اقرت الأممالمتحدة التاسع من شهر دجنبر من كل سنة كيوم عالمي لمكافحة الفساد ، وذلك بعد ان اعتمدت بتاريخ 31 أكتوبر 2003 اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة هذه الظاهرة ، والتي دخلت حيز التنفيذ في دجنبر سنة 2005 .ولا غرابة في ان يتم اختيار هذا التاريخ يوما قبل اليوم العالمي لحقوق الانسان الذي يتم الاحتفاء به في العاشر من شهر دجنبر من كل سنة ، وذلك نظرا للعلاقة الترابطية بين منظومة حقوق الانسان ومكافحة الفساد ، إذ أن صون هذه الحقوق هي الكفيلة بتحقيق مجتمع تسوده قيم المساواة في الحقوق والكرامة وفي إقرار قيم الشفافية والنزاهة ، وهي القيم التي لايمكن إقرارها في مجتمع تتفشى فيه كل اشكال الفساد الإداري ، وهو ما تؤكد عليه اتفاقية الأممالمتحدة في تصديرها معتبرة على ان الفساد يُقوّض الديمقراطية وسيادة القانون ، ويؤدي الى انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان. ويعتبر الفساد بمثابة انحراف في ممارسة السلط الإدارية لخدمة أغراض خاصة عوض توظيفها لخدمة الصالح العام، مما يؤدي إلى انتشار مظاهر الفساد والإفساد في الحياة الإدارية والسياسية ووسيلة للاغتناء غيرالمشروع، وهذر المال العام والعبث بالمصلحة العامة ، وبواجب حسن التدبير وتعبيرا صارخا ومفضوحا عن سلوك يخرق الالتزامات المرتبطة بممارسة سلطة عمومية. وإذا كانت منظومة حقوق الإنسان قد قامت على تناول الحقوق والحريات الأساسية للإنسان، فإن ظاهرة الفساد هي بمثابة خرق لهذه الحقوق ومساس بالحريات التي تنص عليها المواثيق والاتفاقيات الدولية في هذا المجال. فالمادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن جميع الناس يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، لكن عندما يصطدم المواطن بالتماطلات والمتاهات الإدارية كأسلوب من أساليب الابتزاز لإرغامه على دفع إتاوات من اجل الحصول على حق منصوص عليه قانونيا وإداريا، فذلك مساس بالكرامة وإخلال بمبدأ المساواة في الحقوق. وباعتبار حرية التعبير من الحقوق الأساسية التي تضمنها المواثيق الدولية لحقوق الانسان، فإن حماية المفصحين والمبلغين عن الفساد أمر أساسي لضمان الحق في الرأي والتعبير، وركيزة أساسية لنجاح عملية محاربة الفساد، وهو ما تنص عليه أيضا اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد في مادتها الثامنة التي تنص على إرساء تدابير فعالة تُيسّر عملية الإبلاغ عن أفعال الفساد ووضع نظام فعال للحماية من كل أنواع الانتقام او التمييز. وتعريض هؤلاء المبلغين للملاحقات والمضايقات هو بمثابة خرق سافر لهذه المقتضيات وإنكار للحق في التعبير. وتنص المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان في فقرتها الأولى على أن لكلِّ شخص حقُّ المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إمَّا مباشرةً وإمَّا بواسطة ممثِّلين يُختارون في حرِّية، فإن هذا الحق ينتهك حين تنعدم الشفافية وتُزوّر إرادة المواطنين بتحويل الاستحقاقات الى "سوق للنخاسة السياسية" عن طريق الفساد، وهو أيضا بمثابة إنكار لمقتضيات المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يؤكد على ضمان التعبير الحر عن إرادة الناخبين في إطار انتخابات نزيهة. إن الطابع المُدمِّر لآثار الفساد من شأنه عرقلة كل الجهود المبذولة لإحقاق تنمية مستدامة حقيقية وإقرار مجتمع تسوده قيم حقوق الانسان. كما أن محاربة هذه الظاهرة ليس قرارا يُدرج في البرامج والخطابات، ولكنه منظومة من الإجراءات والإصلاحات ذات طبيعة بنيوية في مختلف المجالات والميادين، وهو بالتأكيد صون للحقوق الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان ،باعتبار العلاقة الوطيدة والجدلية بين مكافحة الفساد واحترام هذه الحقوق.