أديس أبابا: رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يستقبل السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الاتحاد الإفريقي    مستقبل الدولي المغربي سفيان أمرابط بات على المحك … !    تفاصيل حريق بمطار محمد الخامس    إيداع تلميذين سجن تطوان على خلفية جريمة "ثانوية بني رزين"    تفاصيل تزويد المغرب ب 18 قطارًا    ارتفاع طفيف في بورصة الدار البيضاء    عون يبرئ حزب الله من إطلاق النار    بورقية وبوعياش وبلكوش .. الديوان الملكي يعلن عن تعيينات جديدة    إلغاء حكم السجن ضد داني ألفيش    مجلس الحكومة يتتبع مستجدات النهوض بأوضاع المرأة ويوسع اختصاصات قطاع التواصل    رابطة تدين طرد مدير قنصلية المغرب    إغلاق 531 محلاً وملاحقة 327 مخالفاً في حملات مراقبة الأسواق برمضان    توزيع ملابس العيد على 43 نزيلا حدثا بالسجن المحلي بطنجة2    إحياء ليلة القدر في مسجد الحسن الثاني بأجواء روحانية مميزة    دنيا بوطازوت تنسحب من تقديم "لالة العروسة" بعد أربع سنوات من النجاح    شهر رمضان.. وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم حصيلة حملة المساعدة الإنسانية في القدس    إسبانيا تعلن عن ملف مشترك مع المغرب والبرتغال لتنظيم بطولة عالمية جديدة    السعيدية.. تسليط الضوء على الندوة الدولية حول تطوير الريكبي الإفريقي    ارتفاع حصيلة زلزال بورما إلى 144 قتيلا    وزير التربية الوطنية يكشف تفاصيل الإصلاح التربوي أمام مجلس الحكومة    العجز التجاري للمغرب يقفز إلى 50.7 مليار درهم عند متم فبراير    فرنسا تمنح مهنيي النقل امتياز التأشيرات بدون مواعيد: توقيع اتفاقية شراكة بين القنصلية العامة وAMTRI    نهضة بركان يبلغ ثمن نهائي كأس العرش بفوزه على اتحاد طنجة    مقترح قانوني.. حظر ممارسة الأنشطة التجارية للمسؤولين في فترة مهامهم    مارين لوبان تنتقد إدانة بوعلام صنصال: وصمة عار لا تُمحى على النظام الجزائري    وزارة الداخلية.. إغلاق 531 محلا ومصادرة 239 طنا من المنتجات غير القانونية    العرض ماقبل الأول لفيلم «مايفراند» للمخرج رؤوف الصباحي بسينما ميغاراما    رامز جلال في رمضان والكاميرا الخفية المغربية .. مقلب في الضيوف أم في المشاهد؟    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    مطالب بعقد اجتماع عاجل بمجلس النواب لمناقشة تفاقم البطالة    الزرع المباشر في المغرب توسع متسارع نحو مليون هكتار بحلول 2030    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    السناتور الأمريكي ساندرز يسعى للتصويت في مجلس الشيوخ على قرارات تمنع بيع أسلحة لإسرائيل    وزيرا دفاع سوريا ولبنان يوقعان في جدة اتفاقا لترسيم الحدود بوساطة سعودية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    دوري أبطال إفريقيا: تحكيم ليبي لمباراة الإياب بين الجيش الملكي وبيراميدز المصري    دونالد ترامب يستضيف حفل إفطار بالبيت الأبيض    الصين: انخفاض الأرباح الصناعية ب0,3 بالمائة خلال الشهرين الأولين من 2025    "مناجم" التابعة للهولدينغ الملكي تحقق رقم معاملات ناهز 4 مليارات درهم وتعلن عن اكتساف 600 طن من احتياطي الفضة    تيك توك تطلق منصة تسوق تفاعلية في أوروبا    مصطفى أزرياح من تطوان يتوج بجائزة محمد السادس ل"أهل الحديث"    عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض يعد بالكثير    هل ينتقل نايف أكرد لماشستير يونايتد … بسبب إعجاب المدرب … ؟    