يبدأ هذه الأيام موسم عودة مغاربة الخارج إلى البلد.المغرب بلد المهاجرين بامتياز.منذ أكثر من خمسين سنة شرع في تصدير اليد العاملة إلى أوروبا التي خرجت مهدودة متعبة من حرب عالمية ثانية,من الأطلس و سوس صدر شبابا و قوة عمل و قوى أنتاج إلى فرنسا في السكك الحديدية و معامل ستروين و رونو و أوراش البنى التحتية و الطرق و المناجم . فضلت بلجيكا جبالة و منطقة الشمال بينما اختارت هولندا و ألمانيا الريف . تحولت هولندا مع مر السنين و نسيان السلطة المركزية للريف و عقابه على ثورة 1958 الى ملجأ ومنفى ووطن ثان للريفيين. إلى انجلترا هاجرت أسرة من العرايش ثم تبعتها أسرة ثانية بعدها هاجر الدوار كله و قطرة قطرة مع الزمن تحولت ضاحية من لندن إلى مدينة عرائش ثانية.في لندن لا تفاجأ إن التقيت مغربيا من العرائش و في هولندا طبيعي جدا أن تتحدث إلى الناس في الشارع بالريفية كأنك في ايت ورياغل أو تمسمان. هولندا اعترفت بالريفية بينما هنا في المغرب ما زلنا نرى حقوقيين مثل عبد الرحمان بعمرو من بقي خارج الإطار يفضل القوميين على المغاربة الأمازيغ و يتحاجج في ذلك مع أحمد عصيد. بينما أسماؤنا تفضحنا..أمزيان. أمقران.أوريد..أزيرار.أوبيهي.أزرو .تافراوت.تزنيت.أكادير.أجدير...و زيد و زيد من الناس و الوديان و الجبال و القرى و المدن التي يستعصى نطقها عند عرب المشرق.نعود إلى الهجرة و السجال نتركه لعصيد يتكفل به لأنه أولى و أعمق فكرا مني في الموضوع. قبل هذه الهجرات كان المغرب قد صدر الجنود ليحاربوا الحمر و الشيوعيين تحت راية الفرانكويين .جنود آخرون صدرهم إلى فرنسا في حربها في ضد ألمانيا و في لاندوشين.هؤلاء كانوا مهاجرين حاملي سلاح . مسلسل الهجرة سيستمر لا حقا إلى جالية استقرت في أمريكا و كندا و بلدان الخليج أما إسبانيا فلم تكن تغري المغاربة لأنها كانت فقيرة و معزولة تحت ديكتاتورية فرانكو و كانت هناك الصورة النمطية عن الإسبانيين في الشمال كونهم من مربي الخنازير و المعز و غجر بوهميين بوهاليين" بورقعةّ" كما ينعتون بالدارجة.ايطاليا سيهجم عليها قرويون و بدو من بني مسكين و الفقيه بنصالح و البروج و مناطق بني ملال. مع بداية الانتقال الديمقراطي في اسبانيا شرعت حركة هجرة نحو البلد.المغاربة الموجودون هناك الآن معظمهم من الشمال و من الصحراء.و باستثناء الأطر و الطلبة و بعض رجال الأعمال يظل الغالبية من الحراكة الذين دخلوا عبر الهجرة السرية بلا كفاءات . موسم العودة هو موسم البحث في جيوب العائدين.بماذا عادوا؟ الأبناك و خزينة المملكة و المقاولات و بائع الخضر و الفواكه و الأسرة و فقيه المسجد و القايد و المقدم و الشيخ و المحامي و السمسار و موظف البلدية والمحكمة و الولاية كلهم الجميع يبحث في جيوب العائدين رغم أن الأزمة التي تضرب أوروبا منذ سنوات جعلتهم في وضعية لا يحسدون عليها. جزء كبير من الاقتصاد المغربي يقوم على تحويلات المهاجرين و استثماراتهم في الداخل.المغاربة شعب يحب بلده حين يهاجر.