ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في قراءة عاشقة لديوان حنين إلى زمن الحروف وديوان انكسار في قوس قزح للشاعر عبد الحق الحسني
نشر في ناظور سيتي يوم 26 - 07 - 2017


إعداد الأديب والروائي مولاي الحسن بنسيدي علي
منذ ثلاثة عقود، كانت العلاقة ولم تكن قوية متينة بالرغم من الاحترام الكبير المتبادل بيننا، وسبب ذلك مرده لصداقته بأخي، وكان هو نفسه من عمداء الشرطة، وكنت استحيي منه، فأسلم عليهما وأمضي إلى حالي، لكن في العقد الأخير تعززت أواصر وعرى الصداقة بيني وبينه ، وقرب بيننا الشعر والكلمة والمعاني الجميلة ،والأدب عموما، فارتبطنا ارتباطا وثيقا ببعضنا البعض، نقرأ أشعارنا ونستمع لكلينا، وكثيرا ما كنت أحظى بشرف القراءة الأولى لأشعاره، وما كان يروقني في الشاعر أنه كان لا يعارض على ملاحظة أبديها أو رأي أدلي به له، فزاد في قلبي محبة لكونه شاعر متواضع بتواضع الكبار، وكثيرا ما كان يكتب أشعاره قصائده ويدون عباراته تحت ضوء القمر، وهو في ديمومة العمل. وبما أنني قليل النوم بالليل، كنت أتواصل معه على الفايس بوك، لنلتقي في الصباح بعد أن ينتهي من حصة العدو الرياضي، آثرت أن ابتدئ هذه الإطلالة لأبدي للقارئ أن تحليل ديوان الشاعر يقتضي الغوص في ذاتيته وتحليل شخصيته وحتى تكون ذلك المحلل عليك أن تكون صديقا له وموضع ثقته، أذكر أنه بعث إلي بأول قصائده باسم مستعار، وكتب تحتها أرجو من كريم شخصكم تقييمها، وان شئتم تهذيبها ووقعها باسم حسن علوي، فقرأتها مرات عديدة لأتلمس فيها موضع لحن أو خطإ أو جرس موسيقي نشاز، فلم أجد بها من عجز ولا عيب، فكتبت إليه سيدي قد لا ترقى كلماتي ولا حروفي إلى ما عندكم وأخالك من الشعراء الكبار فلا داعي إلى تمويهي وأريد أن أعرفك عن قرب، ومن يومها توطدت العلاقة بيننا.
فمن يكون هذا الشاعر الرياضي؟ صاحب البذلة الرسمية والزعافتين تزين كتفه إنه العميد الإقليمي الممتاز تهابه حين تراه بالزي الرسمي، وحين تقترب منه يبدو أنسانا عاديا بسيطا يسبقك بالاستلطاف والتحية، تظهر ميكانيزمات شخصيته من خلال تعامله، طيب إلى أقصى حد وجدي إلى درجة كبيرة، مما جعله محط احترام من طرف كل من عاشره أو نعامل معه، فمن يكون هذا المسكون بحب الأخر ؟ قد نجد الإجابة من خلال أسئلته الحيرى الفلسفية،
يقول في قصيدته التالية
لست أنا أمام المرآة.
لست أنا الواقف أمام المرآة
ألعق آلامي كصقر جريح
لست أنعم بكرسي
خلف ابتسامتي عاصفة ناسفة.
أمسك صورتي المعكوسة
بين الإبهام و السبابة،
تلك علامات الهلوسة
أو ما غاب من إجابة.
أستدرج أنفاسي بصمت
كالليل ينسلخ من الفجر،
أطعمه سنا نور يلهو به
يجذبني ،ينقذني من الهجر.
أصنع كلماتي من لجين،
يقطر من سحاب خفيف
نغمة نغمة ،
أو بكاء سنديان من حفيف.
لست أنا أمام المرآة
إنما، ما تبقى مني ،
من كلامي ،من عمري،
لست أنا الواقف أمامي.
.
تظهر جليا سلاسة الأسلوب الخالي من التعقيد، حتى وإن استعمل الرمز الذي يزيدها جمالية، وروعة بناء شعري، فتتمازج تعابيره كما تتمازج ألوان الرسام، لتشكل لوحة فنية بديعة كما في قصيدته أحلام بسيطة قد تصنع الإنسان يقول فيها :
أحلام بسيطة
كلي رغبة في الاعتراف
بين الكلمات المتقاطعة
أملأ كوني بوعود ضائعة
بين توبة زائفة و انحراف.