أيها المغاربة .. حذار من الوقوع في الفخ الجزائري    الأردن وزواج بغير مأذون    باحثون يكتشفون رابطا بين السكري واضطرابات المزاج ومرض ألزهايمر    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    عادل أبا تراب ل"رسالة 24″: هذا هو سبب نجاح "الجرح القديم" ومقبل على تقمص جميع الشخصيات    حب الحاجب الذي لا يموت..!    أوراق من برلين: فيلم "طفل الأم".. رحلة تتأرجح بين الأمومة والشكوك    فن يُحاكي أزمة المياه.. معرض فني بمراكش يكشف مخاطر ندرة الماء والتغيرات المناخية    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتنة عيوش
نشر في بوابة إقليم ميدلت يوم 01 - 01 - 2014


1/2 فتنة عيوش
خدمة القضايا الوطنية المتفق عليها، والتأسيس عمليا من أجل ترسيخ قيمها والدفاع عنها، بعد مرحلة تشييد بنود الدستور الجديد لا يمكن بتاتا أن تتحقق في اعتقادنا بمحاربة ثوابتها، أو الشك في مقتضياتها الكبرى أو الصغرى، كما لا يحق لأي عاقل أن يستخف بها، أو يعمل على تشويهها، أو تحويلها إلى مجرد لعبة بين يديه، يلهو بها متى شاء وكيفما شاء دون مراعاة الإرادة العامة للشعب؛ التي تأتي على رأس مقدمة الإصلاح وآليات التغيير المنشودة واقعيا، فهي لا تقبل تأسيس أي خطوة غير مبنية على النظر في عواقبها، بل تدعو إلى مراعاة أبعادها المتعددة، وقبل ذلك معرفة ما مدى مشروعيتها وصلاحيتها، حتى لا تنقلب اتجاهاتها مهما بلغت من القوة والمساندة إلى فتنة لا تهدأ، فتجعل الكل تحت تأثيرها في حالة يقظة ووعي، وحينئذ تعلو أصوات وطنية من جهات غير محدودة من هنا وهناك، تستنكر بقوة ما لم يتم الاتفاق عليه في الماضي أو الحاضر من أجل بناء المستقبل، وما لم يكن يخطر على بال المواطنين. و عليه ستبقى ممارسة الخلاف أو الاختلاف بدعوى التباين في المقاصد والتوجهات والأيديولوجيات... أمرا تافها في نظرنا سيما إذا كان محلها مرتبطا بالمسألة اللغوية في بلدنا، وهذا ما توخينا بيانه هاهنا، بعد إثارة هذه المسألة إعلاميا. نور الدين عيوش - الفاعل الجمعوي، المعروف في مجال التواصل والإشهار بالمغرب – اختار أن يحمل معوله، لهدم قوى اللغة العربية، الراسخة الجذور منذ آلاف السنين، و تمزيق أحشائها القوية بعد محاولته كسر عمودها الفقري الصلب، وهتك أصولها الأصيلة، التي شهد التاريخ بصلاحيتها، بمعية طاقمه الجامع للفاعلين السياسيين والخبراء والمهتمين بميدان التعليم؛ لتقوية شوكته في ندوة دولية من تأطير مؤسسة زاكورة، هدفها كما تبين للمتتبعين استبدال اللغة العربية باللغة العامية أو الدّارجة المغربية - أو كما اعتاد البعض على تسميتها - الزنقاوية – ،لتكون لغة طلب العلم وتدريسه. وهذا ما قوى عزمي صراحة على الإحاطة بهذه المسألة المثيرة للانتباه، وكأننا في بلد لا يتوفر على دستور يستند إلى بنوده، قبل الكشف عن أي قضية ودراستها، أو عرضها إعلاميا للعالم بأسره. دعوة عيوش هاته كما ذكرنا أعلاه منبثقة أساسا من توصيات ندوته، وهذا ما دفع الكثير من المتتبعين إلى إصدار