كثر الحديث مؤخرا عن فيروزات المرتزقة بالعمل الجمعوي الذين يبذلون كل ما في وسعهم للنيل به وتحقيق مآربهم لا أكثر ولا أقل والعمل على تلميع صورتهم بعيدا عن العمل الجمعوي الجاد الحقيقي الذي يساهم في تحقيق الإقلاع التنموي. هذا الإقلاع التنموي للعمل الجمعوي عرف في السنون الأخيرة على الساحة الوطنية نوعا من التمييع والفساد والتفريخ من طرف هؤلاء المرتزقة الذين يستغلون أي مشهد للركوب والمتاجرة به . وإذا قمنا بمراجعة تاريخية للمشهد الجمعوي نلمس أنه في فترة الحماية إقتصر عمل المنظمات والهيئات الجمعوية على النضال لتحرير الوطن وإسترجاع الحقوق المبدئية كالهوية الوطنية وسيادة الأمة وتحقيق الإستقلال ، أما أثناء مرحلة الإستقلال عرفت الساحة الجمعوية ظهور موجة من الجمعيات التي إنخرطت إلى جانب الدولة في مشروع التمنية المستدامة حيث ظهرت جمعيات تعنى بالبيئة وتشييد المدارس والبنية التحتية وأمام الرخاء الذي عرفته الدولة في مرحلة السبعينات وتوتر العلاقة بين الجمعيات والدولة التي إتهمت هذه الأخيرة بالخلط بين ماهو جمعوي وسياسي أقدمت الدولة على الإنخراط في المجال التنموي لوحدها ( التشغيل ، الصحة ، التعليم ……..) وإجبار الجمعيات على العمل في المجال الثقافي والرياضي والفني، ورغم هذه العرقلة استطاعت الجمعيات أن تحقق إشعاعا كبيرا قل نظيره من خلال ظهور فرق مسرحية محترفة المسرح الجاد ….. ومع بداية الثمانينات وتخبط الدولة أيضا في الأزمة الاقتصادية والنمو الديموغرافي السريع ، لم تستطع الدولة لوحدها الإنخراط في الشق التنموي ، حيث عملت على إنشاء جمعيات صفراء ومنحها صفة المنفعة العامة وأغدقت عليها المساهمات المالية على الأنشطة المنظمة من طرفها ، كما عملت أيضا على تقديم الإغراءات المالية لأطر وكفاءات الجمعيات غير الحكومية محاولة إستقطابها للعمل بالجمعيات الصفراء وإمتصاص حماسها خصوصا وأنها أصبحت تؤرق بالها بأنشطتها الجادة التي تجاوزت الحدود وذاع صيتها ، ومع نهاية الثمانينات ظهرت موجة من الجمعيات التي تعنى بالتنمية وتشجيع التشغيل الذاتي . أما حاليا فالمشهد الجمعوي ترجم بكثرة الجمعيات والتعاونيات التي فاق عددها أزيد من 40 ألف جمعية ، هذا جميل مقارنة مع النمو الديموغرافي الكبير بالبلاد ، حيث عمل العمل الجمعوي على سد نقائص الدولة في عدة مجالات ، لكن المشكل يكمن في التفريخ السلبي للجمعيات فما أكثر المرتزقة وصيادي الفرص الذين يتاجرون بالعمل الجمعوي ويعملون على فبركة الجمعيات بين عشية وضحاها ، خصوصا وان أغلب هؤلاء المرتزقة لم يجدوا مكانهم في المشهد السياسي أو يقومون بتعزيز مكانهم ا لسياسي وتوسيع تسلطهم بإستغلال العمل الجمعوي وهناك من لا يفرق بين الألف والزرواطة ويحشر نفسه في هذا الميدان النبيل ، وأمام هذا الإنفلات بتنا نسمع ونلمس متاجرة المرتزقة بمواضيع سامية ( الطفولة ، المعاقين ، معاناة المرأة …………………..) وإستغلال التمويل المقدم من طرف الجهات الأجنبية ، أمام هذا الوضع أصبح هؤلاء المرتزقة يشوشون على الجمعيات الجادة خصوصا بعد دخول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حيز التنفيذ ، حيث إزداد تفريخ هذه الجمعيات الكرتونية والتي هدفها الأساسي نهب المال وتوزيع الأموال التي يتوصلون بها عليهم وعلى البيادق الذين يباركون عملهم ، منجزين 1/3 من المشروع أو اقل غير آبهين بتطلعات الساكنة ، كما أن هؤلاء المرتزقة غالبا ما تتركز وثائق الجمعية في محافظهم وهذه هي الطامة الكبرى . ويقومون بإنزالات أثناء عقد الجموع العامة للسيطرة على الإطار الذي ينظر إليه كوسيلة للربح والكسب بعيدا عن الأهداف . كما يعمدون إلى إستغلال الجمعيات في الحملات الإنتخابية أمام هذا النزيف حان الوقت لوضع حد لظاهرة الإسترزاق بالعمل الجمعوي ،من خلال مراقبة لمالية الجمعيات عن طريق مساطر المتابعة والمراقبة سواء من قبل الدولة أو المنظمات المانحة وذلك عن طريق خلق لجان تابعة للجهات المركزية ولأجهزة مستقلة وليس للمسؤولين بالعمالات والأقاليم حتى لايتم الضغط عليها أو التأثير على عملها ، و وضع برامج النهوض بثقافة المحاسبة حتى لايتم الإفلات من العقاب وتكرار التلاعب بالمال العمومي .