لا أخفي كمواطن مغربي وصحراوي في آن واحد إحساسي بجرح عميق عندما شاهدت مجموعة من شباب العيون يخربون الممتلكات العامة ويتصرفون بمنطق لا معنى له في أدبيات الاجتماع الإنساني ، وهو نفس الإحساس العميق الذي تألمت له كثيرا عندما شاهدت قوات الأمن المغربية تقتحم بيوت ساكنة سيدي إفني قبل عامين .. الفوضى والتخريب وانتهاك حرمة الإنسان خط أحمر لا ينبغي لأي كان تجاوزه ، سلطة مغربية كانت أو محتجين ، كنا نستبشر خيرا عندما سمعنا أن السلطات المغربية تحاور محتجي العيون ، وصفقنا لذلك رغم علمنا أن هناك من ساكنة المغرب من هم بحاجة إلى أن تنصت لهم السلطة وتستجيب لحاجياتهم ، ولكن درءا للفتنة وسفك الدماء قررنا أن نتعاطف تعاطفا مطلقا مع محتجي العيون . الكثير من اللوبيات التي تسترزق بملف الصحراء في غاية الفرح والسرور هذه الأيام لأنها وجدت الفرصة لحشد المزيد من الأنصار ، سواء من أعيان المغرب الفاسدين ، أو قيادة البوليساريو التي تريد حكم الصحراء على جثث الصحراويين ، ويبقى أهلنا في العيون وتندوف وغيرها من الأقاليم الصحراوية هم من يدفع ثمن هذا الصراع الذي فاق كل حدود الممارسة السياسية النظيفة .. ولكي يثبت المغرب أنه الأحق بحكم الصحراء عليه الإنصات لمطالب الساكنة وتطهير إدارات الإقليم من الفاسدين والعملاء .. وعلى البوليساريو إن كانت تعمل لصالح الصحراويين ، عليها أن ترفع الحظر على مخيمات تندوف كي يعرف العالم ما يحدث داخلها ، وأن تطلق سراح رجل عبر عن مساندته للطرح المغربي . من حق انفصاليي الداخل أن يعبروا عن رأيهم ، تلك قناعتهم ولا ينبغي لأي كان أن يفكر مكانهم ، ولكن ليس من حقهم أن يخربوا الإدارات وأن يستعملوا السلاح في الشارع العام ، ليس من حقهم أن يذبحوا رجل أمن وهم يعرفون أنه مجرد مواطن مغربي إن لم ينفذ ما طلب منه فإنه سيسرح مباشرة من الخدمة العسكرية . واللوم هنا لا ينبغي أن يوجه لرجال الأمن ، ولكن يجب أن يوجه ضد القانون الذي يطبق على الأمنيين بمجرد رفضهم مهاجمة السكان المدنيين .. الذين يدعون أنهم شعب محتل وضعيف ما ينبغي لهم ذبح رجل ضعيف في ساحة المعركة ، والشجاع لا يطعن من الخلف ، وهم يعلمون تمام العلم أنه لو كانت نية المغرب ارتكاب مجزرة لما كانت لهم القدرة على الخروج من بيوتهم . نعم ، المغرب أخطأ كثيرا في حق الصحراويين في مناسبات سابقة ، تم ترويعهم وتعذيبهم وسجنهم واختطفاهم ، وهو واقع أنكرناه على السلطة في المغرب ، ولن نحيد قيد أنملة في انتقادها متى أخطأت في تجاوز القوانين والشرائع السماوية والأرضية .. نعم ، في المغرب لا توجد عدالة اجتماعية ، لا توجد ديمقراطية ، لا يوجد تداول على السلطة .. ولكن نظام الدولة مكسب لكل المغاربة والصحراويين ، أحري بنا تطوير نظام الدولة من أجل تقدم هذا البلد وبناءه بطرق سلمية ، أم العودة إلى قانون الغاب حيث لا حياة إلا للأقوى ولا شريعة إلا شريعة الغاب .. ولنا في الصومال والعراق واليمن وبعض المناطق الجزائرية خير مثال ، حينما تفشل الدولة يصبح الموت والخراب حديث الناس . ليتصور الصحراويون الانفصاليون أن المغرب منحهم الاستقلال ، والمغرب يعلم تمام العلم أن ذلك الاستقلال يعني وضع الصحراء بيد الجزائر وإسبانيا ، هل سيترك المغرب المنطقة لمنافسيه الاستراتيجيين يقتاتون من ثرواتها على هواهم ؟ وهل يضمن الصحراويون عيش رغيدا في دويلة الوصاية الإقليمية ؟ .. سيكون مستقبل الإقليم طبعا على حافة نار سيرقص من خلالها المنتصر على جثث الصحراويين البسطاء ، المغرب والجزائر سيحاربان بعضهما وجها لوجه ، والمخابرات الأجنبية ستدبر انفجارا هنا وانفجارا هناك من أجل وضع اليد على منابع الثروة في المنطقة ، وعبد العزيز المراكشي سيموت منتحرا حينما يصيبه اليأس من المجد المفقود ، وعلى الصحراويين حينها أن يطلبوا أيام المخزن بسيئاته وحسناته . سهل أن يتبنى الإنسان فكرة ثورية ، وأن يناضل من أجل إزالة الإقطاع ، كما علمونا في الكراسات المدرسية ، ولو عرف أهلنا في الصحراء حقيقة كاتب هذه السطور والظلم الذي لحقه من قبل المخزن وتعليم المخزن وهو ابن الهامش ولا يزال ، لحمل سيفه معكم وهو يطالب بحقه في الوظيفة ، وهو مستحقها بشهاداته وكفاءته .. ولكن شتان بين المطالب الشخصية وسكينة الوطن ، شتان بين مواجهة الظلم حرا أو الاستعانة بالظلم وممارسة ظلم أكبر منه .. نعم ، الدولة المغربية غير عادلة ، فلنناضل من أجل العدالة .. الدولة المغربية غير ديمقراطية ، فلنناضل من أجل الديمقراطية .. إلا أن هذه المبادئ لا تكتسب بحمل السيوف وحرب العصابات ، ولكنها تأطير وتكوين وتعبئة وعلم وتجربة وعمل . وفي الأخير ما علينا سوى تقديم خالص العزاء لأهلنا في العيون والذين فقدوا عزيزا من أعزائهم ، وللعائلات المغربية التي فقدت معيلي أبناءها من الأمنيين .. وحزننا عظيم على كل من مات وكل من جرح في الأحداث ، كلهم أهلنا وأبناء بلدنا ، ظالمون كانوا أو مظلومون .. وعلى الجميع الاتعاظ من تجربة الأحداث ، سواء السلطات المغربية بعدم اتخاذ قرارات متسرعة أو فرض لغة القوة والقبضة الأمنية ، أو الصحراويين بعدم الانجرار وراء الشائعات وتجار الحروب .. كل ذلك من أجل سكينة الأطفال والنساء والشيوخ ، ومن أجل بناء الوطن بأقل الخسائر. [email protected]