27 مارس, 2017 - 10:15:00 جاء قرار العاهل المغربي منذ أكثر من أسبوع تكليف سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة خلفا لعبد الإله بنكيران ليضع نهاية لأزمة مشاورات تشكيلها التي تجاوزت للمرة الأولى خمسة أشهر. وأعلن العثماني يوم السبت أنه وافق على تشكيل حكومة ائتلافية مع خمسة أحزاب أخرى ليكسر حالة الجمود السياسي. كان الملك محمد السادس بادر في 17 مارس، فور عودته من جولة في عدد من الدول الافريقية تجاوزت الشهر ببضعة أيام، بتعيين العثماني الطبيب النفساني القيادي في حزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة بدلا من بنكيران الأمين العام للحزب الفائز بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر الماضي وحثه على الإسراع بإعلان تشكيلة الحكومة. وبينما رأى محللون أن المشكلة تكمن في شخصية بنكيران يرى آخرون أنها تتمثل في استمرار حزب العدالة والتنمية، الذي يمثل التيار الإسلامي، في الحكم وقبول التيارات السياسية الأخرى له. وقال قيادي في حزب العدالة والتنمية فضل عدم نشر اسمه لرويترز إن "الحزب يتعرض لمؤامرات وإنهم ملتفون حول سعد الدين العثماني للخروج من هذه الأزمة." وكتب الصحفي توفيق بوعشرين في يومية "أخبار اليوم" المستقلة الصادرة قبيل إعلان العثماني مساء السبت لائتلافه الحكومي أن "الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ستساند العثماني من باب الانحناء للعاصفة وحماية المكتسبات واستئناف جزء من العمل الذي بدأه بنكيران سواء من جهة إدماج الحزب مع جسد نظام لا يقبله أو على جبهة إدارة الشأن المحلي في جل مدن المملكة" التي يسيطر عليها العدالة والتنمية حيث يوجه ضغوطا في تدبير الشأن المحلي أيضا. ويعتقد أحمد البوز أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس في الرباط والمحلل السياسي المغربي أن "تعيين شخص آخر من العدالة والتنمية يظهر أن المشكل ليس مع الحزب ولكن مع ما أسميه ‘ظاهرة بنكيران‘." وقال لرويترز إن "رأسه أصبح مطلوبا بسبب نوعية الخطاب الذي اشتغل به والهيمنة التي أصبح فارضا نفسه بها في الحياة السياسية المغربية." مشاورات وخلافات لأن قانون الانتخابات يضمن عدم استئثار حزب واحد بأغلبية الأصوات اضطر بن كيران لإجراء مشاورات لتشكيل حكومة ائتلافية بعد أن تصدر حزبه بقية الأحزاب بفوزه بعدد 125 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 395 مقعدا. وعلى مدى أشهر ظل بن كيران يحاول تشكيل الحكومة غير أن مساعيه وصلت إلى طريق مسدود. فقد استبعد بن كيران من مشاوراته حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحاصل على المركز السادس بعدد 20 مقعدا واعتبره حجر العثرة في المشاورات بينه وبين عزيز اخنوش الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي حل رابعا بعدد 37 مقعدا. غير أن اخنوش أصر على مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة ورفض بن كيران ذلك في بيان شهير أصبح يعرف محليا ببلاغ "انتهى الكلام". ثم وجد بن كيران نفسه مضطرا للتفاوض مع اخنوش بعد انسحاب حزب الاستقلال الفائز بالمركز الثالث بعدد 46 مقعدا من المشاورات في أعقاب الضجة التي أثارتها تصريحات لأمينه العام اعتبرتها الدولة مسيئة لموريتانيا وغير مسؤولة. وجاء في بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في الثامن من يناير كانون الثاني الماضي أن بن كيران كان ينتظر