يتساءل المهتمون بقضايا الإصلاح في مجال القضاء لماذا استثنت التغييرات الأخيرة التي طرأت على هرم وزارة العدل أحد أهم المديريات التي تعتبر النواة الصلبة داخل وزارة العدل، ألا وهي مديرية الشؤون الجنائية ووزارة العدل، التي يرأسها محمد عبد النباوي منذ عام 2007. تحليل اخباري: علي أنوزلا فإذا كان محمد الناصري، وزير العدل قد نجح بعد عام ونصف من وجوده على رأس هذه الوزارة من إزاحة اثنين من رموز العهد القديم داخلها، وهما كاتبه العام محمد لحسن لديدي، وإدريس بشر، المفتش العام للوزارة، وكلاهما كانا يعتبران من أبرز رموز التيار المحافظ داخل الوزارة الذي وقف بشكل قوي في الفترة الأخيرة ضد توسيع تمثيلية المجلس الأعلى للقضاء في الدستور الجديد، إلا أن بقاء رجل مثل النباوي على رأس مديرية استراتيجية مثل مديرية الشؤون الجنائية والعفو، يطرح أكثر من سؤال حول ما إذا كانت التغييرات الأخيرة تدخل فعلا في سياق الإصلاحات الكبرى التي يتطلبها القطاع. تغييرات في الوقت الضائع ويكتسي هذا التساؤل أهمية قصوى عندما نعرف أن التغييرات الأخيرة جاءت في الساعات الأخيرة من عمر الحكومة الحالية التي ستنتهي ولايتها في شهر أكتوبر. اللهم إلا إذا كانت وزارة العدل ومعها وزارات السيادة الأخرى ستستثنى من كل تغيير كما كان يحصل في السابق، أوكما سبق وأن أعلن عن ذلك وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري في تصريحات له أطلقها بأمريكا عندما كانت لجنة عبد اللطيف المانوني منكبة على "تعديل" بعض فصول الدستور القديم. كما أن هذا التساؤل يكتسي أهميته من كون التغييرات التي أقدم عليها الناصري، هي ذات طابع إداري، بما أن مهام الكتابة العامة والمفتشية العامة، ذات طابع إداري محض، ورؤساؤها يتغيرون مع تغير الوزراء. كما أن تركيبة المجلس الأعلى كما نص عليها الدستور الجديد ستقلص وتراقب عمل المديريتين أكثر. وبالتالي فإن الكثير من المراقبين لايرون في التغييرات الأخيرة التي أقدم عليها الناصري سوى محاولة يائسة للعب في الوقت بدل الضائع. فالوزير ضيع الكثير من الفرص لإصلاح القضاء خاصة أنه عند تعيينه قيل بأنه مدعوم من الملك، بما أنه كان يتولى تدبير الملفات القانونية الخاصة بالأسرة الملكية مند عهد الملك الراحل. وقد فاجأ الناصري، الذي يغلب عليه طابعه الصوفي العاطفي والذي غالبا ما جعله ينخرط في نوبات من البكاء داخل مكتبه، وأحيانا أمام بعض ضيوفه، عندما اكتشف أن "اليد قصيرة والحيلة قلية"، لانتزاع "مسامير الميدة" الحقيقيين اللذين يعرقلون كل إصلاح داخل وزارته وعلى رأس تلك المسامير مديرية الشؤون الجنائية والعفو، التي يشبهها العارفون بأسرار دار القضاء في المغرب ب"مسمار جحا". "الصندوق الأسود" داخل الوزارة فهذه المديرية تعتبر بمثابة مفتاح الوزارة و"صندوقها الأسود"، ومن يرأسها يصبح الرجل القوي داخل الجهاز برمته. ولمعرفة مدى أهمية هذه المديرية فإن القانون الداخلي للوزارة ينيط بها العديد من المهام من بينها مهمة "المساهمة في إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية في مادة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية والقوانين الخاصة ذات الطابع الجنائي، بتنسيق