الصورة من موقع ناس هيس من المؤكد أن أشياء كثيرة تغيرت في "مؤسسة المساء ميديا" بعد اعتقال الزميل رشيد نيني، ومن المؤكد أن صحافيين كبار غادروا السفينة بعد أن شعروا أن الزمان غير زمانهم وأن المكان غير مكانهم وأن البوصلة ضلت الوجهة، لكن مع ذلك لم أكن أتصور أن يصل الحال ببعض من تولى المسؤولية في الجريدة إلى هذه الدرجة من الإسفاف وعدم المهنية وسوء التقدير. ولولا معرفتي الشخصية بوجود شرفاء داخل المساء وعلى رأسهم ذ محمد العسلي المغربي الصميم الشهم، الذي –يجزم كل من يعرفونه- أنه لا يمكن أن يقبل أن يساء لأي شخص فضلا على أن تقذف امرأة بريئة بتهمة نكراء في منبر إعلامي يرتبط باسمه لشككت في المسار والاختيار، ولجزمت أن المساء سقطت سقوطا كليا، بعد السعي المحموم لجهات مخزنية لحرف التجربة وطيها تحت الجناح. وأصل الحكاية يبدأ من نشر المساء لخبر اعتقال "المناضلة هند زروق" في العدد 2178 المؤرخ في 16 يونيو 2012 بالمانشيت العريض*:" ضبط زوجة قيادي من العدل والإحسان متلبسة بالفساد مع بوتشيشي داخل منزله بفاس"- "فضيحة أخلاقية تهز العدل والإحسان والجماعة تتحدث عن اختطاف" فقد فوجئت كغيري من الإعلاميين بطريقة صياغة الخبر والصورة المرافقة له والمساحة والمضامين، وبدأ السؤال عن من وراء هذه المهزلة بكل المقاييس، فالحدث يشعر معه كل مبتدئ في الإعلام والسياسة أنه مفبرك بامتياز، فلماذا تسرعت المساء وانحازت للرواية الرسمية –وتشاطرت نفس الموقف مع بعض المواقع الإلكترونية المشبوهة-؟ لماذا لم يقدم حتى ألد خصوم العدل والإحسان على تغطية الخبر بنفس الطريقة؟ لماذا هذا الاستخفاف بسمعة الناس لهذه الدرجة؟ لكن مفاجأتي كانت أكبر حينما لمست استياء عارما لدى مجموعة من العاملين في المساء وعدم رضاهم على المنشور وطريقة نشره، فلما علمت السبب بطل العجب!!! بلا شك أن الأخطاء في مهنة المتاعب واردة جدا لأنها جزء من ضريبة العمل الصحفي، والاعتذار عن الخطأ هو أيضا واحدة من القيم الرفيعة التي كرستها أخلاقيات هذه المهنة الشريفة ونظمها القانون، وكون المساء تقدم اعتذارا عن الإساءة للمناضلة هند زروق -وإن جاء متأخرا- فهذا أقل ما يجب، لكن هل تم كما يجب؟ فماذا يفيد الاعتذار الذي كتب على عجل بلغة ركيكة معممة، خلت حتى من الإشارة إلى عدد الصحيفة الذي تمت فيه الإساءة؟ ولماذا لم يتحمل "مدير التحرير بالنيابة" ذ مصطفى الفن وهو من نشر الخبر دون استشارة باقي زملائه في هيئة التحرير المسؤولية كاملة، ولماذا لم يتحل بالشجاعة الأدبية، فينشر الاعتذار موقعا باسمه بدل أن يختبئ وراء المؤسسة، كي يعلم الناس الفرق الشاسع بين رؤساء التحرير الكبار ومصححي الأخطاء؟ ولماذا لم ينشر الاعتذار في حجم وبهرجة الخبر الكاذب المنشور ونشر في زاوية صغيرة بشكل خجول؟ مما ينم على أنه مجرد "تسديد خانة" أجبر عليه ذ الفن، وليس اعتذارا أملته أخلاقيات المهنة وواجب الأخلاق ومواثيق الشرف؟ ورغم أن المساء أكدت في اعتذارها "وإذ نؤكد أننا لم ننشر هذا الخبر بسوء نية، لأننا نمارس الصحافة ولا شيء غير الصحافة، وفق الأخلاقيات المؤطرة لها" فإن الوقائع على الأرض والنتائج تقول عكس ذلك تماما، وتثبت سوء النية وسوء التقدير، فلماذا ربطت صورة الشيخ ياسين بصورة هند زروق؟ ولماذا لم ينشر خبر البراءة وحفظ الملف بنفس الحجم؟ ولماذا تأخر الاعتذار كل هذه المدة؟ أسئلة نتمنى أن يجيب عليها ذ مصطفى الفن الذي يبدو أنه لم ينس خصومته السياسية لفصيل "طلبة العدل والإحسان" أيام الجامعة، أو يبدو أنه أراد توجيه رسالة ولاء إلى الجهات المعلومة وإلى مالكي المساء الجدد المفترضين لينفي شبهة "إسلاميته السابقة". كغيري من الزملاء الكثيرين لم يهمني في ما نشرته المساء لا الخبر ولا المؤسسة ولا الانتماء ولا الجماعة لأنهم يملكون ما يدافعون به على أنفسهم، ولأن مثل هذه الإشاعات هي خسائر مفترضة في الحرب مع النظام، ولكن الذي شغلني هو سمعة "امرأة" و"أم" و "زوجة" اسمها هند زروق، ما همني حقيقة هذا الإنسان الذي هو كتلة من المشاعر والارتباطات الاجتماعية *أهل وجيران وأبناء وإخوان وأصدقاء وزملاء العمل-، فهل استحضر ذ الفن -الذي وجد نفسه دون خبرة في موقع "أصدقاء" أصحاب القرار في "صحيفة المساء" واسعة الانتشار- كل ذلك حين سود بقلمه ما سود ؟ وهل يجبر اعتذاره ما انكسر؟ أشك. على أية حال لا شكر على اعتذار، فاعتذار المساء واجب وسلوك متحضر، ينبغي أن لا تشكر عليه ولا ينبغي أن يتكرر.. --------------- *المانشيت كلمة فرنسية، تعني "العنوان مختصر"، يطلقها الصحفيون على عنوان الموضوع الرئيس في الصفحة الأولى.