جوابا من اخنوش على سؤال "حول رغبته من عدمها في المشاركة في الحكومة". وقال بن كيران في البيان إن اخنوش وعده "بالإجابة عنه بعد يومين وهو الأمر الذي لم يفعل وفضل أن يجيبني عبر بلاغ خطه مع أحزاب أخرى منها حزبان لم أطرح عليهما السؤال" في إشارة إلى حزبي الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري. استخلص بن كيران "أن السيد اخنوش في وضع لا يملك معه أن يجيبني وهو ما لا يمكن للمفاوضات أن تستمر معه حول تشكيل الحكومة..بهذا يكون قد انتهى الكلام." فك الجمود أدى قرار العاهل المغربي إعفاء بنكيران إلى فك الجمود فأعلن العثماني مساء السبت عن انفراج الأزمة وكشف عن الأحزاب التي ستشكل الحكومة المرتقبة ومن ضمنها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية. وقال العثماني في تصريح صحفي إنه "بالإرادة الحازمة تم تجاوز العقبات التي حالت دون تشكيل الحكومة في الشهور الماضية." وأضاف "سنعمل سويا على إرساء حكومة قائمة على هيكلة فعالة ناجحة ومناسبة. لقد بدأنا النقاش في هذا الإطار اليوم وسنستمر في الأيام المقبلة." وعقب إعلان العثماني لنتائج مشاوراته قال بنكيران أمام مناصريه في اجتماع حزبي داخلي إنه كان يعتزم تقديم استقالته للملك "منذ أن جاء عزيز اخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار بشروطه." وأضاف أن قياديين من حزبه طلبوا منه التريث وأن "اللحظة التي يمر بها الحزب دقيقة ... الحزب يعيش فترة صعبة." ورأى محللون مغاربة أن المشكلة كانت في شخص بنكيران ليس مع الدولة فقط بل مع النخبة السياسية عموما. يقول المحلل السياسي البوز إن تعيين العثماني "لا يعني أن هناك رضا تاما عن العدالة والتنمية ولكن على الأقل كمرحلة أولى يبدو أن شخص بنكيران كان مزعجا وحاضرا في هذه الترتيبات وبالتالي كمرحلة أولى إبعاد شخص بنكيران ويمكن مرحليا على الأقل القبول بالعدالة والتنمية." وقال خالد الشييات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة لرويترز إن "بنكيران تشبث بموقف وراهن عليه لكن في الأخير هناك موازين يجب احترامها". واعتبر البوز أن "العديد من الجهات لها مآخذات على العدالة والتنمية من بينها خبرة الحزب في التسيير وأطره كما أن هناك أحزاب ملت من وجودها في المعارضة ولم تعد تستسيغ هيمنة العدالة والتنمية وتعتبره ربما حزبا سيهيمن على العملية الانتخابية في المغرب ويعيد بطريقة أخرى إنتاج هيمنة حزب العدالة والتنمية التركي على المشهد السياسي التركي." وأضاف أن "هذه كلها عوامل لعبت الدور في إبعاد بنكيران في هذه المرحلة وترك موضوع العدالة والتنمية إلى مرحلة لاحقة." ويرى الشييات في التطورات السياسية حلقة من "حلقات الصراع الخفي والظاهر بين الاسلاميين والسلطة المركزية والحزب اليوم يحاول أن يساير الضغط الذي وضع فيه لأنه لا يمكن أن يتخلى عن رئاسة الحكومة. لكن ليس في صالحه أيضا أن يترأس حكومة ضعيفة أو برأسين." وقال بوعشرين في يومية أخبار اليوم "سيحاول العثماني أن يبرهن كل صباح أنه ليس بنكيران وأن الرجل هو الأسلوب وأنه ممنون لكل من ساعده في الوصول إلى رئاسة الحكومة ... لتسهيل ولادة حكومة غير طبيعية في ظرفية استثنائية." ويقول الشييات إن "المستقبل رهن بطريقة تدبير السيد العثماني لهذا التقابل بحيث لا يذوب في تصور مركزي صرف وفي الوقت نفسه يغير المعادلات القائمة على المجابهة مع أصحاب القدرة الحقيقيين والقبول به نهائيا."