في برنامج إداعي مسجل دافع بن شماس عن أحقية التقاعد للبرلمانيين والمستشارين، ودافع عن مشروع قانون التوريث لذويهم، في حين أنكر هذا "الحق" على الوزراء بذريعة أن النواب في الغرفتين يسددون مستحقاتهم للصناديق ويتم اقتطاعها من الأجر، عكس الوزراء، كأنه يتحدث عن حقوق عمال أو مهندسين وخبراء وعلماء وغيرهم افنوا شبابهم وعمرهم في تقدم البلد في العلم والمعرفة وتطوير الصناعات بأنواعها، يستحقون عليها ليس فقط التعويضات والتقاعد بل يستحقون لو كانوا كذلك ان تنحني لهم كل الرؤوس و أن ترفع من أجلهم كل القبعات، وللبرهان على "موضوعية" و"عدالة" مبدا التوريث الذي يدافع عنه "ممثلو الأمة"، استدل بنشماس بحالة الزايدي بعد ان تملكته عاطفة جياشة ليرفض ان "تضطر أسرته الى التسول اذا لم تتمكن من وراثة تقاعد الفقيد"، متناسيا ان الزايدي الذي كان مقدما للأخبار في القناة الوطنية كان يتقاض قيد حياته تقاعدا مريحا مستحقا عن عمله كصحفي، وليست هناك من دواعي للخوف على الاسرة المفجوعة فلن تكون عرضة للتسول؟، وهكذا وضع بنشماس نفسه ضد مطالب الجمعية المغربية لحماية المال العام الداعية الى الغاء التقاعد للبرلمانيين والوزراء باعتباره هذرا للمال العام، ولان العضوية في البرلمان أو الحكومة ليست وظيفة أو مهنة تسحق التقاعد، بقدر ما هي مهمة سياسية بالدرجة الأولى و هي تفويض من طرف الشعب لإدارة شؤونه العامة، وليس لاستنزاف أمواله، و ان مجرد القبول بهذا الواقع وعدم السعي لتغييره، إنما هو تكريس للفساد والريع السياسي، وهذا هو حال كل من يدافع عن حق التقاعد وحق التوريث، وبالرغم من كون حق الاستفادة من التقاعد حسب قانون العيب الذي ينظمه، فانه يشترط أن يتقدم المستفيد كان نائبا أو وزيرا إلى مصالح وزارة المالية بما يفيد انه في حالة عسر، هذه المسطرة التي لم يتم احترامها، مما يجعل وزارة المالية في وضع الخارق للقانون والمساهم في هدر المال العام. إن حقيقة أجور البرلمانيين والوزراء ليست سوى تعويض عن مهام، لأن الأجر هو المقابل الذي يتقاضونه كغيرهم على عمل كان في القطاع الخاص أو العام، كما أن أغلب الوزراء والنواب لا ينتمون في الواقع لا إلى هؤلاء ولا أولئك من الموظفين والأجراء إلا ما نذر، فهم طبقة رأسمالية هجينة تختلط فيها الأعمال الحرة التجارية والصناعية بالضيعات الفلاحية والعقارات وكل شيء، ثروات في البر والبحر، إضافة إلى أجور وتعويضات لا تتناسب مع قيمة العمل البرلماني في شموليته كمؤسسة تشريعية، ويتطلعون الى المزيد من اموال دافعي الضرائب لان لها طعم خاص لديهم، فهم يرفضون أن يكون أحد منهم عرضة للتسول ويصرون على توسيع دائرة الفقر لعموم الشعب؟ إن الغريب في أمر نوابنا المتضامنون والمتفقون بالاجماع على استنراف أموال من أوصلهم حيث هم، انه بالرغم من فقدان الصفة لأحدهم بعد الإدانة في جرائم مالية وغيرها من قضايا الفساد، فقد ظل العديد منهم يستفيدون من رواتبهم، ورغم الغياب العريض والطويل لجلهم عن الجلسات، لم نسمع قط عن اقتطاع أو تجميد للرواتب والتعويضات وغيرها من الامتيازات، في حين يتم الاقتطاع الفوري للمضربين النقابيين، ويتم توقيف العديد من أجور المعتقلين السياسيين والنقابيين لأسباب نضالية وليس بسبب الفساد أو خيانة الأمانة وغيرها من التهم المشينة، دون مراعاة لذويهم وأبنائهم الذين تحملوا الفقر والجوع ولم يتحولوا قط الى متسولين، فعن أي حق يدافع عنه السيد بنشماس وأمثاله؟ فهل مساهمة البرلمانيين والمستشارين في صناديق التقاعد خلال ولاية برلمانية واحدة او اكثر تخول لهم النعيم بتقاعد مدى الحياة، إنها أموال يتم تحصيلها من دافعي الضرائب وهي ملك للشعب في كل الأحوال ولا يمكن تعريضها لا للنهب ولا للهدر حتى وان كان باسم القانون، فلا يستقيم أن يستفيد أي أحد مهما كان عمله من أكثر من تقاعد واحد، خاصة وأن أكثر من عشرين في المائة من المغاربة لا يملكون قوت يومهم، ومثلهم يعاني من بطالة مقنعة، وان أقل تعويض عن التقاعد لدى أكثر من ثلاثين في المائة لا يتجاوز ألف درهم، والصناديق مهددة بالإفلاس من جراء سوء التسيير والفساد والنهب والهذر، فكيف لنواب يدعون الدفاع عن قضايا الوطن والشعب أن يكونوا من مصاصي دمائه ورهن أبنائه في دائرة الموت والفقر، فلم يكفيهم ذلك التقاعد المريح ويردون توريته لذويهم مهما كلفهم الأمر من تضليل وتزييف للحقائق بعد أن ساهموا في تزييف الإرادة الشعبية لعقود من الزمن؟.