مؤقت، والسبب هو أرابيسك: فنون العالم العربي. وأرابيسك هو المهرجان الثقافي الذي يشارك فيه أكثر من 20 بلدا من البلدان العربية التي ملأت قاعات المركز ومسارحه وأماكنه العامة بالنشاطات والعروض الفنية والفنون التي تمثل مختلف جوانب الثقافة العربية، وذلك منذ أواخر شباط/فبراير والجزء الأكبر من شهر مارس. والواقع أن في ما جري في المركز كثيرا من الرمزية. فكما كانت السوق في ماضي التاريخ منتهى مقصد القوافل التي تحمل السلع متنقلة عبر المسافات بين شمال أفريقيا والشرق الأوسط ومحط المسافرين، كذلك كانت السوق التي أقيمت في العاصمة الأميركية مقصدا لنحو 800 من الفنانين والحرفيين العرب الذين جاء كثيرون منهم من مسافات بعيدة للمشاركة في هذا الحدث الفريد. تراوحت مساهماتهم بين عروض مسرحية منولوجية من الأداء الفردي إلى الفرق الموسيقية، ومن عروض مسرحية مقتبسة من الأعمال الكلاسيكية إلى الرقصات الاستحواذية الرائعة، ومن رقصات الدراويش إلى أغاني الهيب هوب، ومن رنين العود إلى الطرب، عدا عن عروض الأزياء والمآكل وغير ذلك الكثير مما لذ للذوق وطاب للنظر. أليشا أدامز، نائبة رئيس مركز كينيدي للبرامج الدولية والرقص وصفت كل ذلك بقولها "بالنسبة لي، هذه كلها نوافذ تفتح على ثقافة المنطقة." أمضت أدامز الردح الأكبر من السنوات العشر الماضية منشغلة في التخطيط لهذا الحدث متنقلة في أسفارها بين أكثر من عشرة من البلدان العربية للبحث والدرس على أرض الواقع. وكان واضحا منذ البداية أن على المرشحين للمشاركة في العروض والأداء في المهرجان أن يكونوا في مستوى المعايير الفنية للمركز وأن تكون الأعمال والعروض التي يقدمونها أصيلة تعبر عن الثقافات الوطنية لواضعيها. لذلك كان للمهرجان من خلال هذا المنظور حس كلاسيكي عريق جاء ليضع أمام الجماهير الأميركية تقاليد وأعرافا خالدة ربما لم يسبق لهم الاطلاع عليها أو اختبارها. غير أنه كانت هناك أيضا إلى جانب القديم مواهب جديدة واتجاهات حديثة. من الأمثلة على المواهب الناشئة عازفة البيانو العراقية الشابة تامي ميكو ذات الأعوام السبعة عشر التي عزفت في عرض مجاني في قاعة المدخل الرئيسي للمركز. الفنان الكوميدي الجزائري سمير بوعناني.ثمة مثال آخر على جيل الفنانين الناهض هو مصمم الرقصات المغربي خالد بن غريب من فريق الذكور للرقص المعاصر "سيودوكيفار." وعلى الرغم من أن أعضاء الفريق لم يكونوا مدربين على الرقص فقد قررت أدامز إشراك الفريق في المهرجان ورغم ما اعترفت به من أنهم "كانوا مغمورين كليا في هذا المجال." فكانت لحسها معطياته المجزية. فقد استقبلت جريدة نيويورك تايمز في تعليق متحمس لناقدها للرقص بترحاب امتدح فيه الفريق بقوله "إنه نظرة انتقائية متسامحة خفيفة الظل ذات روح كبيرة إلى العالم." من بين العروض الفنية كان عرض سوري لفريق أطفال الفرح للإنشاد ومن الصومال كان فنان الهيب هوب كنعان ومن لبنان كانت فرقة كركلا المسرحية للرقص (التي امتدحها ناقد الرقص في جريدة واشنطن بوست بقوله "إنها تأسر القلب") ومن