ردودهم- سيما الطبقة المثقفة المغربية-؛ تجاه هذه الدعوة الخطيرة، رغم أن معظم رموزها في بلادنا يختارون في الغالب سبيل السكون والسكوت كما هو معتاد، والابتعاد عن إبداء آرائهم، تجاه العديد من القضايا، سواء كانت مغربية أو غيرها. لكن ظهور المثقف المغربي عبد الله العروي – المعروف بصاحب المفاهيم الفكرية- في مناظرته مع عيوش؛ التي بثتها القناة الثانية المغربية بشكل مباشر، دفع الكثير من الغيورين على اللغة العربية إلى الاطمئنان، إزاء هذه المسألة، لأن العروي لا يمكن أن يتساهل مع منكرات عيوش وأتباعه، بحكم إحاطته بأسرار الأزمة الفائقة، التي تهدد منظومة التعليم المغربي في الماضي والحاضر من ناحية، وامتلاكه سبل ومداخل إصلاحها، لمحاربة أسس الفساد التي تعاني منها، لكي تصل إلى رتبة مشرفة ليس على الصعيد الإفريقي فحسب، بل على الصعيد العالمي من ناحية أخرى. دعوة عيوش إلى اتخاذ اللغة الدارجة لغة علم دليل على جرأته، وقدرته على إشعال فتيل الفتنة، كما حاول الاستعمار الغربي - الفرنسي والإنجليزي...- تشجيع اللهجات العامية واللغة الأمازيغية، تمهيدا لإحلالها محل اللغة العربية الفصحى إبان الحماية كما سنرى ذلك . ف"لويس ماسينيون"- المستشرق الفرنسي والموظف في قسم الشؤون الشرقية في وزارة الخارجية الفرنسية- مثلا حاول أن يبث دعوته للقضاء على اللغة العربية، عن طريق تلامذته وعملاء الاستعمار الفرنسي يومئذ في المغرب والجزائر وتونس ومصر وسورية ولبنان. لكن محاولاته هاته، كما أكدت المصادر التاريخية باءت بالفشل الذر يع، لأنها باطلة وغير مقبولة، بحكم تشبعها بالتوجه العدائي لثقافة الأمة الإسلامية، ولغتها التي تعد وعاء لها. دعوة عيوش - كما تبين من خلال استقرائنا لبعض فصول تاريخها- ليست وليدة اليوم، فمنذ أكثر من ثلاثة قرون من الزمان، وضع الاستعمار الغربي تخطيطا علميا واسعا للقضاء على الدين والتراث الفقهي والأدبي والحضاري للدول الإسلامية المستعمرة؛ ولم يترك اللغة التي نقلت ذلك التاريخ إلينا، وذلك بمحاولة تشويه اللغة العربية الفصحى، وشن الغارات الظالمة عليها، وإحلال اللهجات العامية محلها وتحويل كتابتها من الحروف المنسجمة مع روحها الملائمة لفلسفة التعبير فيها، إلى الكتابة اللاتينية؛ التي تتصادم مع طبيعة ألفاظها، وبالتالي قطع الصلة بينها وبين المجتمع. هذه هي النتيجة العوجاء والجريمة النكراء، التي يسعى عيوش وغيره- سابقا وحاضرا- إلى تحقيقها، بعد التمكن من اختلال ضوابط اللغة العربية، وتحطيم قواعدها، وبالتالي كما يرى محسن عبد الحميد (مفكر عراقي)"انتشار الهراء بدل التعقل والفوضى، بدل النظام والسفسطة، بدل المنطق الحق. ثم إذا تحقق هدف قطع الحاضر عن الماضي، انقطع الحاضر، فتشتت الأمة الواحدة... وظهرت فيها أمم كثيرة ذات لغات جديدة..." دعوة عيوش في تقديرنا، لا تستحق أن تمارس بدعوى ممارسة الاختلاف المشروع، الذي ندعو إليه كلما أثيرت قضية من قضايا الإصلاح، لأنها تسعى إلى القضاء على اللغة العربية؛ التي تعد من أهم أسس قيام المجتمع المغربي، علاوة على اللغة الأمازيغية واللهجات بشتى أنواعها، التي تحمل في طياتها ثقافته؛ التي تحدد هويته المغلقة والمنفتحة في آن واحد. فدعوة عيوش إذن دعوة معاصرة منتظمة لاتخاذ الدّارجة لغة