الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    قلق متزايد بشأن مصير الكاتب بوعلام صنصال بعد توقيفه في الجزائر    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب في حاجة لكتلة تاريخية تخرج البلاد من السنوات العجاف...
نشر في لكم يوم 18 - 08 - 2024

بداية أعتذر للقراء الأفاضل على هذا الغياب المؤقت ، والسبب تركيزي على تأليف سلسلة جديدة بعنوان "المدرسة النبوية اليوسفية" و تضم أربعة أجزاء و قد تعاقدت مع الناشر على توزيعها و إتاحتها بالمغرب و بالخارج، و أيضا إتاحتها إلكترونيا حتى تعم الفائدة، فاللحظة الراهنة تحتاج لنموذج تنموي يخرجنا من حالة التيه و الوهن و الانحلال ، و هذه السلسلة رفعت تحدي صياغة نموذج تنموي بديل يستمد دعائمه و مقوماته من رسالة الإسلام الخالدة و قصة يوسف في إدارة أكبر أزمة شهدها التاريخ في قلب هذا النموذج، و في سياق رحلتنا للبحث عن هذا النموذج المفقود في وطننا الصغير و الكبير، توجهت بوصلة البحث باتجاه تجارب تنموية ذات مرجعيات فكرية ومذهبية متباينة، وقد وقفنا طويلا عند التجربة الصينية ..
فتجربة الصين بعد 1978 توضح بجلاء بأن المهمشين يمكن أن ينقلبوا إلى ممثلين أساسيين، فوق خشبة مسرح الأحداث الاقتصادية والاجتماعية والسياسة للعالم. إذا ما توفرت الإرادة السياسية الواضحة الملامح.
فالهزائم من الممكن أن تتحول إلى انتصارات، إذا ماتم تشخيص مكامن الضعف والخلل التي أفضت للهزيمة، والحرص على تحديد الأهداف بدقة Goal Setting . لاسيما، وان الذات الإنسانية تتجه في لحظة الهزيمة والانكسار، إلى محاسبة الذات بتجرد تام عن كل شعور بالمركزية أو التفوق الحضاري. وهو ما يساعد سيكولوجيا في صياغة العلاجات الضرورية لتجاوز الأزمة.
* أمراء الحرب
فقد كانت الصين عند مطلع القرن العشرين عشرات الأقاليم المفككة، التي يحكمها أمراء الحرب. وبذلك، لم تصبح مطمعا لليابان فقط، لكنها كانت مشاعا تنافست عليه الدول . ومنذ أن أدركت ثورة الصين الأولى و الثانية خلال مطلع القرن الماضي، أن قوتها في وحدة الصين. وأنها بمقدار ماتشد إليها هذه الوحدة تستطيع زعزعة الاستعمار واقتلاع جذوره. ونتيجة لذلك، شكلت وحدة البلاد البرنامج السياسي، الذي توحدت عنده مختلف التيارات السياسية باختلاف توجهاتها الأيديولوجية.
* دور القيم في النهضة
ونتيجة لذلك، ظهرت بالتدريج أصوات داعية إلى تعلم العلوم الغربية واكتساب تقنيات "البرابرة"، من أجل الدفاع على إمبراطورية السماء، فبدأت فئات من النخبة تحاول المواءمة بين التقاليد الصينية وعلوم وتقنيات الغرب. بحيث "تتغير الوسيلة ولاتتغير الطريق، والعلم الصيني هو الجوهر، والعلم الغربي من أجل المهنة"، وهو نفس الشعار الذي تبنته حركة "ميجي" الإصلاحية في اليابان. بل إن نجاح الجيش الياباني في هزيمة الروس أثناء الحرب اليابانية – الروسية مابين 1905-1904، أثار إعجاب النخبة المثقفة في الصين وهو ماجعلها تقتنع بضرورة الاستعانة بعلوم الغرب وتقنياته.
