اعتبر مصطفى الحسناوي، الباحث في قضايا التطرف والإرهاب والجماعات الإسلامية، أن اليقظة الأمنية غير كافية في المعركة التي تخاض ضد ما أسماه ب"الإسلام الإنقلابي"، مؤكدا على ضرورة خوض معارك أخرى داخل النصوص التراثية والأدبيات المعاصرة المؤسسة للمشاريع الإنقلابية من جهة، ومن جهة أخرى يتم تسليط الضوء على عدم واقعية هذه المشاريع وإجرامها وفشلها، بضرب الأمثلة التاريخية والمعاصرة على ذلك. جاء ذلك في كتاب صدر حديثا للباحث والإعلامي المغربي، عن "دار الأمان" وجاء في 286 صفحة بعنوان "قصة الإسلام الإنقلابي في المغرب". ويأتي هذا الكتاب، كخلاصة تجربة المؤلف في العمل الإسلامي دامت ربع قرن تنقل فيها بين أكثر من تيار إسلامي، كما أنه جاء كخلاصة اشتغل فيها الحسناوي مع منابر إعلامية حاور خلالها قيادات إسلامية، وكتب تقارير وتحقيقات ودراسات عن جماعات إسلامية وأنشطتها. وسبق لمصطفى الحسناوي المقيم بدولة السويد أن مر بتجربة سجنية، التقى فيها سجناء إسلاميين من تيارات وتوجهات مختلفة، حاور منهم حوالي 100 معتقل على مدى ثلاث سنوات قضاها في السجن، كما أنه التقى بقيادات إسلامية من مختلف دول العالم، في مؤتمرات وندوات نظمت في عدد من الدول الإسلامية والغربية. ويقول المؤلف في تمهيد الكتاب، أنه تناول فيه موضوع الإسلام الانقلابي، كأيديولوجيا ثورية انقلابية، تشتغل على إفقاد المواطنين الثقة في القوانين والمؤسسات، وزعزعة نظام الحكم والانقلاب عليه، أو اضعافه وتهييئ ظروف اسقاطه، مستعينة بخطاب ديني تحريضي قد يتطور إلى التحريض على استعمال السلاح، مضيفا، أن الكتاب يتحدث عن الجهادية المغربية كمعتقدات وأفكار وتنظيرات وتطبيقات، وجماعات إسلامية انقلابية أو ثورية مسلحة وغير مسلحة. وأشار الحسناوي، إلى أنه لخص في عجالة تجربته واحتكاكه بالتيارات والشخصيات الإسلامية، مبرزا بعض المحطات التي رأى أنها تخدم فكرة الكتاب، مكتفيا بالتلميح والتلخيص والإيجاز والإشارة، لأن الغرض حسب الحسناوي ليس كتابة سيرة ذاتية وإنما بعض الشهادات والإشارات التي تتقاطع مع محتويات الكتاب، وتبين تشابك العلاقات بين الإسلاميين، وتقاطع مصالحهم في ملفات كثيرة. وتضمن الكتاب، ثمانية فصول، الأول تناول فيه الإسلام الانقلابي ووهم الاستقرار في ظل الشريعة، والثاني عرج فيه على الصوفية الجهادية وأحزاب الخلافة، أما الفصل الثالث فتحدث فيه عن ما أسماه الحركية الجهادية أو ما قبل السلفية الجهادية، ثم الرابع، فأبرز فيه ما اعتبره الأفغنةوالتكفير وعلاقتها ببذور السلفية الجهادية، ليفصل في الفصل الخامس قصة السلفية الجهادية المغربية، حيث أفرد في الفصل السادس في شقها المتعلق بالنسائي، قبل أن يسلط الضوء بالكثير من التفصيل عن قيادات "إرهابية" مغربية وبروزها خارج المغرب، ليختم بمآلات الخطاب الإنقلابي بالمغرب مركزا على فوضى المراجعات السلفية، ومآلات المنهج الإنقلابي. شيوخ السلفية عادوا إلى عادتهم القديمة بمجرد خروج شيوخ السلفية من السجن يقول الحسناوي، صرح بعضهم بأنهم لم يتراجعوا قيد أنملة عن أفكارهم، وأنه دخل أسدا وخرج أسدا، ومنهم من قال إنه تراجع فقط عن موقفه من الملكية، لكن أفكاره الجهادية والتكفيرية لا زالت قائمة، ومنهم من فضل الصمت لكن أفعاله ومواقفه كانت تؤكد أنه لا يزال على خطه الانقلابي المتطرف. وأشار الحسناوي، إلى ما آل إليه وضع "اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين بالمغرب"، موردا أسماء مجموعة من قادتها الكبار الذين فاجأوا الرأي العام الحقوقي المغربي، وهم يتورطون بالالتحاق بداعش أو بالنصرة، أو بشام الإسلام، منهم من قتل هناك ومنهم من لا يزال ومنهم من عاد وسجن، ومنهم من تورط في تجنيد وإرسال الشباب لسوريا دون أن يتمكن هو من الذهاب، وتورط آخرون في خلايا إرهابية. أوهام وأحلام سلفيي المغرب أشار المؤلف، إلى أنه عندما تورطت جماعة العدل والإحسان في مناماتها وأحلامها سنة 2006، جعل منها السلفيون فاكهة مجالسهم، رغم أنهم غارقون في ما ينكرون عليها، لأن المشرب والمعين واحد، ففي سنة 2018 نشر الشيخ حسن الكتاني الذي يصفه الحسناوي بالسلفي الجهادي، تدوينة تؤكد حدوث انتصارات مهمة للمسلمين في غضون سنة، بناء على أحلام ورؤى رآها بعض الصالحين، لدرجة أن هناك من يجزم أن سنة 1440 هجرية سنة قيام دولة الخلافة. الكتاني حسب الكتاب، لم يتوقف عند هذا الحد بل إنه أتبع التدوينة بشريط من 7 دقائق يبشر بأمر عظيم سيحصل سنة 1440 ه، دون أن يترك لنفسه هامشا للتراجع، ليتضح في ما بعد أنها كانت مجرد أوهام. الخزان التراثي يزود الخطاب الإنقلابي وأورد صاحب الكتاب بعض الأرقام جاءت في دراسات وإحصائيات قامت بها مراكز متخصصة، تفيد أن ما بين 70 إلى 90 في المائة من الشعوب العربية والإسلامية، مع دولة تطبق شريعة قطع الأيادي والرؤوس والرمي من شاهق والرجم حتى الموت، مشيرا إلى أنه ما دام الأمر كذلك فإن فرص ظهور وحتى نجاح مشاريع انقلابية مستقبلا يبقى قائما. من الأمور المساعدة التي أجملها الحسناوي في كتابه، هي، وجود الخزان التراثي الذي يزود الخطاب الإنقلابي، وجود الحاضنة الشعبية التي وصفها بالساذجة التي تناصر الفكرة الإنقلابية، قدرة الحركات الإنقلابية على التأقلم والتكيف والتلون، قدرة التيارات الإنقلابية على إبقاء الفكرة الإنقلابية جذابة داخل رؤوس الأتباع، تنوع أليات وأدوات الشحن، وجود أنظمة سياسية واستخباراتية تتقاطع أحيانا مصالحها مع التوجه الانقلابي ومن الممكن أن تخترق أو توظف أو تشدع جماعة انقلابية وتساعدها على تنفيذ مشروعها كليا أو جزئيا في أية لحظة. وخلص الحسناوي على هذا المستوى، أن اليقظة الأمنية غير كافية في هذه المعركة، بل ينبغي أن تخاض معارك أخرى داخل النصوص التراثية والأدبيات المعاصرة المؤسسة للمشاريع الإنقلابية من جهة، ومن جهة أخرى يتم تسليط الضوء على عدم واقعية هذه المشاريع وإجرامها وفشلها، بضرب الأمثلة التاريخية والمعاصرة على ذلك. التنظيمات الإسلامية المغربية تنهل من المنهج الإنقلابي من الأمور المثيرة التي نقلها الحسناوي في هذا الكتاب، هو إشارته إلى بعض التنظيمات الإسلامية التي توصف عادة بالمعتدلة وبمنهجها الوسطي "كالعدل والإحسان" و"التوحيد والإصلاح" و"حركة الاختيار الإسلامي"، وقال عنها أنها بدورها لها فكر انقلابي بطريقة أو بأخرى، وإن كانت تعتمد على السلمية في منهجها الإصلاحي والتغييري، مقدما بعض الأدلة على ذلك حيث أشار إلى أن مضامين البرنامج التربوي مثلا الذي تربى عليه داخل الحركة التي ستتحول لاحقا إلى "التوحيد والإصلاح"، مستقاة من كتب ابن تيمية ومحمد ابن عبد الوهاب وشروحات كتب التوحيد السلفية النجدية خاصة في ما يتعلق بالأمور العقدية، مشيرا إلى أنه شارك في حملتين انتخابيتين سنة 2007 و 2002، وأنهم كانوا يعيدون الناس بتطبيق الشريعة ومنع الموسيقى والعري والاختلاط، وفرض