علم، بعدما نبتت في أحضان الاستعمار، وهذا ما حاولنا توضيحه فيما سيأتي بإيجاز، حتى لا تغيب عنا بعض تفاصيل هذه المسألة، لمعرفة أوجه الاتفاق وأوجه الاختلاف بين الدعوتين . الدول الأوروبية عملت على تدريس اللهجات العامية العربية لبعض أبنائها، ممن كانت تعدهم للقيام بمهمات في الدول الإسلامية المستعمرة ، فظهرت على إثر ذلك في القرن الثامن عشر "مدرسة نابولي للدروس الشرقية" و" مدرسة القناصل في فيينا" ومدرسة باريس للغات الشرقية الحية". بينما كثرت في القرنين التاسع عشر والعشرين المدارس والمعاهد، بحيث أصبح في كل جامعة قسم للغات الشرقية، لكن يبقى أول من رسخ معالم هذه الدعوة عمليا، المستشرق الألماني "ولهلم سبيتا"، الذي كان يشتغل في دار الكتب المصرية عام 1880م، فقد عاش مدة من الزمن في مصر، وتعلم اللهجة المصرية العامية، فدفعته الدوائر الاستعمارية إلى تأليف كتاب سماه "قواعد اللغة العامية في مصر"، ضمنه الهجوم على العربية الفصحى. وقد تساءل فيه قائلا كيف يمكن في فترة التعليم الابتدائي القصير أن يحصل المرء حتى على نصف معرفة بلغة صعبة كاللغة العربية الفصحى؟. وجدد هذه الدعوة كاتب ألماني آخر اسمه "كولرس" في سنة 1890م؛ حيث ألف كتاب "اللهجة العامية الحديثة في مصر". لما سيطر المهندس الانجليزي "وليم ولكوكس" على مجلة الأزهر نشر مقالة فيها عام 1892م، بعنوان"لم لم توجد قوة الاختراع لدى المصريين؟ زعم فيها أن الذي أعاق المصريين عن الاختراع هو كتابتهم بالفصحى، ودعا إلى التأليف بالعامية، وقد ازداد عدد الكتب والمجلات المدونة بالعامية ازديادا كبيرا، بلغ أقصاه في الثلت الأول من القرن العشرين،أي وقت احتدام المعركة بين الفصحى والعامية. أجل، لقد تصدى علماء اللغة العربية لهذه الدعوة، ودحضوا تصورات أعداء اللغة العربية الفصحى. وقد تبنى هذه الدعوة الهدامة للأسف الشديد بعد فشل الفكر الاستشراقي في القضاء على اللغة العربية الفصحى مجموعة من أبناء الدول الإسلامية المستعمرة، كأحمد لطفي السيد – الذي سماه ولكوكس "مؤسس الوطنية المصرية" من خلال كتابه "اليوم والغد"-، وقد خلف سلامة موسى تلميذه – داعية المصرية الفرعونية - "لويس عوض"، الذي جدد الدعوة إلى الكتابة باللغة العامية، لا بل تجرأ فدعا إلى ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة العربية المصرية!. إضافة إلى هؤلاء فقد تبنى هذه الفكرة محمود تيمور، وعبد العزيز فهمي، و الخوري مارون غصن، وسعيد عقل، وأنيس فريحة... تدعونا هذه الحقائق كلها إلى القول إن عيوش سلك مسلك المستعمر وعملائه، ورغم كونه لم يؤلف كتابا أو مقالة لنشر دعوته للقضاء على اللغة العربية كما فعل الاستعمار الغربي وأتباعه، فقد اختار أن تكون قوة أفكاره الهدامة متسلحة بالتوصيات والإعلام بشتى وسائله، لكن تأتي الرياح يا عيوش بما لا تشتهي أفكارك، لذلك ستبقى دعوتك مجرد صرخة في واد، لا أساس لها من المعقولية، بعدما أخمد العروي نيرانها ولهيبها ببرودة، في برنامج واحد ذو دقائق وثواني محدودة، مما نال رضا المغاربة الغيورين على اللغة العربية الفصحى واللغة الأمازيغية، التي تحتاج بدورها إلى إرساء معالمها الحقيقية عمليا داخل المنظومة التربوية والتعليمية مادام الدستور المغربي يقر بها .......