فظهرت على أرض الصين إنجازات "الثورة الصناعية" من سكك حديدية وأساطيل حربية ومصانع، كما ارتفعت الأصوات الداعية إلى إدخال إصلاحات سياسية على النظام الإمبراطوري، في بلد طالما رفع راية التفوق الثقافيالأمر الذي عبر عن انكسار سيكولوجي للذات الصينية..
وقد مرت الصين قبل مرحلة "4 مايو" بحركة التغريب وحركة الإصلاح والتجديد ، التي رفعت شعار الإطاحة بدار كونفوشيوس" وشن زعماء الحركة نقدا شديدا لنظام الحكومة والمؤسسات الاجتماعية، والمثل العليا للشخصية ومقاييس القيم والأعراف الاجتماعية. ودعوا إلى إصلاح النظام التعليمي وتحرير الفكر الصيني من قيود الفكر الكونفوشي ، وهو الأمر الذي مهد لقيام ثورة 1911 التي أطاحت بالنظام الإمبراطوري وأفضت إلى إعلان ميلاد جمهورية الصين يوم 10 أكتوبر 1911 بقيادة "Sun Yat-sen ".
* حركة 4 مايو
أما حركة "4 مايو" wǔ sì yùn dòng و التي اندلعت في 4 مايو 1919، فقد جاءت للتعبير عن حجم الصدمة التي ألمت بالأمة الصينية، فدعت هذه الحركة إلى محاسبة الذات، وإعادة النظر في المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية، التي تكرس التخلف وتعمق الانحطاط
فتخلف الصين وهزائمها المتوالية، ليس نتاجا لتخلف الوسائل والهيكل التنظيمي والاجتماعي فحسب، بل هي أيضا نتاج لنقائص تعتري التكوين العميق للثقافة التقليدية. وخلال هذه المرحلة رفع مجموعة من المفكرين راية معارضة التقاليد، وشنوا هجوما على أفكار المذهب الكونفوشي الذي كان أساس الثقافة التقليدية
إن حركة" 4 مايو" هي نقطة تحول فكري وسيكولوجي عميق مست الطبيعة الحياتية والفكرية والشخصية للأمة الصينية، فالتحديات التي ولدها القرن العشرين، غيرت بنية المجتمع الصيني، وأهلته لقبول عملية التحديث.
* حرب طاحنة
فانهار نتيجة لذلك صرح النظام القديم، لكن النظام الجديد لم يستقر إلا بعد حرب طاحنة، من جهة ضد المحتل الأجنبي ومن جهة ثانية بين القوى السياسية الصاعدة التي تأثرت بدورها بالتباين الأيديولوجي. فكانت الغلبة للنظام الشيوعي الذي تمكن من دحر الاحتلال وتوحيد البلاد، وتغيير البنية السياسية والاجتماعية للمجتمع الصيني. كما تمكن من نقل المجتمع الصيني من حالة التفكك إلى الوحدة، ومن مجتمع المزارعين إلى مجتمع العمال، ومن الجهل إلى العلم، ومن الاقتصاد المنهار إلى الاقتصاد النامي. وهو ما أسهم في تأهيل المجتمع الصيني للقبول بإصلاحات 1978.
* تراكم تاريخي
لذلك، فالتحولات التي شهدتها الصين بعد 1978، لم تكن وليدة –فحسب- لسياسة الإصلاح والانفتاح التي تم تبنيها في الدورة الثالثة الموسعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. بل إنها نتاج لتراكم تاريخي بدأ: أولا، بإدراك الأمة الصينية لحقيقة تخلفها وتأخرها عن روح العصر. وثانيا، بالانتقال إلى تشخيص مكامن الضعف والوهن التي استوطنت جسم الأمة وجعلته ملاذا لهيمنة المحتل الأجنبي. فتم الاتفاق بين جميع الأطراف على حقيقة ضعف ووهن الأمة الصينية، لكن تم الاختلاف والتناحر حول منهجية العلاج..