فرق كبير بين تفكير مغربي هاجر و مغربي لم يجرب يعتقد أن الآخرين هناك يفسون في الحرير. مغاربة الخارج لهم أيضا حب كبير للمغرب رغم أم البلد رسميا يتعامل مع قضاياهم بالشعارات و الندوات فقط.التحركات الشعبية و المسيرات التي حركت البركة الآسنة في البلد كانت تلقى قلوبا تخفق لها في المهجر.في الانترنيت و شبكات الفايسبوك كان واضحا أن مغاربة الخارج عاشوا كل لحظات 20 فبراير.ردود الفعل التي كانت تصلنا في موقع " لكم" كان كثير منها من مغاربة المهجر.أول مقال نشرناه عن ثورة الياسمين بتونس وصل إلينا من محمد أمزيان من هولندا بعد نحو ثلاث أو أربع ساعات من هروب بن علي.زهير الواسيني من روما كان يكتب أيضا في قضايا مختلفة عن الثورات , أشياء أخرى. مغاربة الخارج ليسوا كلهم حراكة لا يحترمون الثقافات الأخرى و القوانين,مغاربة الخارج فيهم كفاءات عالية في مجالات علمية و فكرية و تقنية و رياضية .فيهم أيضا كتاب و فنانون و صحافيون و مخرجون من الطراز الرفيع مثل عبد اللطيف اللعبي و الطاهر بنجلون و محمد حمودان و مصطفى عمي و جاد المالح و غيرهم. الأرقام تقول أن ثلاث ملايين مغربي يوجدون في الخارج فيما أن إحصائيات أخرى ترفع الرقم إلى خمسة ملايين بإضافة الهجرة السرية .هذا الرقم لا يوجد له من يمثله في البرلمان و الأحزاب المغربية .ستقولون معي أن الأحزاب لا تمثل مغاربة الداخل فما بالك بالجالية و الخارج. و أقول معكم نعم صدقتم. لا أحد في البرلمان و لا في المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و لا في الهاكا و لا في هيئات أخرى رسمية يسمع صوت الدياسبورا المغربية إلى الرباط.هناك الآن من بدأ يطالب بضرورة حل مجلس الجالية المغربية بالخارج لأنه لم يضف أي حسنة للمهاجرين, من بين المطالبين بحل المجلس هيئة مغاربة الخارج التي اعتبرت مؤخرا في ندوة بالرباط أن مجلس الجالية مجرد هدر للمال العام و حصيلته مخجلة و طالبت بخلق صندوق تضامن مع الهاجرين. ماذا ينتظر مغاربة ليبيا الذين هربوا من جحيم زنكة زنكة إذا لم يكن هناك صندوق تضامن؟ أكبر عمل لفائدة المهاجرين هو ما تقوم به القنصليات رغم أن بعضها ما زال يشتغل بمنطق الإدارة المغربية القديمة بآلياتها البيروقراطية.مجلس الجالية لم يقدم شيئا ملموسا لمغاربة ليبيا لحد الساعة لكن الإعلام يقدمه كأنه المنقذ من الهلاك.عمل قنصليات ليبيا كان أفضل بكثير من عمل مجلس الجالية فيما الصحافة تضرب النافوخ مع مجلس الجالية في مناسبة و بدون مناسبة.لماذا الله أعلم ؟ في قنصلية الخارجية المغربية بالجزيرة الخضراء وقف شاب في حالة غضب و توتر غير مبرر و صاح يشتم في الموظفين أشقاءه المغاربة : الله يعطيكم ما عطى ليبيا .لماذا لا يريد المغاربة احترام القانون حين يتعلق الأمر بالتعامل مع أهل البلد و إدارة البلد فيما يدخلون سوق رأسهم حين يتعلق الأمر بإدارة أجنبية.المهاجر صاحب السبة و الدعوة غضب كل الغضب لأن القنصلية طلبت منه أداء مبلغ تنبر. الديمقراطية تربية قبل كل شيء.تربية لكل المغاربة حيثما كانوا. الديمقراطية ليست أحزابا و برلمانا و دستورا..الديمقراطية تربية و سأعيدها مليون مرة.