/22 فتنة عيوش
بعد تأمل وتفكر في دعوة عيوش وأتباعه، يمكن تقسيم الفئات المنادية بإحلال اللهجات بصفة عامة مكان اللغة العربية إلى ما يلي: - فئة فقدت ثقتها بنفسها وأمتها، فاغتربت في تفكيرها وسلوكها، وراحت تتلقف ما يقوله الفكر الغربي، وتسعى إلى تطبيقه في بلادها على علاته دون تمحيص. - فئة جاهلة، عجزت عن استخدام الفصحى، فراحت تدعي صعوبتها، وترى العيب في اللغة لا في نفسها. - فئة حاقدة على الإسلام، ترى في القضاء على اللغة الفصحى خطوة نحو تجهيل المسلمين بدينهم، لأن من يجهل اللغة العربية الفصحى يعجز عن قراءة القرآن، وفهم أحكامه وقضاياه. فإلى أي فئة ينتمي عيوش المغربي ؟. من الصعب الإجابة عن هذا الأمر، لأن رؤية عيوش يمكن أن تكون خارج إطار الفئات المحددة، ما لم يحدد موقعه بنفسه، وعليه سيبقى حكمنا نسبيا وليس مطلقا في حالة تصنيفنا إياه في أي فئة من الفئات الواردة أعلاه. الظاهر أن عيوش،- الذي يمثل جزء لا يتجزء من النخبة المغربية - اختار القضاء على اللغة العربية، لأن الاستغناء عنها في نظره أمر سهل ومقبول؛ في حين أن المجتمع المغربي عموما يرفض ذلك، وهذا ما يقودنا إلى تصنيفه ضمن جميع الفئات، فقد أخذ من كل فئة نصيبه، ولم يقتصر على واحدة منها. أما الجهة المحركة لدعوة عيوش، فهي شديدة الارتباط بمراكز القرار والقصر، مادامت توصياتها ستقدم للمؤسسة الملكية رغم تفنيده لهذا الأمر . لا ننكر أهمية النخبة المغربية، ومنزلتها في تحقيق الإصلاح والنهضة في شتى المجالات، لكن ظهور أسماء مثل عيوش وأتباعه بهذا الشكل الغريب يدفعنا إلى الدعوة للقضاء على هذه النخبة الشاذة، التي لا يقاس عليها؛ لأنها لا تغني ولا تسمن من جوع. والحق أنها تنتمي إلى الدولة العميقة،- أو "المخزن" كما يحلو للبعض- التي ستبقى ذهنيتها في الغالب بعيدة عن توجهات وإرادة الشعب الصرفة. مادام الحال كذلك، سيبقى كلام عيوش في نظرنا مجرد لعبة حديثة، قدمها للمغاربة للانشغال بها، وملء أوقاتهم بها، ناسيا المشاكل الحقيقية، التي تعاني منها منظومة التعليم المغربي . لنفترض مثلا تماشيا مع مخطط عيوش المضلل أنه وصل إلى مرحلة اختيار الدّارِجَة. فأي دَارٍجَة سيختار لتعميمها، سيما إذا كانت كل دَرٍجَة تنقسم إلى عدة فروع؟ وعلى أي أساس سيبني هذا الاختيار؟ وهل يمكن للدرجة أن تحقق عملية التواصل أكثر من اللغة العربية ؟. عامة الناس يفهمون اللغة العربية الفصحى أكثر من فهمهم للدّاّرٍجَات السائدة في الأقاليم المغربية الأخرى، فالفهم يتحقق مثلا أثناء الاستماع إلى القرآن الكريم، و الخطب كيفما كانت أهدافها باللغة العربية، بينما تفوتهم كثير من الكلمات والمعاني، وأشياء أخرى لا يمكن الإحاطة بها عمليا عند الاستماع إلى متحدث بداَرِجَة أخرى من صنف آخر. بعد هذا كله نقول بإيجاز، إن توصيات عيوش لن تعيش أبدا، فمصيرها الفناء، بينما ستبقى اللغة العربية- الميسورة وليست المتقعرة- سائدة في كل أرجاء بلادنا وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، رغم أن القصور عند العامة يظهر عندما يحاولون التحدث باللغة العربية الفصحى، وهذا أمر يمكن التغلب عليه بالتعليم والمراس كما أكد عبد الله علي مصطفى (مركز بحوث العلوم الإسلامية) . بقي علينا أن نؤكد أن أزمتنا هنا حقيقة ليست أزمة لغة – كما يدعي عيوش- سواء كانت عربية أو أمازيغية أو فرنسية...، إذ يمكن التغلب على هذا الأمر، بإعادة النظر في نظامنا التعليمي؛ من حيث منطلقاته وأسسه وأهدافه ومخططاته؛ ومن حيث الجانب البيداغوجي، و تحفيز الأساتذة بشتى الوسائل، والاهتمام بالتلميذ لصقل مواهبه داخل المؤسسات التعليمية لإنقاذه من "عالم المخدرات و التيه بشتى أصنافه: الاجتماعي ، الثقافي ، النفسي..."