احلم أن السلام بكل مكان
يتنفس رحيق الأقحوان
يحمل راية بيضاء
يصبغ سواد آخر زمان.
احلم أن لي كل الشجاعة
اجز بها ذيول الخانعين إذا
خارت أجسادهم خوفا
من ذئاب جائعين.
أيتها الأحلام تنفسي الصعداء
ليس بيني وبين قومي عداء
هي مجرد أحلام بسيطة
لا يستغني عنها البسطاء.
ويذهب الدكتور الناقد نورالدين أعراب الطريسي في معرض تحليله ودراسته لقصائد الشاعر عبد الحق الحسيني: إن شاعرنا يبني نصوصه الشعرية وفق نمط خاص من البناء الفني.إد يعتمد اللغة الشعرية والصورة الشعرية و الايقاع الداخلي دون الايقاع الخارجي.
بالنسبة للغة الشعرية تتراوح بين المباشرة التقريرية والإيحاء الرمزي العميق، وكذلك الشأن بالنسبة للصورة الشعرية التي تصل في بعض النصوص إلى أقصى درجات التجريد والعمق والبناء الرمزي.
والملاحظ كما يقول الناقد الطريسي أن اللغة والصورة تكونان في هدا المستوى العالي من الترميز الفني والتصويري والشعري كلما اقتربتا بالمواضيع الغنائية الذاتية، بينما في المواضيع الاجتماعية وغرض الشعر الوطني تقتربان من التقريرية والمباشرة والوضوح. الشديد "انتهى". يتربع الفرح والانشراح كثيرا من قصائد الشعر ليجعل القارئ ينتشي طربا بل يشاركه الابتسامة والترنح يمنة ويسارا، كما يتمايل العاشق للمغنى الأصيل وهذا ما نجده في جل قصادئه
. إن الشاعر ابن بيئته ينتابه ما ينتاب كثيرا مِنْ مَنْ يحيطون به من أفراد وجماعات، فينخرط في همومهم وأتراحهم يشاركهم الحزن والدمع ،فيكتب عنهم ولهم ومن أجلهم وكأنه لسان حالهم، فنقرأ في قصيدته وهو يتضامن مع مرضى السرطان واصفا هذا الداء العضال والفتاك بالبحر الميت من دخله مفقود. واحتراما لمشاعر المرضى لم يأتي على ذكره بالاسم في قصيدته فعنونها ب
: البحر الميت
......
يسألني القمر
ما الفائدة من بحر فقد صوته
في ليلة باردة ؟
لم يعد ينطق
لم يعد يخبر عن الهوى
لست طبيبا لأداويه
لست فقيها معمما
اكتب له طلاسم الشفاء
لم يعد ذلك الأبيض
الأسود..الأحمر
الأطلسي الهادئ
أصبح بحرا ميتا
يموت الملح في قعره
الغطاء البارد الذي لف البحر
زادني رعشة وخوفا
خوف اقرأه في أعين الزائرين
الحائرين
ا لحاملين ألف سؤال
عن موجات صوتيه
وأشعة سينية
أو ابر صينية
الكل يبحث عن دواء
للبحر الصامت
في أعين الأبرياء
لم يعد للبحر صوت
لم يعد لدينا دواء
دواؤه ليس وصفة طبيب
كلام غير مكتوب
ينطق به الشعراء
واعتبارا لكون الشاعر ينتسب إلى قبيلة معروفة في الجهة الشرقية وتحديدا نجود بني يزناسن تلقب بالشرفاء العزوايين المنحدرة من سلالة ألمولاي إدريس الأزهر ابن مولانا إدريس الأكبر بن مولانا احمد بن مولانا عبد الله الكامل بن مولانا الحسن المثنى بن مولانا الحسن السبط بن مولانا علي بن مولاتنا فاطمة بنت مولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى اله الطاهرين وسلم فقد خص قلمه وخط قصيدته في حق جده رسول الله سائلا المولى عز وجل أن يثقل بها ميزان حسناته يقول فيها:
محمد
منبت الأشراف تباهت
به الأمم حين غرق بالظلماء
السهل والجبل مولده كان
للناس نورا بتسم دام إلى اليوم
نبراسا يبعثه ر أية الإسلام
بها زينت القمم السابحات بالكون
ينشده الأزل وجهه بدر زاد
سماءنا نعم ليست مثله الأنبياء
نكتفي بهذا المقطع محاولين استعراض أهم خصائص البناء الشعري للشاعر في ذكر النقاد عنه :
وندعو القارئ لتبينها في الديوان لكون المقام لا يسمح باستعراضها جملة و تفصيلا يقول الدكتور نور الدين أعراب الطريسي: أما الايقاع الداخلي فهو يتمثل في مجموعة من الظواهر اللغوية والمحسنات اللفظية والبديعية التي يعتمد عليها الشاعر كالجناس
والطباق والتكرار والترادف.
