بينما نحن ننعمُ ب"الدفءِ" الساري بين أوصال أجسادنا والذي نستمدّه من أفرشتنا الوثيرة داخل بيوتنا، هناك في المقابل من لم يجد حتى أغطية يتدثَّر بها إتقاءَ الصّقيع، وَ.. هُمْ.. عيّنةٌ من البشر يحملون نفس ملامحنا حيث يشبهوننا إلى حدّ التطابق، فَ.. هُمْ.. نسخٌ منّا طبق الأصل، أو بالأحرى هُمْ أشقاؤنا في الرضاعة من ثدي الإنسانية والدين والجِلْدة والجغرافية والوطن، لكنهم بخلافنا تماماً. إذْ يبيتون في العراء كما لو أنهم مسوخٌ بشرية بلا مأوى، حيث يفترشون الأرصفة لِحافاً ويلتحفون السماء غطاءً، وتحلُّ بهم نزلات البرد تِباعاً، يقضون سحابة نهاراتهم الكئيبة لَهثاً وراء كسرة خبزٍ بالكَادِ تقيهم من التَضوُّرِ جوعاً، أما لَيلُهم الحالك فغالباً ما لا يُغمض لهم جفنٌ فيه إلاّ على إيقاع سيمفونية صفير البرد الثلجي، وكأنهم في الشوارع التي يتكوّمون بين جنباتها فوق كارطونات مبللة بغيث السماء كمطارح أزبال أو أكياس قمامة وإنْ من لحم ودمٍ ونبضٍ وإحساس، فهيَ مرميةٌ إلى أن تتعفّن. فمِن فرط تعوّدنا على مشاهدة هذه الكائنات المتشردة التي تعيش البؤس والحرمان والتعاسة والشقاء على هامش الشوارع الخلفية للمجتمع، نمُّر بمحاذاتهم ولا نُلقي لهم أيّ بال، بيد أنهمْ أيضاً ألفُوا اللامبالاة وعدم الاِهتمام من زمان وراحواْ يستسلمون لواقعٍ مرير مفتوحٍ على جميع احتمالات الضياع بأذرعٍ مُشرّعة على آخرها لمعانقة كلّ الهزّات حتى تلك المُرشّحة للعصفَ بحياتهم، طالما أنّ الذي قد يأتي منها أو قد لا يأتي لديهم سيّان. عموما، عدسة ناظورسيتي حاولت خلال هذه الأيام التي تعرف إبّانها منطقة الناظور موجة برد صقيعية بلغت أقصى درجاتها، الاقتراب من عيّنة اجتماعية حتّمت عوامل عدّة متداخلة الدفع بها لاحتضان واقع التشرّد في معادلات اجتماعية صعبة، بغية اِطلاع الرأي العام على معاناة شريحة من المجتمع مُغيّبة بالكامل عن أذهان المواطنين وخارجة عن حسابات وأجندات المسؤولين، وكان سردهم نزراً قليلا من حكاياتهم قاسياً ومؤلماً وحاطاً في حين من الكرامة الإنسانية إلى أبعد الحدود.