؛ الذي يفسد عقله و مستقبله... قبل لغته. يسمح لنا ما تم توضيحه فيما سبق بالقول إن دعوة عيوش غير مقبولة – في تقديرنا- من زاويتين : أولاهما: كونها تمثل الاتجاه الفرنكفوني، الذي يحاول خلق صراع أيديولوجي عدائي خالص، وهذا ليس في مصلحتنا جميعا، مادام الدستور المغربي الجديد يقر بالثوابت اللغوية والدينية...، فلا يمكن في ظل القانون أن يتجاوز عيوش وأنصاره إرادة الشعب الموثقة في الدستور، وإلا فما الفائدة من التصويت على بنود هذا الدستور وكثرت الحديث عنها ؟ أم أن العقل المؤسسي لعيوش نسي أن الازدواجية اللغوية أمر طبيعي في كل لغات العالم، وأن المغاربة وغيرهم يعرفون كيف يوظفون اللغة العربية الفصحى والعامية. لذلك فمن الخطأ الاعتقاد بأن إصلاح معالم منظومتنا التعليمية، تستدعي كسر أجنحة اللغة العربية، وإحلال العامية مكانها، بدعوى أن اللغة العربية هي لغة معقدة، من حيث قواعدها؛ وهذه مغالطة علمية تناولتها العديد من أقلام الدارسين في الماضي والحاضر . لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن العالم الغربي عموما ( أفراد، مؤسسات...) يخاطب العالم الإسلامي بلغته السائدة والأكثر انتشارا، وهي اللغة العربية الفصحى، لكي يحقق غاياته، وقد استخدمها سابقا للترويج لدعوته إلى استخدام العامية. كما أننا نجد أن وسائل الإعلام الغربية بشتى أنواعها، توجه خطاباتها كلها باللغة العربية الفصحى للعالم الإسلامي، وهذا ما يؤكد أهميتها من ناحية، ودواعي تشبت المجتمعات عامة بها من ناحية أخرى. ثانيهما: كونها بعيدة كل البعد عن التخطيط الحقيقي لإصلاح النظام التعليمي، الذي يراعي خصوصيات المجتمع المغربي تاريخيا، وعلاقته باللغة العربية وواقعها الحالي، وكيفية النهوض بها، أملا في تحقيق الرقي التعليمي و الثقافي و الاقتصادي والسياسي... غير أن رؤية عيوش كما رأينا تعبر عن العبثية بمعنى الكلمة. ولتجاوز مثل هذه الدعوات المضللة لا بد في اعتقادنا من فتح حوار وطني لإصلاح النظام التعليمي، يشارك فيه كل الفاعلين من مختلف الاتجاهات المهتمة والمؤسسات المعنية بالأمر لتفعيل كل التوصيات الحقيقة؛ التي تعبر عن إرادة الشعب، وهذا يقتضي قبل الاشتغال بهذا الأمر تحقيق ما يسمى بإرادة الإصلاح الوطنية، التي تسعى إلى خلق الإستراتيجية العامة للنظام التعليمي المغربي عموما . بمقاييس العقل، يتضح أن رؤية عيوش تسعى إلى تعميق الأزمة التربوية و التعليمية؛ التي تهدد واقعنا و مستقبلنا، وخلق سبل لإلحاق الضرر بمنظومتنا التعليمية و التربوية ، بعدما تبين لنا أن كلامه ثرثرة لا أساس لها من الصحة المطلوبة، ولا تخدم اللغة العربية الفصحى ولا العامية، لذا لا يعقل الاستناد إليها في عملية الإصلاح والبناء الحقيقيين، بناء على قول الشاعر فمتى يستقيم الظل والعود أعوج؟، لذلك يجب أخذ الاحتياط منها، لأنها فتنة بارزة، لا تحتاج صراحة إلى تشريح محتوياتها التافهة أو الانشغال بها مادامت مؤسسة على الفساد، أو المشي في الاتجاه الذي تصبو إليها، بقدر ما يتطلب الأمر رفضها أولا لأنها تمثل رأي الأقلية في مقابل الأغلبية، ومواجهتها بشتى الآليات المشروعة، بعد ردم كل التوصيات المتعلقة بمؤسسة عيوش في ميدان التعليم، والتدخل السريع من الجهات المسؤولة بشكل ديمقراطي وفوري؛ لطي هذه الصفحة الجديدة التي تتصدر قائمة الفتن، التي سيسجلها التاريخ المغربي المعاصر، والتي اخترت أن أسميها فتنة عيوش .
د. عزيز بعزي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.