وفي نفس الاتجاه سار فضيلة الأستاذ الدكتور عيسى الداودي في تقديمه الذي خص به ديوان الشاعر عبد الحق الحسيني "انكسار في قوس قزح" بقوله: النصوص الشعرية عند عبد الحق الحسيني ليست أحادية الخطاب وليست تقتصر على الخطاب الشعري فقط وما يرتبط به من انفعالات وجدانية وتعبيرية عاطفية ؛ بل هو نسيج متماسك امتد خيوطه إلى خطابات تتخطى الحظيرة الأدبية ؛ لتسترفد من الخطابات الأخرى التي يمكن ان نسميها بأنها غير شعرية ،فهو يقفز قفزات جميلة في عوالم أخرى رحبة ، يلتفت إلى التاريخ ويستسقي من علم المستقبل ، ويهيم في حضرة الرموز الصوفية ويأخذ هذا من الوحي ومن الأساطير ويستعين بأغراض الملاحة البحرية ويتلذذ بالعاب الأطفال (انظر قصيدة : طائرات من ورق) كما أن المجموعة الشعرية جاءت حبلى بالمستجدات والرموز والتقاطعات النصية والمعرفية التي تعكس المخزون المعرفي للشاغر ." انتهى" انظر الصفحة 115/116 من ديوان الشاعر قوس قزح
إن الشاعر لم ينس أن يكتب عن ذلك الكائن الجميل الرقيق الأنثى بصفاتها المتعددة الأخت والزوجة والأم والابنة والحبيبة يرتمي عند قدميها فيقبلها باعتبار أن الجنة توجد تحت كعبها ويحضنها ابنة وزوجة، يغازل رقتها وأحاسيسها ويلامس عواطفها بكثير من مهارة المتحدثين والشعراء ومن بين أجمل ما قرأت له نسوق بعض الأمثلة كما دونها إذ يقول أهدي هذه الكلمات لكل امرأة هي أمي زوجتي أختي بنتي أو من أقاربي أو معارفي
: سافرش لك الورود سيدتي
بكل احترام
أنت كل شيء في الوجود
منذ قدومي لهذا الكون
عرفتك بقبلاتك فوق جبيني
أو بين الخدود
. نبضات قلبي تراقص
أنفاسك دوما
وفي كل آن ترتمي
تبتغي إكسير الخلود
إن كننت لم تلدينني
فقد اسكنتني منزلة
تجانبني درب الشرود
سافرش طريقك
ببساط أحمر مبثوث بالورود
تحسده وجنتاك
وينفطر له كل قلب ودود
فما أستطيع نسيانك
وما أستطيع هجرا
وما أستطيع نكران الوعود
. يخصص الشاعر للأنثى في دوانيه مساحة كبرى يغني لها وعنها فهي إما أما أو بنتا أو حبيبة فذاتيتها مجسدة في قصائده بسكونها وعنفوانها بجمالها وقبحها بكل ما لها وعليها والشاعر يتغاضى عن عيوبها إذ نجده يكثر من محاسنها إلى درجة الهيام في التغزل بها على غرار شعر العرب وشعراء الغرب يقول في قصيدة له
: كل القصائد أنت
في حروفها تسكنين
تتأنثين بين أنواع القلائد
وأطياف العطر
تتأرجحين يسبقك الحسن
فتنحني لك الغيد منتكسات فلا تبالين
. كل القصائد جافة يبللها ريقك
ليلا بإطراف الحب تتمسحين،
تترقبي أن يعفو عنك سلطان النوم
لتحلمين
. قصائدك دوما تخالجني
يقينا حين اليقظة
وحين تهجعين
كل القصائد جميلة
تأتيني ليلا على أجنحة مكسورة
بين بسمة وأنين