الجزائر العرض المنفرد للكوميدي حمو بوطليلس، ثم الأكثر اجتذابا للاهتمام العرض بعنوان "يا لعمان." وشارك في العرض الذي تحرى الفجوة الثقافية المتضيقة من خلال الرقص، وهو استعراض ابتكرته الممثلة ومصممة الرقصات الأميركية ديبي، 30 راقصا بينهم 15 من العمانيين و15 من الأميركيين. فعلاوة عن تجربة المشاركة في العرض بحد ذاتها، هناك تجربتهم من زيارة أعضاء كل من الفريقين بلد الآخر والتي كانت حدثا مثيرا بحد ذاته. وصفت أدامز ذلك الحدث بأنه "كان فرصة العمر. فإن ما عرفه وخبره هؤلاء الأميركيون من نظرائهم العرب سيكون له أثر كبير عندما يروون حكاياتهم على آبائهم وأصدقائهم ومعلميهم وزملائهم على مقاعد الدراسة في المستقبل." إلا أنه رغم انهماك أرابيسك في الفنون الأدائية والتركيز عليها، فقد ضم المهرجان نشاطات أخرى من غير طابع النص المسرحي، وهي بالذات الكلمة المحكية. فإلى جانب برنامج شامل من القراءات من عدد من الكتاب والمؤلفين العرب وتكريم لذكرى أدباء من أمثال الشاعر الفلسطيني محمود درويش والروائية مصرية المولد أهداف سويف، قدم المهرجان حوارات ومناظرات بين الكتاب والأدباء تناولت مواضيع شملت تحديات الكتابة من منظور الجنس المختلف (نساء يكتبون للرجال، ورجال يكتبون للنساء) علاوة على مناقشات حول أدب المهجر ودور الكتاب في بناء الجسور الثقافية. قالت أدامز إن هذا الجانب من النشاط "يضيف أصواتا أخرى إلى المهرجان. ونأمل أن نزود جماهيرنا أيضا بنظرة على هؤلاء الناس، من يكونون وعما يكتبون، ولخلق تعطش لمزيد من الأدب العربي الذي يتوفر لنا." وبينما استقطب مهرجان أرابيسك أقصى ما تستطيع طاقته من استيعاب لجماهير "نوافذ على الثقافة"، فالمهرجان يمثل الثقافة في أوسع معانيها. فليس من دليل على ذلك أشد وضوحا من عرض المهرجان فيلم "الاستكشاف" الذي يصور ما قدم العرب من إسهام للمجتمع والعلوم خلال "العصر الذهبي" بين القرنين الثامن والخامس عشر، وهو إسهام طواه النسيان على مر الزمن. وأبرزت أدامز كمثال على المنجزات الفكرية العربية ما كان من "إسهام في علم الفلك وفي الطب والرياضيات، وأن بغداد كانت في الواقع هي 'دار الحكمة‘ التي قصدها طلاب العلم من المنطقة للعلم والدرس. فقد كان العلم هو روح العصر آنذاك. ولولا ذلك العصر (الذهبي) لما كانت هناك نهضة أوروبية." ومما يذكر أن بعض العروض التي شملها مهرجان أرابيسك يستمر عرضها في الولاياتالمتحدة. إذ تنوي بعض المدن الأميركية استضافة كنعان وفريق أطفال الفرح للإنشاد ومسرحية عربية مقتبسة عن رائعة وليام شكسبير "ريتشارد الثالث" التي ستعرض في نيويورك. ومن المتوقع أن تعود إلى الولاياتالمتحدة في وقت قريب فرقة بن غريب للرقص. مهرجان أرابيسك هو في نهاية المطاف خلاصة زبدة مكوّناته الباهرة من موسيقى ورقص ومسرح وأزياء ومآكل وعلم وثقافة، فكلها كما وصفتها أدامز "وصلات ثقافية، وسائل يمكن أن ينتمي كل منا من خلالها إلى الناس والإنسانية وإلى الخير والجمال اللذين تنعم بهما تلك المنطقة من العالم."