* ضالة المؤمن
إن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، ولقد قادتني رحلة البحث عن نموذج تنموي وحضاري، عربي إسلامي أصيل، بعيدا عن مدارس الشرق والغرب، إلى إعادة قراءة هذه السورة ضمن دراسة أكاديمية بحثية ومستقبلية، تنشد وضع الحجر الأساس لمشروع الخلاص من واقع التبعية الاقتصادية والاستلاب الثقافي والمعرفي الذي خيم على عقول أبناء ورجالات هذه الأمة لعقود طويلة…
* اقتصادنا
إن تحرير "اقتصادنا" من شروط التفكير الغربي ومن مفاهيم المدارس الأجنبية هو إحدى بوابات التحرير الشامل الذي كانت تطمح إليه ولا تزال شعوبنا العربية والإسلامية.. فلا يكفي أن تضرب الدولة عملتها الوطنية لتقف موقف الند مع باقي الدول بل يجب أن يسند النقد باقتصاد حقيقي مضادٍ لتقلبات الأسواق المالية العالمية، منيعٍ في وجه المتغيرات البيئية والمناخية، مالكٍ لرؤى استباقية واحترازية ودراسات مستقبلية، هذا هو النموذج التنموي والاقتصادي والحضاري المنشود من خلال دراستنا لكليات وتفاصيل المدرسة النبوية اليوسفية، وقواعدها في إدارة الأزمات السوسيو اقتصادية..
* جسر العبور
يقول المثل العربي لكل "فرعون" موسى وقياسا على ذلك نقول لكل "عزيز" يوسف، ولكل مصر من الأمصار أو قطر من الأقطار، من يحسنون تعبير رؤى قياداتها السياسية، والعبور بالأوطان من حالة الأزمات القائمة او القادمة إلى حال الاستقرار والرخاء والاكتفاء…، هذا إن أخلصت هذه القيادات الطلب والقصد، وسعت لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وجعلت على خزائن الأمة الحفظة الأمناء..
* رسائل القدر
يجب ألا تستخف القيادات السياسية بدولنا العربية خاصة، ب"رسائل القدر" وبما يبعثه الله تعالى لها من نذر وإشارات سواء في اليقظة او المنام، في حالات الصحة او المرض، الاستقرار او الاضطراب، فلكل أمر مقدمات، مبشرة أو منذرة، و رسائل قدرية قبلية تدعو لقراءتها او الإستعانة بمن يجيد قراءتها وبلورة سياسات واتخاذ خطوات ووضع مخططات وصياغة قرارات بناءً على أفضل القراءات الممكنة والعمل على ضوئها بلا تردد او تأجيل، واغتنام ما تتيحه المرحلة القائمة من فرص وإمكانات لتجاوز المخاطر المرتقبة والتحديات المنتظرة والتهديدات المستقبلية.
يقول المثل "الأعمش في قبيلة العميان ملك" مادام يرى ما يستحيل على البقية رؤيته، فلا مجال ولا أفق لأعمال ومشاريع ونماذج تتم في جنح الظلام أو من طرف نخبة من الذين أعمتهم مصالحهم السياسية والاقتصادية عن رؤية الصالح العام، بل إنه من بين من أسندت لهم في بلدنا العزيز مهام إدارة المرحلة الراهنة والاشراف على تحرير ما سمي بتقرير النموذج التنموي، قد سارع بتسليم المسودة الأولى للأعاجم والأغيار قبل اعتمادها من طرف أهل الدار!! هؤلاء يصح فيهم قول الله تعالى " لهم أعين لا يبصرون بها وآذان لا يسمعون بها" وكذا مصالح ضيقة لا يستغنون عنها وولاءات وجنسيات وهويات ما أنزلت الأعراف الوطنية والدستورية بها من سلطان..