مع المديريات المعنية". وأكثر من ذلك يخصها القانون لوحدها ب "تنفيذ السياسة الجنائية وتنشيط مراقبة عمل النيابة العامة في المادة الجنائية"، وبالتالي فإن مدريها يكون بمثابة الرئيس الفعلي لكل وكلاء الملك والوكلاء العامون بمحاكم المملكة. ويراكم مدير هذه المديرية العديد من السلط بين يديه من خلال "تتبع ومواكبة القضايا التي لها علاقة بالجريمة المنظمة وبالجرائم ذات الطابع الاقتصادي والمالي، وقضايا الإرهاب، وقضايا المخدرات..."، وأيضا بكونه الساهر على "إعداد ملفات طلبات واقتراحات العفو أو الإفراج المقيد". ولمعرفة مدى أهمية وحساسية هذا المنصب، فإن من كان يوجد على رأسه قبل النباوي، هو وزير الداخلية الحالي الطيب الشرقاوي، الذي كان يعتبر الوزير الفعلي في عهد وزيري العدل السابقين عمر عزيمان والراحل محمد بوزوبع. وقد عرف الشرقاوي أثناء وجوده بهذا المنصب بتنسيقه الكبير مع الأجهزة الأمنية قبل عودته إلى استشارة رأي وزيره. ويعتقد العارفون بخبايا الوزارة أن الشرقاوي الذي يستمد قوته من قربه من القصر الملكي، ظل يتحكم في تسيير هذه المديرية عندما كان وكيلا عاما للمجلس الأعلى، ومازال يتحكم فيها من خلال منصبه على وزارة الداخلية، بتنسيقه المباشر مع النباوي، الذي يدين للشرقاوي ومحمد المعتصم، المستشار الملكي، ببقائه في منصبه رغما عن أنف الوزير الناصري الذي سبق أن طلب تغييره مرتين بدون جدوى. وحسب المعلومات التي حصل عليها موقع "لكم" فقد سبق للناصري الصيف الماضي أن تقدم شفويا، عن طريق محمد المعتصم، بطلب إحداث تغييرات على رأس أهم المديريات في وزارته، وذلك شهورا قليلة بعد تعيينه، لكن الجواب جاءه على شكل نصيحة بالذهاب إلى العمرة للراحة، وهو ما امتثل إليه الوزير قبل شهر رمضان الماضي. وقبيل التغييرات الأخيرة التي شهدتها الوزارة، تقدم الناصري بمقترحات لتعيين أسماء جديدة على رأس المديريات الأساسية داخل وزارته، فكان أن استثنيت مديرية الشؤون الجنائية من هذه التغييرات. رجل من الحرس القديم وبالنسبة لعبدو النباوي الذي عين على رأس هذه المديرية منذ عام 2007، فقد سبق له أن كان مديرا لإدارة السجون، وفي عهده شهد سجن مدينة وجدة حريقا أودى بحياة العديد من السجناء، وكان من انعكاسات ذلك الحريق السياسية إبعاد عمر عزيمان عن وزارة العدل وتنصيب شخص طيع للأجهزة على رأسها هو الراحل محمد بوزوبع. وقبل ذلك شغل النباوي منصب وكيلا للملك بالمحكمة الابتدائية بمدينة الدارالبيضاء، وهو الذي رفض تسليم مؤسس "لوجورنال" بوبكر الجامعي وصل إعادة إصدار مجلته بعدم تم حجزها وتوقيفها عام 2002، واضطر إلى تسليمه التوصيل القانوني على إثر الإضراب عن الطعام الذي خاضه مؤسس إحدى أكثر المجلات التي كانت تزعج السلطة في المغرب. ويتذكر سكان مدينة العيون النباوي عندما كان وكيلا للملك بالمحكمة الابتدائية بمدينة العيون عام 1984، وهي السنة التي كانت تشهد الكثير من الاعتقالات والاختطافات غير القانونية للصحراويين، اللذين كانوا يعذبون ويعتقلون بدون محاكمات بسجن سري بالعيون هو مقر "السيمي" قبل أن يتم تنقيلهم إلى معتقلات الموت بأكدز وقلعة مكونة. --- تعليق الصورة: محمد عبد النباوي، رجل وزارة العدل القوي