بعد حملة التوقيع الواسعة على استمارة تمرد، لنزع الشرعية عن الرئيس محمد مرسي، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، انفجر طوفان الغضب يوم 30 يونيو، و أدهش الداعين إليه قبل غيرهم، ليصبح التوقيع على الورق فعلا على الأرض. استفادت حملة تمرد من تغطية صحفية مهمة من امبراطوريات اعلامية برجوازية واسعة الانتشار معارضة سياسيا لحكم الاخوان، وهم "جناح ليبرالي يسعى لاستغلال استياء الجماهير من حكم الإخوان" للعودة إلى السلطة. لم يكن هذا الإعلام ثوريا، ولن يكون كذلك.. لكنه استغل فرصة فشل الإخوان ليعيد أقطابه "حيتان المال" إلى السلطة بشعارات الثورة. فالمالكون لتلك الإمبراطوريات الإعلامية، هم الوجه الإعلامي المقنع للثورة المضادة. وفي الاتجاه المعاكس عملت الفضائيات الدينية المساندة لحكم الاخوان على مهاجمة المنتفضين وكيل الاتهامات لهم (الإلحاد، الشذوذ..) وتهديدهم على الهواء بفتاوى الاستشهداء والتكفير محاولة ثنيهم عن الأنتفاض والفعل الثوري ضد حكم المرشد . قنوات دينية بلا أخلاق عمل الإخوان طيلة فترة جمع التوقيعات على تهديد الشعب المصري في كل الفضائيات الدينية الداعمة لحكمهم (الرحمة والناس والحافظ ...الخ)، تنشر هذه الفضائيات التحريض على العنف والفتنة الطائفية بل خطاب كراهية صريح ومباشر. فقد أفتى الشيوخ بحرمة الخروج عن الحاكم وشق عصا الطاعة وتماهي الشرعية مع الشريعة وخلاف ذلك كفر مبين. فهذا أحد كوادر الجماعة صفوت حجازي مخاطبا المصريين "من يرش الرئيس بالماء نرشه بالدم" هكذا يتكلم من هو أقرب للهزيمة والانهيار. تحظى هذه الفضائيات بدعم مالي سخي من أمراء الخليج، قصد ترويج أفكار غيبية وانهزامية، تسعى لاستدامة حكم الأقلية المتخنة بأموال النفط، وتغليفه بخطاب ديني، وفتاوى ديماغوجية، لشيوخ ينعمون بشروط حياة تصل حد البدخ. وفي نفس السياق الهجومي عملت هذه القنوات الدينية على تشويه الثورة بوصفها بالعلمانية والمدعومة أمريكيا. كما نال الأقباط نصيبهم من هذه الحملة التكفرية خصوصا بعد ظهور البابا تواضروس الي جانب الفريق السيسي في تلاوة بيان الانقلاب العسكري. استثمر الشيوخ هذا الظهور لترويج خطاب عدائي طائفي ضد مسيحيي مصر. كما لم تخلو منصة مسجد رابعة العدوية من فتاوى تكفيرية لرموز المعارضة، ومن شعوذة خطابية بلا مضمون سياسي للحفاظ على تماسك قاعدة شعبية انهكها تعب الأعتصام وانتظار رئيس لن يعود. استشعر الأخوان الخطر الداهم في اللحظات الأخيرة، فلم يبقى مجال للأصلاح لكن بقي المجال مفتوحا للمواجهة بعد حملة تحريض اعلامي ممنهج دام زهاء شهرين. فالعجز السياسي والطبيعة الاجتماعية للجماعة ولقياداتها شلت قدرتها على الفعل في اللحظة التاريخية الحاسمة.. نفس الخطاب لكن بنكهة ليبرالية روجت له القنوات الخاصة ضد الاخوان والجماعات الأسلامية . إعلام ليبرالي معارض لحكم الإخوان يشكل الإعلام سلاحا مهما وخطيرا، فهو المتلاعب بالعقول وموجه الأدمغة وآلة جبارة لصنع "الرأي العام"، ويعتبر خطيرا خصوصا في يد المجموعات الاجتماعية التي لا تملك سندا جماهيريا، وتعمل على موازنة الثقل الجماهيري بالتأثير على الجماهير من خلال هذه القنوات الإعلامية.. لقد كانت قوة الفلول بمصر قوة إعلامية بالدرجة الأولى، وكان بقاء قوتهم الإعلامية شغالة دليلا على عجز الثورة تجاوز النقطة التي حبسها فيها العسكر يوم 11 فبراير. ساهمت مجموعة كبيرة جدا من الفضائيات المصرية الواسعة الانتشار (خصوصا القنوات التابعة لحوت المال الشهير جورج ساويريس) في تشويه الثورة المصرية الثالثة وتضليل الشعب المصري عن الفعل الثوري الحقيقي. بدا الجميع ثوريا على البث المباشر أمتلأت الاستوديوهات بالثوار والفلول وأنصار الجيش والشرطة. حاول هذا الإعلام حصر مهمة الثورة في "إسقاط حكم استبدادي لرجل ينتمي لجماعة ظلامية تسعى لتقويض مكتسبات ثورة 25 يناير". كما وصفت جماعة الاخوان بأنها العدو الحقيقي للشعب المتخفي وراء ستار الدين. ولن يخلصنا من هذا الظلام غير جيش وطني يلبي رغبة