* فشل النموذج
إن الإقرار بفشل النموذج التنموي السائد قبل سنين خلت، ومن خلال خطاب ملكي سامي، وبعد حراك شعبي شهير لا تزال فاتورته مفتوحة لحدود الساعة، هذا الإقرار اقتضى "التبشير" بانطلاق البحث عن نموذج تنموي وطني بديل واعتماد موارد بشرية ومالية هامة لصياغته وإيجاد سبل وإمكانات تنزيله، قبل أن تتسع رقعة الاحتجاجات وتستفحل أزمات باقي القطاعات وتعلو أصوات باقي الطبقات وتفر البقية الباقية من العقول والكفاءات، ويسود في نهاية المشهد الصمت المنذر بالعاصفة الماحقة الأخيرة..
* علامة مسجلة
إن رؤية "فشل النموذج التنموي القائم" من خلال نظارات حراك الريف كان يقتضي ولاشك البحث عن "معبرين" لكن من أهل الاختصاص والدراية والحفظ والامانة.. أي ممن تقاسموا مع عموم الشعب المعاناة والظلم والاستعباد، وأدوا ضريبة طهرانيتهم من سنين عمرهم، من الذين شهد الأصدقاء كما الخصوم بعدالتهم ومصداقيتهم وجدارتهم، بدل الاعتماد على رموز ونخب ووجوه صار الفشل "علامة مسجلة" بإسمها وصارت أسماؤهم تعادل جمود الوضع القائم او ما يعرف ب "الستاتيكو" لا جديد يذكر ولا قديم يعاد..
* حلم شعب ومشروع أمة
ألم يكن بالإمكان انتخاب لجنة للإشراف على صياغة هذا التقرير "المصيري" بدل اعتماد آلية التعيين؟! ألا يتعلق الأمر بمصير وطن وشعب…!! أليس النموذج التنموي المنشود حلم شعب ومشروع أمة!! ومصير أجيال بكاملها، ألم يكن حريا بأهل الحل والعقد إحالة الأمر برمته إلى لجنة وطنية لتقصي النماذج التنموية على غرار لجان تقصي الحقائق البرلمانية!! ألم يكن إعلان فشل النموذج القائم في ظل أزمة حراك الريف وباقي الحراكات الشعبية حينذاك بمثابة ملتمس رقابة شعبية لإسقاط مرحلة بكاملها..!! وليس فقط عرقلة تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 2016.!! وطي الولاية البنكيرانية في أفق إقفال قوس الربيع العربي بعد خمس سنوات عثمانية تالية!! وتسليم مشعل "الخريف الدائم والمستدام" للتحالف الأوليغارشي!!
* سنوات من ذهب
لقد أضاعت بلدنا سنوات من ذهب بتجاهل نخبتها الحاكمة لنداءات المغرب العميق ورسائل القدر بضرورة مراجعة خط السير وإعادة قطار التنمية إلى سكته الصحيحة بعد أن انحرف عنها بفعل فاعل منذ ساعة تطليق حكومة الراحل عبدالله ابراهيم رحمه الله، وانطلاق مسلسل المؤسسات المغشوشة التي توقفت بدورها عن الدوران طيلة خمس سنوات من عمر التاريخ السياسي بإعلان حالة الاستثناء ( 1965/ 1970).. فهل "دفنا الماضي" على حد قول الأديب عبدالكريم غلاب أم أن بلادنا لا تزال رهينة لهذه القرارات الارتجالية والاختيارات السياسية والاقتصادية العشوائية و المزاجية..!!
* نزغ شيطاني
لقد نزغ الشيطان بين أبناء هذا الشعب أفقيا وعموديا، وغدا الصراع بين رجالات القصر وزعامات أحزاب الحركة الوطنية العنوان الأبرز طوال العقود الأربعة من زمن مغرب ما بعد الاستقلال (1956/1996) الى أن دقت ساعة ما اصطلح عليه ب"التناوب التوافقي" وذلك بفضل ترتيبات قدرية شاءت أن يتقدم العاهل المغربي الراحل بعرض سياسي تلو الآخر لكسب ود "المعارضة" التي آثرت في نهاية المشوار التصويت ب "نعم" لأول مرة على مضامين الدستور الممنوح لسنة 1996، لكنها كانت "نعم" سياسية، لا أكثر، أي أن رجالات وأحزاب الحركة الوطنية المنضوية آنذاك تحت لواء "الكتلة الديموقراطية" _ باستثناء حزب المقاوم الشيخ بنسعيد أيت إدر ( منظمة العمل الديموقراطي الشعبي) _ قد غلبوا كفة الاعتبارات السياسية والمصالح الوطنية على ما عداها من الاعتبارات الاخرى (القانونية والتقنية)..
