قرر الجيش الليبي طرد نحو ألف جندي وضابط قاتلوا في صفوف قوات العقيد الراحل معمر القذافي والاستغناء بشكل كامل عن خدماتهم، فيما طالب المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا حكومة رئيس الوزراء الانتقالي علي زيدان بالإسراع في تنفيذ قرارات المؤتمر بإخلاء العاصمة طرابلس من المظاهر المسلحة غير الشرعية ودمج الثوار والتشكيلات في المؤسسات العسكرية والأمنية في مدة زمنية لا تتجاوز نهاية العام الحالي. وأصدرت هيئة النزاهة وإصلاح الجيش الليبي قررا أمس يقضي بعدم انطباق معايير النزاهة على 915 ضابط صف وجنديا قالت إنهم «شاركوا مع الطاغية (القذافي) في محاولة قمع ثورة السابع عشر من فبراير (شباط) عام 2011»، التي دعمها حلف شمال الأطلنطي (الناتو). وقالت الهيئة إن قرارها استند إلى منح هؤلاء العسكريين المصابين إبّان مرحلة الثورة نوط جرحى الحرب من قبل ما كان يسمى «اللجنة العامة المؤقتة للدفاع»، وأوصت بالاستغناء عن خدماتهم بالجيش الليبي. من جهته، صوت المؤتمر الوطني، الذي يعتبر أعلى هيئة سياسية في ليبيا، خلال جلسة عقدها أمس بأغلبية 85 صوتا لصالح قرار ينص على نقل تبعية «غرفة عمليات ثوار ليبيا» والتشكيلات العسكرية الشرعية كافة لرئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، على أن تخضع النظم والتشريعات كافة النافذة في هذا الخصوص. ودعا المؤتمر في قراره الجهات ذات العلاقة؛ كلا فيما يخصه، لوضع القرار موضع التنفيذ وإلغاء كل حكم يخالفه. وحسم هذا القرار إلى حد ما مصير غرفة علميات ثوار ليبيا التي اتهم زيدان بعض أعضائها بالتورط في عملية اختطافه تحت تهديد السلاح الشهر الماضي من مقر إقامته بأحد فنادق العاصمة طرابلس لمدة سبع ساعات. ولم يصدر على الفور أي رد فعل فوري من الغرفة، التي يبدو أنها قبلت على مضض القرار الجديد بعدما أجبر المؤتمر الوطني رئيسه نورى أبو سهمين على إلغاء التكليف الذي كان قد أصدره في وقت سابق للغرفة نفسها بتولي عملية تأمين وحماية العاصمة. واكتفت الغرفة بتعليق مقتضب بثته صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» قالت فيه تعقيبا على تصويت المؤتمر الوطني: «كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا.. ترمى بحجر فتعطي أطيب الثمر»، كما خاطبت جميع عناصرها في مدن ليبيا بمواصلة دورهم في حفظ الأمن في البلاد. وجاء القرار تاليا لاشتباكات دامية بين ميليشيات مسلحة في قلب المدينة سقط على أثرها العديد من القتلى والجرحى في أحدث مؤشر على صعوبة فرض الأمن والاستقرار في العاصمة بعد أكثر من عامين على الإطاحة بنظام القذافي. وكان تجمع شباب وسكان وأهالي طرابلس الكبرى، قد جدد في بيان أصدره أمس المطالبة بإخلاء المدينة من المظاهر والتشكيلات المسلحة غير الشرعية، مؤكدا على الاستعانة بالوسائل المشروعة كافة، وعلى رأسها الضغط السلمي الشعبي الحضاري، والاعتصام أمام مقار التشكيلات المسلحة غير الشرعية حتى تطبيق قرار المؤتمر الوطني في هذا الصدد. في غضون ذلك، نفت مصادر ليبية ل«الشرق الأوسط» ما تردد عن تعرض عبد الحكيم بلحاج، أحد