. فالشاعر عبد الحق الحسيني متأثر بالثقافة الغربية لكونه مزدوج التكوين يكتب بلغة موليير وحبه لها دفعه إلى التسجيل بكلية الآداب العصرية شعبة الفرنسية بالرغم من تخطيه للعقد السادس وتقاعده من سلك الشرطة أن تحرره من الوظيفة العمومية ومن المسؤولية قربه أكثر من صالونات الأدب فهو كالنحلة يتنقل بين رياض الثقافة والفن والإبداع فداع صيته بين الأدباء والشعراء وحظي باحترامهم
وتقديرهم يستمع إلى ندواتهم ويناقش أفكارهم فأضحي محبوبا من الكبير والصغير ومثالا يقتدى به في طلب العلم من طرف الشباب . وكما خصص للزمن وللأشخاص وللتاريخ ذكرا في إشعاره لم ينس الأمكنة التي مر منها والمدن التي تنسم هواءها وسقي من مائها وأكل من طعامها وتركت في نفسه أثرا طيبا وذكرى جميلة ونستعرض بعضا منها على سبيل المثال يقول الشاعر وقد غلبه حب العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء ومن سكن بها
كاز بلانكا
يذوب زبد البحر
عند أصداء الآذان
نسافر بين السحر،
قديما سكنا المنارات
تعانقنا نجوم ساعة
عقاربها في اختلاف،
بين حافلات و دخان
وقاعات بلا أفلام،
تشتتت أفكارنا ليلا
تاهت الدفاتر والأقلام
. أقمت ذات دهر
بين قصب و عليق
بين جمال عيون عين السبع
و عين ذئاب،
من قال أن البحر لا ينبض حبا
يتنفس الصعداء
ليلفظ كل الأحاسيس
وحكايات النوارس القديمة
بأن اليابسة قريبة بمقدار سفينة
تعج بالأحلام المنهكة
بأحوال الجو
وأن زخات المطر تشهد ميلاد حب قديم
. كازا بلانكا بصناديقها الإسمنتية
نبضها لن يتوقف تحت الأرض
وفوق الأرض
بقلبها المطاطي وعينها التي لا تنام
أخاف عليها أن تنام،
وحكاياتي معها تطول
. ويمتد هيامه وعشقه للطبيعة وكأنه يتقاطع مع الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي رحمه الله في رومانسيته المفعمة بكثير من الفرح والشجن التي لا تخلو من الحكمة والموعظة وقد يتناص معه في كثير من قصائده يقول الشاعر عبد الحق الحسيني وقد وقف على ضفاف المحيط الأطلسي ينعي ما بداخله بطريقة وجدانية مؤثرة قد يعلم بوحها الشاعر أو من أسر له بذلك فجاءت القصيدة تحت عنوان
: الحكمة
أمام شهيق المحيط
بأمواج تنحني عند قدماي
أستمد عظمتي
من عمق السماء المنعكسة على الماء
. تتوالى لحظات من حياتي
أضاهي كريستوف كولومب
فأروي مأساة التيتنيك
أحصي أنفاسي على إيقاع تسبيح
لأتصالح مع خالقي
فاستكشف روحي
وما ضاع من ماض
. اعصي لأنسى معاصي
أكبر منها أو لأتعلم
نسيان أن كل شيء لا ينسى،
تلاحقني الجبال وصدى أوهام
مضت تتهاوى تباعا
تجيب استفهاماتي عن سر الأسارير
وقصص لافونتين
بعد ادوار لعبناها على درب الحياة
أرواح لحيوانات
نتقمصها على الهواء
لنعيش اكثر تحت شراع الحكماء.