الحجاب والزكاة. وأشار الحسناوي، إلى أن النقاش الداخلي في منتصف التسعينات، كان حول قبول الديمقراطية وإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بالشريعة لا يزال قائما في حركة توصف بالوسطية والمعتدلة. وبخصوص انتمائه لجماعة العدل والإحسان، يقول الحسناوي أن ما يغلب على الجلسات التربوية للجماعة هو المضمون الصوفي، حيث كانت قضية الرؤى هي أهم ما أثار انتباهه خاصة أنه لا يتم التسامح مع كل من يقلل منها أو ينتقدها أو يحاول التبخيس منها، مبرزا أنه حاول في إحدى المرات إلقاء كلمة توجيهية تنتقد هذا التوجه في التعاطي مع الأحلام، غير أنه قوبل بقمع ومقاطعة صارمة لم تترك له المجال لبسط وتوضيح رأيه، ففهم أنه كان بصدد انتقاد أداة من أدوات الاستقطاب والتخدير لدى الجماعة. الملاحظ بخصوص حركة الاختيار الإسلامي، أن المؤلف اعتمد بشأن أسباب اعتقال بعض قادتها سنة 2008 في سياق ما عرف أنداك بخلية بلعيرج، على محاضر الشرطة لوحدها، بداع أنه لم يستطع الوصول إلى مصادر أخرى، وأنه تواصل مع بعض قادتها كمحمد المرواني ومصطفى المعتصم وغيرهما لكنهم اكتفوا فقط بنكران ما جاء فيها دون تقديم معطيات وتفصيلات، رغم أنه يشير إلى أن حركة الاختيار الإسلامي تؤمن بالمشاركة السياسية والمدافعة السلمية كما تشير إلى ذلك وثائق المؤتمر الأول الذي انعقد بطنجة سنة 1990، خاصة وأن حركة الاختيار الإسلامي بالإضافة إلى دعوتها إلى دولة مدنية ودولة حقوق الإنسان، عملت سنة 1992 إلى جانب فعاليات أخرى على تأسيس حزب "الوحدة والتنمية" الذي رفضت السلطات المغربية الترخيص له. وبعد تواصله وجلوسه ونقاشه مع عدد من الرموز والشخصيات الإسلامية سواء كانت حركية أو سلفية، يقول الحسناوي أنه سيحدث عنده تغيير جدري تجاه التوجهات الإسلامية كلها، حيث أصبح مقتنعا أن هذه التيارات هي كيانات متطرفة انقلابية، ليبدأ في سلسلة من الانتقادات والاعتراضات على شكل مقالات وتدوينات، لتتطور إلى بعض المواضيع في التراث، التي تعتمد عليها التيارات الإسلامية في مشروعها الذي يعتبرها انقلابيا، فبدأ يرى الوجه الآخر للإسلاميين، هجومات من كل حدب وصوب، واتهامات باطلة لا أساس لها، وشيطنة وتشهير وتحريض..، لا شيء إلا لأنهم يقول الحسناوي يعتبرون أنفسهم فوق النقد. مراجعات أشبه بإعادة التدوير اعتبر مصطفى الحسناوي أن هذا الإسلام الإنقلابي لن يندثر، وسيظل لفترة طويلة يتخذ أشكالا وألوانا وأقنعة وتمظهرات، ويطل برؤوسه ويحرك أذرعه في أكثر من بقعة، لأسباب دينية وثقافية وسياسية واقتصادية تمده بذلك. وأوضح المؤلف أن المنهج الإنقلابي قد تحدث داخله انقسامات لكنه لن ينتهي، وقد يعلن مراجعات لكنها غالبا ستكون أشبه بإعادة التدوير، قد يكمن وينحني للعاصفة، ثم يطل برأسه عندما تسنح أول فرصة، مبرزا أن بعض هذه المشاريع قد تلجأ إلى الأحلام والرؤى والبشريات وأحاديث أشراط الساعة، كنوع من الهروب من الفشل والاصطدام بالحقيقة المرة. وبخصوص مراجعات الإسلاميين، بمختلف تلاوينهم أصحاب المنهج السلمي أو المسلح، فإن الكاتب يعتبرها هي تغيير خطة بعد فشلها، إلى خطة عمل أخرى إما أكثر فعالية أو أكثر مرونة أو أكثر تشددا، من الممكن أن تكون أي شيء في سبيل الوصول إلى الهدف، أكثر من هذا يضيف الحسناوي، فإن المراجعات قد تكون أكثر إجراما كما حدث عندما خرجت داعش من رحم القاعدة، ثم خرجت من رحم داعش توجهات أكثر تطرفا من داعش نفسها.