أكدت الباحثة المغربية في الفكر الإسلامي، أسماء المرابط، على أهمية التوفيق بين القيم الكونية والمرجعيات الثقافية والدينية المحلية، مشددة على أن تحقيق هذا التوازن يُعد أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمع المغربي اليوم. مشيرة إلى "أن التوفيق بين حقوق الإنسان العالمية والمبادئ الدينية ليس فقط ضرورة ملحة، بل هو أيضا اختبار حقيقي لقدرتنا على تحقيق انسجام فكري واجتماعي". أوضحت المرابط أن الدستور المغربي يُبرز هذا التوازن بوضوح من خلال التزامه بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، مع التأكيد في الوقت ذاته على أهمية الدين الإسلامي المعتدل كركيزة أساسية للهوية الوطنية. مضيفة أن : "هذا الاختيار الدستوري يعكس إرادة سياسية واضحة لتحقيق الانسجام بين القيم العالمية والإطار الديني الوطني"، لكنها أشارت إلى أن التحدي الأكبر يكمن في تطبيق هذا التوازن على المستوى الاجتماعي، حيث تظهر مقاومة واضحة عند محاولة تنفيذ أي إصلاح قانوني.
وتعد أسماء المرابط من الأصوات الرائدة في الفكر الإصلاحي الإسلامي، حيث صدر لها كتاب بعنون "الإسلام والحريات الأساسية: من أجل أخلاقيات كونية" عام 2023، والذي كان موضوع المحاضرة التي نظمها معهد "الموافقة" لعلم اللاهوت، مساء يوم الخميس 12 دجنبر الحالي بالرباط. وخلال المحاضرة، أشارت المرابط إلى أن القضايا المتعلقة بالحريات الفردية والإصلاحات القانونية غالبا ما تُثير توترات اجتماعية وسياسية عميقة. وقالت: "أي محاولة لإجراء إصلاح قانوني جديد تواجه اعتراضات من جهات متعددة، مما يُبرز الحاجة إلى إعادة النظر في النصوص الدينية من منظور إنساني يأخذ في الحسبان القيم الكونية". وشددت على أن هذه القيم ليست حكرا على الغرب، بل هي جزء من التراث الإنساني المشترك، قائلة: "القيم التي نعتبرها عالمية اليوم كانت موجودة في ثقافات متنوعة، بما في ذلك العالم الإسلامي، لكنها تراجعت نتيجة هيمنة الرؤية الغربية". كما أوضحت الباحثة أن مفهوم "العقلانية العالمية" يجب أن يشمل تعددية الآراء والثقافات، داعية إلى تبني ما أسمته ب "الفكر الحدودي"، الذي يتيح مساحة للنقد الذاتي والانفتاح على الثقافات الأخرى. وأضافت قولها: "نحن بحاجة إلى رؤية جديدة تُتيح إعادة التفكير في القيم الكونية بشكل نقدي وبناء". وينطوي الحديث عن "الفكر الحدودي" على ضرورة فهم أن هناك حدودا بين القيم الثقافية والإيديولوجية التي قد تكون متناقضة في بعض الأحيان. لذلك شددت الباحثة على ضرورة عدم الانصياع بشكل كامل للمفاهيم الغربية التي تطالب بتوحيد القيم الإنسانية، بل بدلا من ذلك، يجب أن يتم تبني فكر نقدي يعترف بالخصوصيات الثقافية والدينية للمجتمعات الإسلامية، مع الحفاظ على فكرة "الإنسانية" كقيم عالمية. في سياق حديثها عن العلاقة بين الدين والسياسة، قالت الباحثة إن "الحقوق الإلهية" التي يتم ترويجها في بعض السياقات، سواء في العالم الإسلامي أو في غيره من المجتمعات، بحاجة إلى إعادة النظر والنقد العميق. ورأت أن هذه الحقوق، على الرغم من تبريرها في بعض الأحيان بالقيم الدينية، غالبا ما تُستخدم لتبرير أشكال من الهيمنة والتسلط على الشعوب، مما يخلق تباينا واضحا بين ما يُسمى "الحقوق الإلهية" وما يتطلبه العصر الحديث من حقوق إنسانية عالمية. كما تناولت المرابط التأثير السلبي للتفسيرات التقليدية للنصوص الدينية، مشيرة إلى أن هذه التفسيرات أصبحت مقيدة بفعل البيروقراطية الاستعمارية التي فرضت فهما جامدا للإسلام. وأوضحت أن الشريعة في أصلها تعني الطريق أو النهج، وهي ليست قانونا جامدا، بل مجموعة من المبادئ التي تهدف لتحقيق المصلحة العامة. وشددت الباحثة المغربية على ضرورة تجاوز السرديات التي تقدس النصوص القانونية وتعتبرها غير قابلة للنقد، موضحة أن المهمة الأولى للفقهاء كانت البحث عن حلول تتناسب مع السياق الاجتماعي. وأضافت: "التفسير السائد حاليا للنصوص الدينية أصبح عقبة أمام تحقيق الإصلاحات والمصلحة العامة". وأوضحت المرابط التداخل بين الدين والقانون يمكن أن يؤدي إلى مشكلات كبيرة، خاصة عندما تُستخدم هذه المفاهيم لفرض قوانين تقييدية أو تبرير التمييز. وذكرت أن التأثيرات الاستعمارية قد أضافت طبقة من التعقيد على هذه العملية، حيث تم فرض أنظمة قانونية مستوردة لم تكن تتماشى مع التقاليد الدينية والثقافية في تلك المناطق. وقالت: "لقد خُلطت القوانين الاستعمارية بالقوانين الدينية، وأدى ذلك إلى نظام قانوني لا يعكس القيم الدينية الأصلية للمجتمع بل يُستخدم لأغراض سياسية". وأكدت أن الإصلاحات القانونية والاجتماعية يجب أن تكون جزءا من مشروع وطني شامل يهدف إلى تحقيق التوازن بين القيم الإنسانية المتعارف عليها عالميا والمبادئ الدينية المحلية. مشيرة إلى أن "تحقيق هذا التوازن يتطلب شجاعة فكرية وإرادة سياسية قوية لدفع عجلة التغيير". وأوصت بضرورة أن يستند هذا المشروع الوطني إلى فهم مشترك بأن القيم العالمية ليست نتاج ثقافة واحدة، بل هي ثمرة تفاعل تاريخي بين مختلف الحضارات.