باتت الجزائر مؤخرا محطة للعديد من المسؤولين الأوروبيين بعد أن زارتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، والهدف بحث ملف مالي الذي أصبح يستقطب كل الاهتمام. زيارات تدل على أن التحرك العسكري في المنطقة بات وشيكا بعد أن غيرت الجزائر موقفها ووافقت على تدخل لن تشارك فيه بقوات على الأرض ولكنها ستدعمه وهو ما كانت تبحث عنه فرنسا والولايات المتحدة. كلينتون قالت بعد لقائها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إنها تتفق مع الرؤية الجزائرية فالقيام بعملية عسكرية في مالي ممكن بدون الجزائر لكن ليس بدون موافقتها وذلك لعدة أسباب: العديد من العناصر الإرهابية المنضوية تحت لواء مختلف التنظيمات هي عناصر جزائرية والمخابرات الجزائرية تملك ملفات عن هؤلاء، بل أبعد من ذلك هناك معلومات تشير إلى أن المخابرات الجزائرية صنعت بعض هذه التنظيمات من أجل السيطرة على عناصر تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ومواجهتها، ثم الجميع يعلم أن الأموال والإمكانات العسكرية موجودة في الجزائر وهذه الأخيرة بدأت في حشد أكثر من ثلاثة آلاف عسكري على حدودها ونقلت طائرات مروحية ومعدات عسكرية وطائرات للتموين والإمداد كما بدأت بعقد صفقات مع بعض زعماء القبائل وسلحت ميليشيات تعارض تواجد عناصر إرهابية في مناطق تواجد الطوارق وإحدى هذه الميليشيات يقودها أحد أقارب الإرهابي المعروف مختار بن مختار. زيارة برودي المبعوث الأممي لمنطقة الساحل هي زيارة للتعرف أيضا على خطة لم تفصح عنها السلطات الجزائرية وهي مزيج بين الحل العسكري-الأمني وبين التفاوض ومد اليد في محاولة لتفادي خسائر كبيرة واحتمالات طول مدة النزاع، الخطة الجزائرية تقوم على خمسة عناصر أساسية هي: - انسحاب قوات الميليشيات المسلحة من المدن الرئيسية لإقليم أزواد، ومن نقاط السيطرة على الطرق الدولية والحدود، وإلغاء المظاهر المسلحة في الإقليم. - نشر قوات حفظ سلام أفريقية في حاميات المدن وعلى الحدود الدولية لإقليم أزواد. - بدء مفاوضات مباشرة بين الحكومة المالية وكل الحركات الأزوادية. - إنشاء صندوق تنموي لمناطق أزواد في مالي والنيجر، ومخطط إعادة إعمار، وإيجاد حل جذري لمشكلة المختطفين الأوروبيين والجزائريين المحتجزين لدى الجماعات السلفية الجهادية في المنطقة. - تجهيز مواقع تسمح لقوات الحركات الانفصالية الأزوادية بالتواجد فيها، شريطة تقديم ضمانات أمنية لمنع تواجد أي عنصر من عناصر الجماعات السلفية الجهادية الأجنبية مثل "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد". ولفهم أسباب تغير الموقف الجزائري لابد أن نشير إلى محيط دولي فرض عليه رؤية جديدة ورفضها. وهذا الرفض كان نابعا من أنها تعرف طبيعة الصراع الدائر في المنطقة خاصة وأنها كانت ترعى المفاوضات بين قبائل الأزواد والحكومة المالية فيما مضى، وكان لها قناعة بأن الحل العسكري لوحده لن يفيد في شيء، ثم معرفتها الجيدة بالجماعات المسلحة، لكنها تأكدت في النهاية بأنها لا تملك الأدوات السياسية والدبلوماسية لمنع التدخل الذي أقرته الأممالمتحدة ومجلس الأمن، وعندما نمعن في قرارها يتضح بأنها لم تغير موقفها ولكنها تأقلمت مع ظرف دولي جديد. ولا ننسى أن مالي الدولة المعنية هي من طلب التدخل ثم إن الجزائر لن ترسل قوات على الأرض لأن عقيدة جيشها لا تسمح بخروج الجيش الجزائري للقتال خارج الحدود ومع ذلك فستقدم الدعم الاستخباراتي واللوجيستي. وفي النهاية فإن التدخل لا يتناقض مع سياستها لأنه تدخل أفريقي بالدرجة الأولى وهي السياسة التي دافعت عنها الجزائر لعقود، أخيرا لا ننسى أيضا أن التقارب في الرؤى بين باريس وواشنطن فيما يتعلق بهذا الملف دفعها إلى التنازل وانتظار الأسوأ وهو نزوح جماعي للسكان بعد بدء المعارك ويبقى التخوف الأكبر هو طول عمر هذا التدخل الذي قد يؤدي إلى تحول منطقة الساحل إلى أفغانستان ثانية وعندها ستدفع الجزائر فاتورة غالية قد تحولها إلى باكستان المنطقة على اعتبار أن الحدود التي تربطها ببؤرة النزاع شاسعة. المصدر: فرانس 24