بعد العطلة الصيفية سيكون قراري جاهزا: العودة النهائية إلى هولندا أو البقاء هنا في طنجة". هذا ما يؤكده شاب هولندي من أصل مغربي يدير مشروعا تجاريا في طنجة منذ خمس سنوات. اختلاف العقليات وغياب الاحترام لقوانين التعامل والفساد الإداري، هو ما دفع عبد المجيد مزاحي إلى إعادة التفكير في قراره العيش والعمل في المغرب. شمس ومال وأحلام ولد عبد المجيد مزاحي في مدينة هيلفرسوم الهولندية، وهو شاب لم يبلغ عقده الثالث بعد. وعلى عكس الشباب المغربي في مثل عمره الذين يحاولون المستحيل لعبور مضيق جبل طارق نحو 'الجنة‘ الأوربية، قرر هو قبل خمس سنوات العودة للعمل والاستقرار في المغرب. كيف حدث ذلك؟ "كنت آتي إلى هنا خلال العطل الصيفية فقط. وحدث ذات مرة أن عرض علي والدي العمل معه في المغرب مقابل شروط عمل مجزية، بالإضافة إلى أن المغرب بلد جميل ومشمس، ويمكن لك فعل كل شيء رغم أن المغرب من البلدان النامية". كان ذلك في شهر يونيو 2005. خمس سنوات مرت على إشرافه على مشروع تجاري عبارة عن وكالة عقارية لإيجار الشقق المفروشة ومقهى ومخبزة في أحد أرقى المناطق بمدينة طنجة. رمز مدخل المقهى أسدان رابضان أمام الباب وفوقه لافتة مكتوب عليها اسم المؤسسة التجارية: Ste. De Leeuw ( مؤسسة 'دي ليو‘)، الاسم الذي اختاره والد عبد المجيد تيمنا بصديق هولندي كان يقابل متجره في هيلفيرسوم بهولندا. عقليات الشاب عبد المجيد الذي يفضل الحديث باللغة الهولندية خلال لقائنا، يعترف أنه "تعلم" كثيرا من تجربة عمله واستقراره في المغرب. إلا أنه يؤكد على أن "العقليات تختلف" في كل المجالات: "في المواعيد، في طرق العمل، في كل شيء. المغرب وهولندا عالمان مختلفان تماما". يظهر أن حماسة المستثمر الشاب فترت نتيجة كذلك لما يصادفه من عقبات إدارية وغموض في التشريعات. "في المغرب لا يمكن للمال وحده أن يضمن لك موقعا. بل تحتاج إلى سند من نوع آخر". يقصد عبد المجيد توسيع شبكة العلاقات مع ذوي النفوذ وأصحاب القرار، وخاصة في مدينة كطنجة التي تتصارع فيها الأموال 'القذرة‘ لتصبح 'نقية‘ طاهرة. "أحب أن أنمي وأوسع مشروعي لا أن أتراجع. ولذلك تجدني الآن أفكر في الاختيار ما بين البقاء أو المغادرة. على كل حال بعد الصيف سيكون قراري جاهزا". خيبة أمل تشهد السنوات الأخيرة 'هجرة معاكسة‘ نحو المغرب لمغاربة شباب ولدوا في هولندا، تحدوهم أحلام الاستثمار في وطنهم الأصلي. قلة قليلة منهم تمكنت من إيجاد موطئ قدم لها في وطن الآباء والأجداد، بينما عاد الآخرون يجرون أذيال المرارة وخيبات الأمل. يؤكد عبد المجيد انطلاقا من تجربته في المغرب، على أن 'العائدين‘ المغاربة عادة ما يتعرضون لميز في التعامل، رغم وجود قوانين محفزة على الاستثمارات. "الناس هنا ينظرون إلينا كمغاربة ويتعاملون معنا بهذه الصفة. بينما يتعاملون مع الأوربيين بطريقة أخرى". ما يؤكد عليه المستثمر الشاب من طريقة تعامل الإدارة المغربية مع المستثمرين المغاربة القادمين من المهجر، ليس مجرد إحساس أو حوادث عارضة. بل أصبح ظاهرة تتطرق إليها مختلف وسائل الإعلام المستقلة. فكم من مستثمر ضاعت أمواله ومدخراته حتى قبل أن يحصل على "رخصة" الاستثمار. التشريعات المحفزة على الاستثمار متوفرة، غير أن تفعيلها يبقى حبيس رغبات النافذين والمسؤولين. يدرك عبد المجيد مزاحي أن أوضاع هولندا قبل خمس سنوات تغيرت عما هو عليه الحال الآن، لاسيما في ظل أزمة مالية واقتصادية عامة. لكن ذلك لا يمنعه من محاولة بناء مستقبله في هولندا مجددا. "سأحاول الجمع بين العمل والدراسة. أنا أتقن التحدث باللغة الهولندية وأعرف الناس هناك، وأعتقد أنني سأحقق ما أريد رغم الأزمة وقلة فرص العمل". محمد أمزيان