غيبت المنية ليلة السبت، فاتح ديسمبر بمدينة الرباط، الفنان المسرحي والزجال المغربي الشهير، أحمد الطيب العلج، عن عمر ناهز الرابعة والثمانين عاما. وحسب عائلة الفقيد فإنه سيوارى الثرى في مدينة فاس التي رأى بها النور في سبتمبر عام 1928. وبوفاته يفقد المغرب الفني والثقافي، أحد أبرز وأكبر العصاميين الذين بصموا الحياة الفنية بميسمهم الخاص، فقد عرف الفقيد بتعدد مواهبه إذ كتب المسرحيات إبداعا واقتباسا وكذا المسلسلات التمثيلية الإذاعية التي شارك في أداء الكثير منها ويعد أحد مجددي ومطوري القصيدة الزجلية في المغرب فقد غنى له عدد من المطربين القصائد والمقطوعات التي كتبها الراحل خلال مساره الفني الحافل، مثلما كان له نشاط في مجال السينما ممثلا ومشاركا في كتابة سيناريو بعض الأفلام " فضلا عن أنه أخرج بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين أغلب مسرحياته التي قدم بعضا منها خارج المغرب في تظاهرات مسرحية. ولم يقتصر نبوغ "العلج" على ميدان الكتابة، بل برع أيضا في المهنة التي اختارها وهو فتى يافع في مدينة فاس عاصمة العلم والصنائع، إذ نال عن جدارة واستحقاق لقب "معلم" في حرفة النجارة وهو ابن 18 ربيعا، وبدل أن يفتح محلا لتقطيع الخشب وتحويله إلى أدوات منزلية ونوافذ وأبواب ومشربيات، فإن مخالطته واقترابه من أوساط "المعلمين" من أصحاب الحرف، قاده إلى فن أرقى هو الغناء والزجل في مدينة عرفت عبر تاريخها بالموسيقى الأندلسية وفن الملحون. رنا "العلج" ببصره نحو فن التمثيل الذي حمله الفرنسيون معهم إلى المغرب ، فأغراه وعشقه وقرر أن يشق طريقه في هذا المجال بل يمكن اعتباره أحد مؤسسي المسرح الحديث في المغرب ، حيث قام بمغربة عدد من النصوص الفرنسية من قبيل مسرحيات "موليير" التي وجد فيها مادة خامة فنية استوعبت الأجواء الشعبية المغربية بما فيها من فكاهة وسخرية وغير"العلج" أسماء الشخصيات المولييرية إلى نماذج شعبية من المجتمع المغربي، استعملها كأقنعة فنية للتعبير عن أرائه في الحياة والناس، دون ضوضاء فكرية أو ادعاء. كانت السخرية والفكاهة الراقية المرموزة طريقه إلى عقول وقلوب متذوقي فنه، ساعده على ذلك قاموسه اللغوي المعتمد على عامية بسيطة قريبة من الفصحى تتواصل معها سائر مناطق المغرب ما حقق له ذيوعا وانتشارا. وفي مجال الزجل يعتبر "العلج" أحد مطوري الأغنية العصرية ،عبر فيها عن ما يمكن تسميته التطور والتحول العاطفي والوجداني للمغاربة بدءا من أواخر عقد الخمسينيات حينما بدأ التغني بالحب وبالمرأة ، مستعينا بتراث الملحون ومستفيدا من مدرسة الزجل المصري من خلال أعلامها الكبار: بيرم التونسي وأحمد رامي وحسين السيد وغيرهم . كان المرحوم "العلج" فنانا بكل ما تحمله الكلمة من معاني الدماثة وخفة الظل وحضور البديهة ولطف المعشر في الجلسات والأمسيات ورغم أنه لم يكن ذا صوت قوي فإنه غنى لأصدقائه في مناسبات خاصة عازفا على آلة العود بل إنه لحن أغنية "عوجوك علي" التي أداها المطرب عبد الهادي بلخياط.