استبشر المغاربة، خيرا مع مجيء حكومة ما بعد حراك 2011، و ظنوا، من فرط التفاؤل، بأن المغرب سيشهد أخيرا ثورة ناعمة، ستحقق لهم الكرامة و الحرية و العدالة الاجتماعية، خصوصا و أن الحزب الحاكم رفع شعار : صوتك فرصتك ضد الفساد والاستبداد. بدأت الحكومة في عملها، زاد الأمل في نفوس المغاربة عندما سمعوا عن عملية فضح و محاربة للريع يقودها الوزراء المعينون، هذا الفضح لم يتعدَّ عملية نشر لوائح بعض المستفدين من "الكريمات"، ليتوقف قطار "كشف" الفساد عند هذا الحد، و تنتقل الحكومة إلى الاجهاز على مكاسب الشعب البَسيطة. حرب خاضتها الحكومة في نسختيها الأولى والثانية بكل قوة، واستطاعت من خلالها تمرير مجموعة من القرارات التي ضربت المواطن البسيط في قدرته الشرائية، واثقلت كاهل الموظف، و قلصت فرص الشباب في الحصول على العيش الكريم بهذا الوطن . لكن، وقبل رحيل هذه الحكومة بشهرين، انفجرت القنبلة الفضيحة "خدام الدولة"، حاملة رسالة واضحة، مفادها أن الفساد مازال موجودا و يتمدد في هذا الوطن، أو بتعبير أدق "الفساد هو الأصل"، وأن شعار الحزب الحاكم ذهب أدراج الرياح، كما ذهبت ثروات هذا الوطن إلى جيوب قلة قليلة تحت ذريعة "خدمة الدولة"، وكأن باقي المواطنين يشكلون عالة عليها، مع العلم أن من يخدم الوطن حقيقة، هم أولئك المواطنون البسطاء، منهم الأساتذة المكافحون في الجبال، والأطباء الذين يشتغلون في ظل غياب الإمكانيات، والجنود على الحدود، وغيرهم من فئات الشعب. فالجميع يخدم الوطن من موقعه. لكن وجود منظومة متكاملة للريع و الفساد، تنهب و تستغل خيرات البلاد، منذ استقلال المغرب، جعلت المواطن البسيط هو من يدفع الفاتورة. اليوم يبدو أن الوقت حان لمعرفة أجوبة بعض الأسئلة التي بقيت عالقة منذ زمن : أين هي أموال التقاعد التي سرقت، و التي سيدفعها المغاربة من أعمارهم ؟ أين هي أموال الفوسفاط ؟ أين هي أموال الثراوات السمكية، التي يجني منها الاوروبيين وحدهم أزيد من 90 مليار درهم سنويا ؟ أين هي أموال المعونات، و أموال القروض وووو …؟ أين هي ثروات المناجم النفيسة ؟ أين الثروة ؟ لماذا سنستمر في دفع فاتورة الفساد ؟ هل نحن فقط من عليه العمل على ضبط النفس حتى نحافظ على الاستقرار ؟ لماذا علينا قول العام زين ؟ ونحن ننزف قهرا و ظلما و حقوقنا مهضومة. الآن باتت اللعبة مكشوفة، واضحة للعموم، الجنة لخدام الدولة و النار لرعاع الدولة، و لكن عن أية خدمة يتحدثون ؟ المعطيات تدل على أن الخدمة الوحيدة التي يقدمونها للدولة هي تهيج الشعب، فحذاري من ثورة للجياع تتراءى في الأفق.