* شعارات كبرى
والأكيد أن الكثير من متتبعي الشأن العام آنذاك كانوا على علم بتفاصيل "الصفقة" المبرمة بين أحزاب الكتلة ورجالات القصر، وجاءت انتخابات 1997 وحكومة 1998 لتؤكد صحة ما راج سلفا عن هذه الصفقة السياسية "التاريخية".. وما هي إلا شهور معدودات حتى أعلن عن خبر رحيل الملك الحسن الثاني وبداية "عهد جديد" حافل بالشعارات الكبرى من قبيل "المفهوم الجديد للسلطة" و"الانصاف والمصالحة" وبالاكتشافات المنعشة والمذهلة الحبلى بالأدرينالين من قبيل "نفط و غاز آبار تالسينت"!!! إلى أن دقت ساعة الحقيقة بإقدام الدوائر العليا على إقفال قوس التناوب من جانب واحد، والخروج مجدداً عن المنهجية الديموقراطية على حد قول الوزير الأول آنذاك عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله، والعودة لحكومة التكنوقراط بقيادة رجل القصر إدريس جطو..
* امبراطور الأحذية
وفي زمن امبراطور الأحذية شهد المغرب انفجارات الدار البيضاء الأليمة (16 ماي 2003) بعد اسبوع واحد على ميلاد ولي العهد..!! وانتهت ولاية ادريس جطو فاسحة المجال ل "نوبة" عباس الفاسي الذي شهدت ولايته ميلاد حزب "صديق الملك" ودخول المشهد الحزبي في فوضى سياسية وتنظيمية لا أول لها ولا آخر، ولولا الألطاف الإلهية وتدخل يد الله الخفية واندلاع شرارة الربيع العربي من أرض تونس الخضراء لصارت بلدنا تحت مطارق نظام بالغ السلطوية و"البولسة"، نسخة مكررة من نظام الجارة تونس في عهد رئيسها سيء الذكر شين العابدين!!!
* فرصة جديدة
كان هذا تدخلا جراحيا قدريا آخر، أهدى للقائمين على تدبير البلد فرصة جديدة لدفن الماضي وعيش الحاضر بروح مستقبلية ترى الشعب كل الشعب يدا واحدة بمصير واحد.. لكن مرة أخرى أخطأت النخبة الحاكمة موعدها مع التاريخ باعتماد وثيقة دستورية منقوصة ورهينة قوانين تنظيمية لم يشهد معظمها النور إلى يومنا هذا، أي بعد مرور أكثر من 13 سنة على دستور 2011، وتسليم مقاليد الجهاز التنفيذي لحكومة مهووسة بالخطوط الحمراء والمراجعة اليومية للقانون العرفي الموسوم ب "ما للملك و ما لرئيس الحكومة".. حكومة محكومة بإملاءات رجالات الدولة العميقة فضلا عن توجيهات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية، فلم تستطع رد الجميل لشباب الحراك ولم تفلح في ترجمة الحد الادنى من مطالب حركة 20 فبراير المتمثلة في إسقاط الفساد والاستبداد، والاكتفاء بإسقاط متابعة المفسدين تحت عباءة "عفا الله عما سلف" ومناوشة المستبدين عن بعد تحت يافطة التنديد بسياسة "التحكم" ودسائس التماسيح والعفاريت..
