تمر بلادنا في الوقت الراهن في مرحلة حاسمة بعد ثورة30 يونيو التي قادتها حركة تمرد، وبعد الدعم الجسور الذي قدمته القوات المسلحة المصرية بقيادة الفريق أول السيسي القائد العام للإرادة الشعبية التي عبرت عنها عشرات الملايين، لإسقاط الحكم الاستبدادي للإخوان المسلمين. وهذه المرحلة الحاسمة- لو أردنا أن نوصفها بدقة- لقلنا أنها الانتقال من العنف الثوري الذي صاحب ثورة25 يناير وما بعدها إلي الإرهاب الصريح، الذي وجه سهامه الغادرة ليس إلي كيان الدولة ذاته ومؤسساته، وإنما إلي مختلف طوائف الشعب المصري. وقد أتيح لي أن أتتبع يوميا أحداث ثورة25 يناير منذ اندلاعها، وسجلت تحليلي لأحداثها من خلال ممارستي لمنهج التنظير المباشر، وجمعت هذه التحليلات جميعا في كتابي الذي خرج إلي النور مؤخرا عن المركز العربي للبحوث وعنوانه25 يناير الشعب علي منصة التاريخ، تنظير مباشر لأحداث الثورة. وحين فاجأتنا الأحداث الإرهابية المتنوعة التي قام بها بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وخصوصا بعد فض اعتصامات الجماعات المعتصمة في كل من رابعة والنهضة، أدركت أننا انتقلنا إلي مرحلة خطيرة وهي الممارسة الإخوانية للإرهاب ضد الدولة وضد المجتمع. وأعتبر هذه النقلة الكيفية من العنف إلي الإرهاب علامة فاصلة في مسيرة تحولات المجتمع المصري بعد ثورة25 يناير، والتي طالت القيم السياسية السائدة والسلوك الاجتماعي في الوقت نفسه. ولفهم التطورات التي أدت إلي الانتقال من العنف إلي الإرهاب راجعت ملف مقالاتي، فوجدت أنني رصدت مخاطر العنف الثوري مبكرا وعلي وجه التحديد في مقالتي التي نشرت في الأهرام في22 ديسمبر2011 بعنوان من الثورة السلمية إلي العنف الفوضوي، وقد قررت فيها بوضوح أن العنف السلطوي هو الذي أدي من بعد إلي ظهور صور متعددة من العنف الثوري المشروع، لاستكمال الثورة وفرض مطالبها العادلة في سياق اتسم بالمقاومة الشديدة، سواء من قبل بقايا النظام القديم أو من قبل القوي السياسية التقليدية، ورصدت مبكرا إدراك شباب ثورة25 يناير أنها سرقت منهم، وأن مسار الانتخابات التقليدية التي أسفرت عن هيمنة جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين علي المشهد السياسي لم يكن هو المسار الأمثل. ومن هنا نشأت فكرة أساسية هي أن الشرعية الثورية هي لميدان التحرير وليست لصندوق الانتخابات، والذي لا تعبر نتائجه عن الإرادة الشعبية. وفي ضوء ذلك أقيمت مليونيات حاشدة في ميدان التحرير، وسرعان ما دبت فيه الفوضي بعد انقسام القوي السياسية إلي قوي ثورية وليبرالية وقوي تعبر عن التيارات الدينية. وأخطر من ذلك أنه قامت مصادمات دموية بين ائتلافات ثورية متعددة وقوات الأمن، سواء في أحداث شارع محمد محمود التي نجمت عن محاولة الشباب الثائر اقتحام وزارة الداخلية، أو أحداث ماسبيرو وما صاحبها من أحداث عنف ووقوع ضحايا من الجانبين. وقد انتقدنا جبن قيادات الناشطين السياسيين والذي تمثل في عدم إدانة استخدام العنف، لأنه يعد انحرافا عن المسلك الثوري الحقيقي وممارسة للفوضي باسم الثورة، وخصوصا حين بدأت التقاليد التخريبية والتي تتمثل في قطع الطرق أو منع مرور السيارات في أماكن الاعتصام. ولقد تساءلنا هل هناك مجال للتوفيق بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية؟ وظننا أن التوفيق ممكن إذا ما انتقلت القوي السياسية التي فازت في الانتخابات البرلمانية ونعني جماعة الإخوان المسلمين- التي تحولت في الواقع إلي حزب سياسي حاكم بعد انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة رئيسا للجمهورية- إذا ما امتثلت إلي الإرادة الشعبية وحرصت علي التوافق السياسي، ولم تنزع إلي الاستئثار بالسلطة السياسية المطلقة، وعملت في نفس الوقت علي تحقيق مطالب الثورة: غير أن الممارسة السياسية الفعلية أثبتت أن جماعة الإخوان المسلمين قررت لا أن تحكم البلاد فترة محدودة وقد يتغير حكمها بعد انقضاء السنوات الأربع الأولي، بل أن تغزو الدولة المصرية بجميع مؤسساتها وتغير تغييرا جذريا من تراثها المدني العريق ومن تقاليدها الراسخة، وهي أن تعمل لصالح الشعب وليس لصالح حزب سياسي حتي لو جاء إلي الحكم عن طريق الانتخابات. ومن هنا بدأ المشروع الإخواني المتكامل لأخونة الدولة وأسلمة المجتمع، والذي اتخذ صورة قرارات جمهورية خرقاء، أبرزها الاعتداء علي السلطة القضائية ومحاولة إلغاء الأحكام النهائية التي نصت علي حل مجلس الشعب، أو عن طريق قرارات إدارية لتسكين كوادر جماعة الإخوان المسلمين في المراكز القيادية لكل الوزارات والمصالح. وسرعان ما تبين لطوائف الشعب المختلفة أن استمرار حكم الإخوان المسلمين فيه خطورة بالغة علي كيان الدولة المصرية ذاتها، ومن شأنه إضعاف القوات المسلحة، بل وتفكيك المجتمع ذاته باصطناع شعارات دينية زائفة، والحلم بتحقيق مشروع وهمي هو تأسيس الخلافة الإسلامية، والذي سيحول الدولة المصرية إلي مجرد ولاية من الولايات الإسلامية التي سيحكمها الخليفة المنتظر! من هنا الأهمية التاريخية القصوي لثورة30 يونيو التي بادر بها شباب حركة تمرد، والتي سرعان ما انضم إلي ندائها عشرات الملايين، ونجحت الثورة فعلا في إسقاط حكم الإخوان المسلمين بعد عزل الدكتور محمد مرسي، وإعلان السيسي خريطة الطريق للانتقال إلي الديمقراطية الحقيقية وليس الديمقراطية المزيفة. وإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين انتقلت من ارتكاب حوادث العنف إلي ممارسة الإرهاب بشكل منهجي، سواء ضد رموز الدولة أو مؤسساتها أو ضد جموع الشعب المصري من خلال حوادث تفجير عشوائية، فإنه يمكن القول بكل اليقين أن مشروع جماعة الإخوان المسلمين الذي استمر ثمانين عاما قد سقط نهائيا، وأن تيار الإسلام السياسي، هذا الاتجاه الذي خلط خلطا معيبا بين الدين والسياسة، قد فشل بالمعني التاريخي للكلمة، بالرغم من التأييد الأمريكي المطلق له. وذلك لسبب بسيط مؤداه أن إرادة الشعب الحقيقية أقوي من أي مشروع وهمي، وأصلب من أي تآمر دولي يحاول النيل من وحدة الشعب وسلامة حدود الدولة المصرية الراسخة. "الأهرام"