. إن جيل الشاعر عبد الحق الحسيني وقد نهل من معين الأدب العربي ومن مقررات دراسية كان لها تأثيرا ووقعا حسنا عند الدارس فلا أحد منهم نسى كتاب في الأدب المعاصر لشوقي ضيف أو في الأدب العربي لطه أو عبقرية عمر لمحمود عباس العقاد أو شعر إليا أبي ماض أو كتابات جبران خليل جبران أو مطران خليل مطران أو شعر محمد الحلوي ومن الأدب الغربي لفونتين، موليير وفيكتور هيجو وغيرهم كثير فشب طوقهم على الحرف الجميل فكان ديوان الشاعر عبد الحق الحسبني وكأنه تحسرا على حنين إلى زمن الحروف فهو طيف الماضي الجميل بألوان اللغة العذبة السلسة الرائعة وخوف الشاعر أن ينكسر الجمال فكان ديوانه الثاني بعنوان انكسار في قوس قزح أدعو القارئ إلى تنسم عبير ديوان حنين إلى زمن الحروف وملامسة روعة الانكسار في قوس قزح والمعنى للظاهرة كما عرفها الفيزيائيون قَوْسُ قُزح يسمى كذلك قوس المطر أو قوس الألوان وهو ظاهرة طبيعية فيزيائية ناتجة عن انكسار وتحلل ضوء الشمس خلال قطرة ماء المطر.
يظهر قوس المطر بعد سقوط المطر أو خلال سقوط المطر والشمس مشرقة. تكون الألوان في القوس اللون الأحمر من الخارج ويتدرج إلى البرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق فأزرق غامق (نيلي) فبنفسجي من الداخل. ضوء الشمس يحتوي علي العديد من الألوان الطيفية وهي عبارة عن أشعة ذات اطوال موجية مختلفة. انظر موسوعة ويكيديا وبالنظر إلى العتبة الأولى في الديوان وهي لوحة الغلاف نجد معالم التعريف أعلاه مما يجعلنا نقر أن الشاعر لم يختره اعتباطا وإنما بناء على دراسة وتحليل ومعرفة للظاهرة التي استنتج منها عنوان ديوانه انكسار في قوس قزح
وقبل أن اختم هاته القراءة العاشقة لا بد من الإشارة إلى مسلك الشاعر الذي أراه يخطو بخطى ثابتة على أرضية ما أ صبح يعرف بشعر الهايكو . وأنا أتصفح الدوانين حنين إلى زمن الحروف وديوان انكسار في قوس قزح، عنت لي ملاحظة شدت انتباهي والمتمثلة في قصر مقاطع القصائد، وكأن الشاعر يسلك في كتاباته سبيل شعر الهايكو معتمدا على عنصر المفاجأة
من خلال ألفاظ بسيطة تعبر عن مشاعر جياشة وأحاسيس فياضة
وقد ذكر الأستاذ محمد مرزوق في مقاله بعنوان قصيدة الهايكو الأقصر في العالم والأكثر شهرة المنشور بموقع الرياض والذي تطرق فيه إلى الخصائص الأساسية لقصيدة الهايكو عموما.
والذي وجدناه في دواني الشاعر عبد الحق الحسيني يقول الأستاذ محمد المرزوقي عادة ما تكون قصيدة الهايكو مبنية على الاختصار في اللغة وصياغة اللحظة الإنسانية الشاعرة، التي تتخذ من قوة العاطفة جسرا مختصرا تقيم عليه علاقات القصيدة المرتكزة على ما يشبه "الحبكة" الغنائية التي تتخذ من شعرية الكلمة جملة إيقاعية، وصفها عدد من النقاد بالعبقرية الشاعرة، التي تطرق أعمق الأفكار الوجدانية، بحس تمتزج فيه "الأنا" الشاعرة بالطبيعة "الذات" في صوتيات تختزن في عدد ألفاظها المحدود مساحات لغوية شاسعة التأويل، وفضاء للمتخيل الشعري، الذي تفرد به شعر الهايكو"انتهى"
انتهت بحمد الله هذه القراءة العاشقة والهدف منها تقريب القراء من شخصيات أحببنا نصوصها الشعرية فاخترناها موضوعا جلنا مع أصحابها ورافقناهم في كتاباتهم لشهور وطيلة السنة، وكان ختامها هذه القراءة في سيرة ونصوص الشاعر عبد الحق الحسيني فإن أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فمن أنفسنا ونرجو من الله أن يكون عملنا خالصا لوجهه الكريم ولا نبغ من ورائه تقربا ولا مصلحة وهو سبحانه من وراء القصد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.