لازال حادث انهيار صومعة مسجد "باب البرادعيين" بالمدينة العتيقة بمكناس، و الذي بلغت حصيلته الأولية 41 شهيدا ( نسأل الله تعالى أن يسكنهم فسيح جناته ) و 80 جريحا، وهو عدد مرشح للزيادة نظرا لبعض الحالات الخطيرة، يلقي بظلاله على الساكنة المكناسية و على عموم الشعب المغربي . و شخصيا ما إن وصل الخبر إلى مسمعي حتى حضرني المثل المغربي القائل : طاحت الصمعة علقوا الحجام . وللإشارة فهو مثل عميق الدلالة ، قصته باختصار شديد أن أحد الأمراء كان يحلق وجهه عند حلاق مقابل للمسجد ، فتجرأ الحلاق يوما على خطبة ابنة الأمير، بعد أن ظن المغفل المسكين أن العلاقة بينه و بين الأمير قد توطدت ، فلم يجبه الأمير وقتئذ خوفا من السكين المارة على وجهه ، وصادف أن وقعت صومعة المسجد في اليوم الموالي لطلب الحلاق ، فما كان من الأمير إلا أن اتهم الحلاق بكونه السبب المباشر في سقوط الصومعة بسبب النظرات التي يلقيها عليها طوال اليوم من باب دكانه . هذا المثل الشعبي الذي يبين منهج الأنظمة المستبدة في تصفية الخصوم ، أو من يتجرأون على انتقادها أو وضع أنفسهم كمنافس لها ، و لو بتهم يعلم الخاص و العام بطلانها ، فما علاقة الحجام بسقوط الصمعة. إن ما وقع لصومعة مسجد باب البرادعيين بمكناس يدعونا إلى التساؤل عمن يتحمل مسؤولية سقوط الصومعة التي يبلغ عمرها حوالي أربعة قرون و من يتحمل مسؤولية هلاك أكثر من 40 مصل . هل هي وزارة الأوقاف التي لا يهمها من تدبير الشأن الديني سوى تدجين الخطباء و الرقابة على كل نفس يخرج من أفواههم حتى بتنا نسمع يوم الجمعة دروسا في التاريخ و الجغرافيا و الطب و حوادث السير بدل الاستماع إلى مواعظ تذكر بالله و اليوم الآخر . هل هي المجالس المنتخبة و أعضاؤها الذين يغرقون المواطن المقهور وعودا و أماني حتى إذا استتب لهم الأمر طردوه من أبواب مكاتبهم و حولوا ممتلكات الشعب إلى خدمة أبنائهم و زوجاتهم و أقاربهم و حيواناتهم . إن ما وقع بمكناس يوم الجمعة يستدعي الوقوف بجدية على الأمر ، ومحاسبة كل المسؤولين المباشرين على هذا الحادث المأساوي الذي أزهق أرواح مواطنين أبرياء كل ذنبهم أنهم وثقوا بشعارات نبأتهم أن مساجدهم ملاذا آمنا . و بالمقابل نرجو ألا يعلق الحجام بدل الحلاقين الذين صعدوا فوق رؤوس عباد الله و حلقوا أحلامهم في الحياة الطيبة الهانئة حتى داخل بيوت الله .