عندما كان الشعب التونسي في الشارع في انتفاضته المجيدة، كان الأمريكيون يحاولون مغازلة الثوار ،وكان رد الثوار رسالة واضحة ومنسجمة مع نبض الشارع العربي: لا شأن لأمريكا بثوراتنا وتطلعاتنا نحو الديمقراطية، فنحن خبرنا معنى تصدير أمريكا والغرب الديمقراطية للدول العربية_العراق كمثال_ نعرف جيدا أن الديمقراطية حصان أمريكا المفضل الذي تمتطيه لوضع يدها على الثروات النفطية العربية ،وصنع أنظمة عميلة وحليفة لإسرائيل داخل المنطقة،وأن تدخلها يكون دائما مسكونا بهاجس حماية إسرائيل.وفي مصر كان الموقف نفسه ولعل رفض شباب الثورة لقاء هيلاري كلينتون يحمل نفس الرسالة التي هي باختصار كفى وصاية على الشعوب العربية وشعوب العالم ولعل تحذير مصر مؤخرا للكيان الصهيوني من مغبة التدخل العسكري في غزة لثمرة لتحصين الثورة المصرية من التدخل الخارجي اذ ما كانت تستطيع اتخاذ هدا الموقف لو كانت مدينة للغرب بالديمقراطية. إن أخطر ما يمكن أن يحدث لانتفاضة شعبية هو أن تراهن على الأجنبي وأن تسعى للاستقواء به ،لأن الأجنبي في جميع الحالات سيستحضر بالأساس مصلحته الخاصة قبل مصلحة الشعب الثائر، ولعل أحسن مثال على ذلك هو ما يحدث في ليبيا ،حيث فقدت انتفاضة الشعب الليبي وهجها وإبهارها بمجرد تحولها من انتفاضة شعبية مدنية ذات طابع سلمي، إلى حركة مسلحة زج بها في معارك غير متكافئة ،فرضت عليها الاستنجاد بالمجتمع الدولي. وحين نقول المجتمع الدولي ،فالجميع يعرف من يحدد خارطة السياسة الدولية ولمصلحة من.وفي سابقة من نوعها يطلب ممثل ليبيا في الأممالمتحدة تدخلا دوليا في بلده كمن يدعو الدول الغربية لافتضاض بكارة ليبيا،وكأن الشعب الليبي انتفض ليستبدل الاستبداد الداخلي بالاستعمار الخارجي، متناسيا أنه في كلتا الحالتين تكون إرادة الشعب مصادرة ،وأن ذلك سيفتح الباب أمام الامبريالية لإتمام مخططاتها الاستعمارية في المنطقة وبلقنتها وتقسيم ما يمكن تقسيمه إلى دويلات أقزام. والدليل هو التناقض الصارخ في الموقف الفرنسي حيال كل من تونس وليبيا، ففي الوقت الذي عرضت فيه وزيرة الخارجية الفرنسية خدماتها على بن علي لقمع الثورة التونسية يتحمس الفرنسيون ل"حماية" ثوار ليبيا مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول هذا "الحب"الغربي المفاجئ للشعوب الجنوبية. على الشعب حين ينتفض أن يستعد لبذل الكثير من الدماء اذا اقتضى الحال، دون الاستنجاد بالآخر وأن يتعلم كيف يقوم بخطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام فيما بعد إذا رأى ضرورة لذلك، ولا يطرح بيع ثورته للامبريالية بديلا. إن صمامات الأمان للانتفاضات لتحقيق أهدافها هي:أولا عدم الاستقواء بالأجنبي لأن ذلك لن ينتج إلا نظاما عميلا تتعارض أجنداته مع مصالح الشعب. ثانيا من المهم جدا الاحتفاظ على الطابع الشعبي السلمي وتفادي الانزلاق إلى حروب أهلية ونزعات انفصالية تضعف الشعوب. اذ لا قوة ولا مستقبل إلا للتكتلات الكبرى وليس للدويلات المبنية على الانتماءات الاثنية أو اللغوية أو الجغرافية.. ثالثا حماية الثورة من الردة والنكوص إلى الماضي ،فالثورة حركة للتاريخ إلى الإمام وتكريس قيم إنسانية ايجابية ،من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية كبديل لقيم القهر والاستبداد وانعدام تكافؤ الفرص. أما الباعث على قول ذلك فهو بعض مظاهر النكوص، التي أتمنى أن تكون عرضية فقط ،مثل رفع البعض في ليبيا صورا لعائلة السنوسي الملكية التي سبقت نظام القدافي، إضافة لمشهد مستفز في تونس لهجوم بعض المتزمتين على دور بائعات الجنس وكأنهن سبب ما عاناه الشعب التونسي من اضطهاد، في حين أنهن ضحايا كبقية الشعب ،و معاناتهن نتاج للفقر والاستبداد. إضافة لمشهد نساء في ساحة التحرير في مصر يحملن لافتات لمطالب نسائية في اليوم العالمي للمرأة فيتعرضن للتحرش من طرف المتزمتين ،هذا التحرش الذي بلغ حد لمسهن في أجزاء حساسة من أجسادهن وطردهن من ميدان التحرير. إن ما حدث يومها يتطلب من الشعوب المنتفضة التعبئة لتكريس قيم المساواة بين جميع المواطنين نساء ورجالا والقطع مع ممارسات محقرة للمرأة ،لأن الاعتقاد بأن عجلة التاريخ ستتحرك والنساء خارجه هو وهم كبير كذبته نضالات النساء ولا زلن واعدات بالكثير..كما أن هاته الشعوب مطالبة بتحصين انتفاضاتها من المساومة سواء مع أنظمة الداخل أو الخارج.