* حاوية للأزبال
ورغم استمرار تصدر حزب العدالة والتنمية للمشهد السياسي خلال الاستحقاقات الانتخابية الموالية (2016) إلا أن حدث طحن الشهيد محسن فكري بحاوية للأزبال وتصاعد موجات الاحتجاج وعجز وزراء ونواب الحزب الأول عن احتواء الأزمة السوسيو اقتصادية بمنطقة الريف، وحسن إدارتها في ظل فراغ حكومي عمر لستة أشهر، أهدى لخصوم الاختيار الديموقراطي بالمغرب فرصة إزاحة رئيس حكومة عبد الإله بنكيران وتعيين الدكتور سعد الدين العثماني بدلا عنه، من خلال اجتهاد دستوري كفى الطبقة السياسية أعباء إعادة النظر كليا في القوانين الانتخابية المعتمدة وقواعد العملية السياسية وضرورة ملئ الفراغات والبياضات الدستورية التي اتضحت بجلاء خلال هذه الأزمة السياسية التي طبعت تاريخ المغرب تحت إسم "البلوكاج!! "
* معاهدة التطبيع
وانتهت ولاية الطبيب النفسي العثماني على وقع تقنين القنب الهندي لاعتبارات طبية وتنموية!! والتوقيع على معاهدة التطبيع مع الكيان الاسرائيلي لاعتبارات أمنية وجيو سياسية!! وتكميم أفواه البقية الباقية لاعتبارات وبائية كورونية!!؛ ومغادرة الفردوس الحكومي من الباب الضيق وبهزيمة مدوية ومذلة في الثامن من شهر شتنبر 2021، واعتلاء الملياردير عزيز أخنوش سدة الحكومة معلنا عن عودة الحكومة لعاداتها القديمة المتمثلة في الاقتراض المفرط تحت غطاء المشاريع الكبرى، وبيع أصول وممتلكات الدولة تحت عباءة التمويلات المبتكرة، وتجفيف منابع الذهب الازرق لدعم سياسات التصدير وخرافات المغرب الأخضر، ورفع الدعم الحكومي عن المواد الاساسية بحجة الدعم المالي المباشر، وهلم جرا من الشعارات التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب!!!
* بئر الطفل ريان
كلنا يذكر حادثة الطفل ريان و التي جاءت في أعقاب صعود حكومة 8 شتنبر و التحالف الثلاثي، حادثة أنذرتنا إلى بداية السنوات العجاف ، هذا الحدث الذي غستقطب إنتباه مشارق الأرض و مغاربها رسالة ربانية حبلى بالرسائل المشفرة التي لم نحسن قراءتها و العمل على تأويلها كما أول يوسف عليه السلام رؤية الملك و خطط بكافة لإدارة أزمة السنوات العجاف..
ينبغي أن تدرك الدولة أنها فشلت في فك عزلة العالم القروي، و في الرفع من معدلات التنمية و تقليص الفوارق، فكم نود أن تبقى تلك الجرافات التي وظفت " لتحويل جبل لإنقاذ طفل" لتبقى في عين المكان لفك عزلة القرى و الدواوير المجاورة و إخراجها من حفرة العزلة و المعاناة و الحرمان ، كم نود أن يتم فك عزلة دواوير و قرى الحوز التي لازالت تعاني من أثار زلزال الحوز و لازال الكثير من المتضررين يقطنون في الخيام..لم نتنبه للرسائل القدرية التي حملتها حادثة الطفل ريان التي نبهتنا لخطر نذرة الماء و العطش الذي يزحف بإتجاه المدن و الأرياف ، في ذكرى ثورة الملك و الشعب نأمل أن يتم إطلاق نشطاء حراك الريف و تبيض السجون من كل معتقلي الرأي و الأصوات المعارضة و تشكيل كتلة تاريخية و حكومة وحدة وطنية تضع برنامج مرحلي و استعجالي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و العمل على الحد من أثار السنوات العجاف التي نرى أن حدتها ستزداد، مالم يتم العودة إلى العقل و تغليب مصلحة الوطن و الشعب .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ...
كاتب و أستاذ جامعي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.