قادة الجماعات الإسلامية سابقا ورئيس حزب الوطن، لمحاولة اغتيال فاشلة مساء أول من أمس في العاصمة طرابلس، بينما نجا هيثم التاجوري آمر سرية الإسناد الخاصة الأولى من محاولة اغتيال، طبقا لما أعلنه هاشم بشر رئيس اللجنة الأمنية العليا بالمدينة. وأوضح بشر أنه غداة هذه المحاولة جرى استنفار سرايا وكتائب تأجوراء وسرية الإسناد الخاصة الأولى كتيبة ثوار طرابلس وثوار فشلوم والضهرة وزاوية الدهماني وشارع الزاوية، مشيرا إلى أنه جرت تهدئة الجميع عند الاطمئنان على سلامة التاجوري الذي لعب دورا رئيسا في عملية اعتقال العنود ابنة عبد الله السنوسي صهر القذافي ورئيس جهاز المخابرات الليبية الأسبق بحجة حمايتها من عملية خطف لدى إطلاق سراحها بعدما قضت عقوبة السجن لعدة أشهر بتهمة دخول البلاد بأوراق هوية مزورة. من جهة أخرى، وفيما بدا أنها بمثابة رد على مطالبة زيدان أمس من مدينة بنغازي بشرق البلاد للتشكيلات المسلحة بتسليم السلاح، قالت «كتيبة أنصار الشريعة» المتهمة بالتورط في عملية الهجوم على القنصلية الأميركية العام الماضي وقتل أربعة أميركيين من بينهم السفير كريس ستيفنز، أنها تنأى بنفسها عن الصراع السياسي الحاصل في البلاد بين جميع الأحزاب والجهات، «لأنه صراع لا يقوم على تحكيم الشريعة الإسلامية». وأضافت في بيان لها: «لا علاقة لنا بأي مؤسسة حكومية أو غرفة أمنية أيا كانت تبعيتها، كما أنه لا علاقة لنا بأي وزارة من وزارات الدولة»، معتبرة أن «الدخول تحت هذه المؤسسات مشروط بإلغاء القوانين الوضعية المخالفة للشريعة». وكان زيدان اعتبر أن «هناك من يريد إحداث فوضى بالبلاد وألا يجري بناء أركان الدولة لتتاح له الفرصة لحكم ليبيا على هواه وتحولها إلى فوضى وإلى صومال أخرى»، مؤكدا أن الذي حدث في ليبيا لا يمكن أن يُحل في عام أو في ستة أشهر. وقال زيدان خلال مؤتمر صحافي عقده في بنغازي مساء أول من أمس، عقب لقائه مع آمر القوات الخاصة العقيد ونيس بوخمادة وأبرز القيادات الأمنية في المدينة بحضور عدد من أعضاء الحكومة: «عندما يكون القتل موجها للجيش وللشرطة وللقضاء، فهذا يعني: لا نريد شرطة تقوم، ولا نريد جيشا يقوم، ولا نريد قضاء ونيابة». وأكد أن مدينة بنغازي اليوم هي أولوية من أولويات عمل الحكومة لبسط الأمن في أرجائها وتحقيق الطمأنينة في نفوس أهلها، لافتا إلى أنه جاء خصيصا لزيارة بنغازي على الرغم من نصح كثير من الناس له بألا يقوم بهذه الزيارة نتيجة للتوتر الذي يسود المدينة والحالة العصبية للسكان بها، وأنه قد ينتج عن هذه الزيارة تعرضه للأذى. وأعلن أن الحكومة قررت تخصيص دعم عاجل لمختلف الوحدات العسكرية والأمنية في بنغازي التي تشهد انفلاتا أمنيا، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل على إعادة الروح المعنوية للجيش وللشرطة. تأتي هذه الزيارة النادرة لزيدان في الوقت الذي تشهد فيه مدينة بنغازي انفلاتا أمنيا واسعا منذ إعلان تحرير البلد من قبضة القذافي، حيث وقعت عمليات اغتيال وانفجارات استهدفت مباني حكومية ودبلوماسية، بالإضافة إلى شخصيات عسكرية وأمنية وأخرى ناشطة سياسيا وإعلاميا.