أيها الشعب المكلوم أيها الشعب المجروح أيها الشعب المهجر أيها الشعب النازح أيها الشعب الذي لا توجد أسرة من أسره إلا وفيها شهيد او مسجون او معطوب او لاجئ او نازح او خائف ... كلكم فرحتم ليلة بهروبي كفأر من دمشق إلى احدى إقاماتي الفاخرة شمال العاصمة الروسية موسكو دون ان أودعكم او اشعر احدا من وزرائي او حاشيتي او قادة جيشي او زعماء طائفتي او اي عنصر من شبيحتي بقرار تنحيتي عن الحكم ...
قد فررت من قصري بعد 24 سنة من حكمكم في السراء والضراء، وبعد 24 سنة من الانتماء إلى معسكر المقاومة وخندق الممانعة وإدارة المعركة من أجل فلسطين كل فلسطين، حتى إني أطلقت على أسوء فرع للمخابرات في بلادي تسمية فرع فلسطين .... أيها الشعب العربي السوري أنا واحد من أبناء هذه الأرض التي لم تنبت سوى الاستبداد والديكتاتورية وحكم الفرد الذي لا يشرك في الحكم إلا ثلاثة عناصر : رجل المخابرات القاسي، ورجل المال الفاسد، ورجل الإعلام المطبل، والباقي كله اكسسوارات للحكم والإدارة والواجهة إلى غاية ان تنتهي المسرحية... لقد حكمتكم لمدة ربع قرن على سنة السلف الحاكم، وإنجيل الاستبداد، انتم من بايعني على السمع والطاعة وأنا مازلت في ريعان شبابي، وأنتم من غير الدستور قبل دفن والدي لتسلموني لجام قيادتكم، وأنتم من هتفتم (بالروح بالدم نفديك يا بشار) وأنتم من ناديتم بالشعار الخالد أثناء الحرب الاهلية : (إما الأسد او نحرق البلد) ...لماذا تلومونني الان، وتلعنون أبي وجدي وطائفتي وزوجتي وإخوتي وامي وبعثي العظيم ...انا نبتة برية من حقول هذا الوطن الذي حكم على طول تاريخه بالحديد والنار والشعارات الفارغة والمؤسسات المهترئة والأحزاب الكرتونية والإعلام المنافق والنخب المتملقة ... حتى الشعب وهو يتعذب في بلادي كان يعلق صوري في كل مكان حتى في غرف النوم، حتى شعبي وهو يعيش في الفقر والخوف وكبت الحريات كان يحترف الصمت ولا يفتح فمه إلا عند طبيب الأسنان، هذا إذا كان في جيبه ثمن الكشف عند الطبيب ... إننا جميعا شركاء في جريمة حكم البعث الذي طال لأكثر من خمسين سنة، إننا جميعا شركاء في تمزيق خارطة الوطن واعلاء قيمة الفرد فوق قيمة العدالة ، وعبادة الحاكم من دون الله، وتزوير الانتخابات والمؤسسات والبيانات وحتى الأفلام والمسلسلات، فلا تلوموني وحدي، ولا تشنقوني في ساحات دمشق وحدي، ولا تبولوا على تماثيلي وصوري وحدي، فلا يملك اي احد مهما كانت قوته ومهما كان دهاؤه ومهما كان حلفاؤه ان يحكمكم وحده أيها المواطنون، عفوا أيها الآدميون فمفهوم المواطن ليس عربيا ولا سوريا ولا بعثيا وأنا كما تعلمون متشبث بالتقاليد والأعراف بالأرض والشعب والبعث الذي يتكلم عربي وعربي بس... أيها الشعب السوري لقد دقت ساعة الحقيقة، وها أنا أصارحكم بحقيقتكم ،كلكم كنتم شركائي في الحكم من نائب الرئيس الذي لا ينوب عني في شئ ،إلى المستشار الذي لا يستشار، إلى الوزير الذي لا يتخذ قرار، إلى البرلمان الذي لا يحسن إلا التصفيق ورفع برقيات الولاء، إلى العسكري الذي يطلق النار عن ابن بلده دون ان يرف له جفن، إلى المخبر الذي يحصي انفاس البشر ويرفع التقارير المزورة لرؤسائه لتدمير سمعة الشرفاء ومستقبلهم ، إلى رجل الدين الذي لا يحفظ من القرآن الكريم إلا قوله تعالى ( واطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) إلى رجل الاقتصاد الذي يأكل الريع والفساد ويوفر قاعدة للحكم، إلى الإعلامي الدجال الذي يبيع ضميره باقل من ربطة الخبز في السوق، إلى التكنوقراطي الذي يضع خبرته تحت تصرف الاستبداد، إلى المثقف الذي يبيع جمل فكر بما حمل في سوق النخاسة الجديد ، إلى احزاب المعارضة التي لا تعارض إلا صغار المسؤولين من خدم الدولة، احزاب تعرف الداء وتلوي عنق الحقيقة، تعارض في النهار وفي الليل تأكل مع الحكومة من نفس الطبق وتشرب من نفس الكأس وترقص على نفس الطبلة والنغم . ها أنا أصارحكم بحقيقتكم الان وقد تحررت من كل قيد وهجرت كل لغة خشب ويئست من صوتكم او صمتكم او ولائكم حتى وان كان كاذبا، جميعنا كنا في حفل تنكري دام لربع قرن. 24 سنة وأنا أمثل دور الحاكم الوطني المقاوم الغيور على العروبة والدين وفلسطين . 24سنة وأنتم ترفعون الدعاء إلى الله تعالى من اجل نصري وتوفيقي وسدادي . 24 سنة وأنتم تتظاهرون بحبي وتوهمون الداخل والخارج انكم شعب واعي ومخلص وجنود مجندون خلفي، وتقولون في البرلمان المتخشب ( لن نقول لك ما قالت بنوا اسرائيل لموسى (فاذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)، بل نقول لك اذهب انت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ) ، فاينكم الان ؟ لم اجد احدا خلفي ولا امامي ولا بجنبي عندما دك الجولاني وحلفاؤه أسوار عاصمتي، وكسروا أبواب قصري، وانتهكوا حرمة قبر والدي، وهتكوا اسرار معتقلاتي، واخرجوا سجنائي هياكل عظمية وأطياف بشرية بعد عقود امضوها في ضيافة فخر حكمي ( سجن صدنايا). الان وقد استرحت من حكمكم وفرغت من إلقاء البراميل المتفجرة على ثواركم وأطفالكم ونسائكم ،وجعلت من سوريا طوائف متقاتلة، وولاءات متضاربة ،ومدن متفحمة وابناك فارغة وليرا بلا قيمة... آن لي الأوان ان أودعكم بقول الحقيقة لكم علكم تصنعون مستقبلا افضل من ماضيكم : انتم من تصنعون طغاتكم، وكما تكونون يول عليكم، الأكثر أهمية من إسقاطي أنا بشار حافظ الاسد هو ان تسقطوا الخوف من نفوسكم وان تؤمنوا بان الله خلقكم احرارا ويجب ان تعيشوا احرارا وتموتوا احرارا كما خلقكم الله ،الباقي كله يعوض والى خطاب آخر ....