قرر الحزب الإشتراكي الموحد مقاطعة الإنتخابات القادمة التي يعتبرها الكثيرون محطة فاصلة في التاريخ السياسي المغربي المعاصر.. انتخابات غير عادية باعتبار أنها سابقة لأوانها، تأتي في محيط إقليمي تتجذر فيه مطالب الحرية و الديمقراطية والعدالة. انتخابات تعتبر المحك الحقيقي لتطبيق مقتضيات الدستور الجديد، و تنزيل مضامينه المؤسساتية فيما يا يخص شفافية العملية الإنتخابية و حياد السلطة و نزاهة التنافس.. انتخابات غير عادية لأنه ينتظر منها أيضا أن تعيد هيكلة الحقل السياسي بالتوزيع الجديد للسلط، و فرز حياة حزبية حقيقية تتبلور فيها المشاريع السياسية و الاقطاب الحزبية بعد تراجع ثقل المؤسسة الملكية و التزامها بدور التحكيم و الموازنة. انتخابات غير عادية لأنها لن تفرز موظفين برلمانيين بالتزوير وتهميش الكفاءات النزيهة كما كان يحدث في السابق، لكن يؤمل منها أن تفرز حكومة حقيقية مسؤولة عن مهام إدارة البلاد، و برلمان قوي يمارس رقابة حقيقية على أعمال الحكومة و تسيير الشأن العام.. لكن مع كل هاته المنتظرات، ما الذي يمنع حزب اليسار الإشتراكي الموحد من أن يشارك في إنتخابات بكل هاته المواصفات، و هو شارك في انتخابات من قبل، وفي وضعية دستورية و سياسية لم تكن ترضي أحدا ؟ سيكون من العبث و الإبخاس عدم الإعتراف بالتطور الدستوري الذي عرفه المغرب، و حتى عند أكبر المتشائمين يحصل الدستور الجديد على علامات جيدة يمكن بمقتضاها أن تكون توطئة لمحطة دستورية آخرى للتطورنحو ملكية برلمانية عندما تتحقق شروطها الثقافية والإجتماعية و السياسية.. في المقابل، ينبغي الإعتراف أن خطر الردة و إفراغ الدستور من مضامينه يبقى واردا باعتبار الأدوار و المناورات التي يقوم بها الفساد المتحول لتمديد دروته الحياتية، و "نضال" لوبيات التزويرسيضل قائما من أجل ألا تمر محطة الإنتخابات هاته دون غنائم..هذا الخطر المحتمل الذي يتهدد العملية الديمقراطية و التعاقد الجديد ما بين الملكية و المجتمع كما يستعمله العدميون دعاة اليأس من أجل الإستمرار في لعبة "حلاوة التنديد بالأزمة"، فهو حجة إضافية عند قوى التغييرالحقيقية لملإ الفراغ وسد الثغرات، و المرور الى الهجوم المتقدم في مربع عمليات صنع القرار من أجل طرد الفساد المتحول الذي يعتبر عدو الجميع بلا منازع.. مع الأسف، رغم أن حزب اليسار الإشتراكي الموحد يبدو في أدبياته يأخذ بالواقعية السياسية، و تأسيسه كان مبنيا على تصحيح أخطاء مسار التجربة اليسارية في المغرب، إلا أن موقفه الأخير من الإنتخابات تحول لردة الى حقبة الطوباوية الثورية، و شكل انبعاثا للماركسية اللينينة من اللاوعي السياسي، و قد ضن الرفاق و ضننا جميعا أن جلسات التحليل السياسي و ندوات ووثائق اللغو قد شافتهم من لوثة الدوغمائة.. هل نصدق الآن ما جاء في وثيقة الحزب المرجعية من أن الحزب هو: " تعبير عن اختيار استراتيجي يعتقد اعتقادا جازما أن الحضور الوازن في الحياة السياسية و القادر على ضمان مشاركة فعلية يقدم إمكانية التغيير" ؟ أم أن الحزب نسى نفسه في زحمة الأحداث هو يقول لنا في مرجعيته أن من أدواره : " الإسهام في تجديد الفكر الإشتراكي و جعله قادرا على الإجابة عن أسئلة المرحلة، و ذلك بالإبتعاد عن كل النزعات الدغمائية و الإطلاقية".. يحق لنا أن نتسائل الآن، هل قرار المقاطعة هو إجابة حكيمة عن أسئلة المرحلة، أم أن الوثيقة المرجعية لم تكن سوى تعبير عن الدروشة السياسية في انتظار إحياء الامجاد الثورية ؟ المقاطعة السياسة، في مدى نجاعتها، ستكون منطقية و ذات جدوى لو بقي الدستور القديم هو الدستور و الحال القديم هو الحال، و ستكون موقفا قويا لو صدر عن حزب له امتداد جماهيري و تجذر في الطبقة السياسية ودواليب التسيير..أما و الحزب لا يعدو أن يكون صالونا للدردشة السياسة و البكاء على الأطلال، فمشاركته من عدمها في الإنتخابات لا جدوى منه، سوى حسرة لنا على أصوات انتخابية ستضيع و يفرح بها الخصوم و الأعداء..بل أكثر من ذلك يبدو أن قرار المقاطعة سيفوت على الحزب فرصة عظيمة للتأثير عن قرب في صناعة التحول الديمقراطي مع هاته الإنعطافة التاريخية التي لا تتكرر كثيرا.. الذين قرروا المقاطعة ضربوا بوثائقهم المرجعية عرض الحائط، و استسلموا لحماسة حركة عشرين فبراير الدافئة، و اكتفوا باللقمة السياسية السائغة التي يوفرها التظاهر في الشوارع الى جانب جماعة العدل و الإحسان و النهج الديمقراطي. و المقصود المبيت هو: لعل و عسى تتحقق الأماني و الأحلام و يسقط النظام.. هل يحتاج الرفاق في الحزب أن نقول لهم أن السياسة لا تدار بالأماني، و أن ما لا يؤخذ كله لا يترك كله، و أن المطالب تتحقق بالملائمة و التفاوض و الضغط الإيجابي. و أن وجودهم في مؤسسات الدولة في هاته المرحلة أهم بكثير من البقاء خارجها، ولو عن طريق المعارضة التي تتوفر في الدستور الجديد على وضعها المؤسساتي و ضمانات واسعة للمراقبة و التأثير؟ أم أن الرفاق صدقوا أن التغيير سيكون الى جانب القوى الظلامية، و كان أولى أن تكون مشاركتهم في الإستحقاقات فرصة لحمل الهوية الحداثية لحركة عشرين فبراير الى داخل الدولة و فرصة فك الإرتباط مع الخطر الظلامي.. تقول الوثيقة المرجعية للحزب أنه لا يمكن التحالف مع : " القوى المخزنية أو القوى المحافظة الرافظة للديمقراطية و الحداثة و الداعية للإنطواء و الإنغلاق على الذات". من أولى بالتحالف الآن، المؤسسة الملكية في تعاقدها الجديد و شرعيتها الجديدة الذي ستشكل بداية نهاية المخزن، أم الإصطفاف مع الجماعة الظلامية التي لا تؤمن لا بالديمقراطية و لا بالحرية و الحداثة..أم أن الحزب فقد بوصلته النظرية و أصبح هو الآخر من الداعين الى "الإنطواء و الإنغلاق على الذات" ؟ من يلقي نظرة على النقاط التسع التي يحددها الحزب كأهداف لنضالاته لابد سيكتشف لها صدى في ما جاء به الدشتور الجديد، بل يجد تجاوزا للمطالب في ما يخص اللغة الأمازيغية عندما تم اعتمادها لغة رسمية و هم كانوا يناضلون فقط من أجل أن نكون لغة وطنية..هل كل هاته التحولات التي حدثت و ستحدث لا تستوجب إحداث تحولات مقابلة من باقي الأطراف السياسية، أم يستحكم المنطق الإنتهازي العدمي الذي يطلب من الأخر أن يخلق له الجنة كشرط ليأكل من تفاحها ؟.. في ذات الوثيقة يقدم الحزب نقدا موضوعيا لمشاركته الإنتخابية السابقة كان من الأولى أن يكون نافعا له في تحديد سياساته المستقبلية و عدم ارتكاب نفس الأخطاء..يقول الحزب في نقده الذاتي: " لم يرق حزب اليسار الإشتراكي الموحد الى لعب الدور السياسي و المجتمعي الذي من أجله تم تأسيسه و بدا الحزب في محطات كثيرة كأنه ساحة تصرف فيها خلافات و مشاكل أطراف أخرى" ما أشبه البارحة بالأمس لأن الطبع يغلب التطبع.. عاش الملك.. و" لي قال العصيدة باردة يدير فيها يدو"