الشعب . كل هذه الدعاية تمت باخراج مسرحي هزلي. اختلط فيها الحابل بالنابل وتشعبت المفاهيم والأراء ركز الجميع على أخونة الدول والمرشد والارهاب، بدت القنوات ثورية أكثر من الثوار وأصبح كل صحفي ناطق رسمي باسم الثورة. في غياب تام لبديل اعلامي حقيقي يكشف زيف هذه الادعاءات التضليلية لإعلام برجوازي في ملكية رجال أعمال التقت مصلحتهم مع مصلحة المؤسسة العسكرية في أزاحة مرسي. فهم أخر من يهتم لنصرة الثورة والدفاع عنها . «صدى البلد» التى يمتلكها «محمد أبو العينين»، و«سى بى سى» و«النهار» ويمتلكهما «محمد الأمين»، وقنوات «الحياة» التى يمتلكها«السيد البدوى "..الخ . هؤلاء هم الدرع الاعلامي لنظام مبارك بالأمس والعسكر اليوم. هذا الدرع الذي دفع صاحب البرنامج الساخر "البرنامج" باسم يوسف ينتقد أسلوب تناوله للصراع مع الإخوان منبها إلى إعادة إنتاج تعامل مبارك مع الإخوان؛ "نشوة الانتصار والتعالى والغرور التى نراها الآن بالإعلام الخاص هي ما أنهت سطوة الإخوان وأطاحت بشعبيتهم ونحن الآن نعيد نفس الأخطاء كأن لدينا ذاكرة السمكة.... أستطيع أن أكتب مجلدات فى مدى غباء الإخوان وإفسادهم للدين والسياسة ولكن تلك معركة أخرى بأدوات مختلفة. ولكننا نخسر هذه المعركة قبل أن تبدأ لأن مدعى الحرية ومن كانوا يصرخون من فاشية وعنصرية الإخوان يساهمون في إعادة التعاطف معهم ويمثلون عارا على مبادئ الحرية التي يتشدقون بها. نحن نتجه بامتياز لأجواء التسعينيات حيث ركنا إلى الحل الأمني والتشويه الإعلامي وتركنا نارا تستعر في الصدور وتطرفا يتزايد يوما بعد يوم. نعم كان غلق القنوات مهما في مرحلة حساسة ولكن أنا أقول اتركوهم يعودوا ويتكلموا فما زادهم ذلك إلا كراهية ونفورا. لا تعطوهم فرص عيش دور الضحية. مم تخافون؟ من خطابهم الإعلامي العنصري؟ أم من غبائهم السياسي المفضوح؟" ("ما عاد يعيش بها أحد"، باسم يوسف، موقع جريدة الشروق). ذاكرة قصيرة وحبل كذب طويل شهدت الفترة الانتقالية التي تولى الجيش الاشراف عليها مذابح حقيقية في صفوف الثوار بعد مطالبتهم برحيل العسكر ، لقد أدركوا بعد خبرة ميدانية قصيرة حقيقة العسكر بعد تنكره لمطالب الثورة خصوصا القصاص لشهداء ثورة 25 يناير ومحاكمة مبارك محاكمة ثورية. لينتفضوا في وجهه " يسقط يسقط حكم العكسر" هذه الانتفاضة بالذات نالت النز اليسير من التضامن الاعلامي الفائض عن الحاجة اليوم من القنوات "الثورية". كما يتذكر الجميع المعركة الأعلامية "حرب الفيديوهات" التي خاضها جنرالات الجيش ضد الثوار بعد مذبحة ماسبيروا في أكتوبر 2011 على أثير أغلب هذه القنوات التي تدعي الثورية اليوم. لتنطلق بعدها معركة اعلامية ثورية مضادة بأمكانات ضعيفة قادها الثوار حملت شعار " العسكر كاذبون"، جابت محافظات مصر تفند روايات العسكر بالصورة والكلمة. معركة إعلامية حقيقية تخلى عنها الاعلام الثوري المزيف. وحوادث مجلس الوزراء في ديسمبر و فقأ عيون الثوار من طرف عصابات الحرس الجمهوري، في شارع محمد محمود وهي نفس القنوات من تهلل للجنرال السيسي صاحب فضيحة "كشف العذرية " ليبدوا الرجل كمنقذ وطني. جيش مجرم سحل الثوار ونكل بهم وقتل منهم من قتل واغتصب السلطة السياسية واستحوذ على الاقتصاد ودمر البلد كل هذا الاجرام وأكثر طمس ليصبح الجيش والشعب يد واحدة. وهل ننسى مذبحة بورسعيد التي أودت بحياة 76 شخص غالبيتهم من شباب الالتراس الأهلاوي صورت أغلب هده الفضائيات الأمر أنه صراع بين شباب طائش داخل ملعب كرة القدم والحقيقة أنه انتقام مع سبق الأصرار والترصد من الالتراس جزاء مشاركتهم في الثورة ضد ميارك بشكل منظم، دون أن تشير ولو من باب الموضوعية والأخلاق المهنية الي مسؤولية المؤسسة العسكرية باعتبارها المسؤول عن الأمن في هذه المرحلة الانتقالية. كل هذه المجازر نسبت لطرف ثالث مجهول كما ادعى الجيش لتردد ورائه هده الفضائيات وجماعة الأخوان المسلمين نفس الرواية في تناغم تام. وهنا نسجل موقف الاخوان التي تنكرت لدماء الشهداء والمصابين ورضوا بالمجلس العسكري مديرا وحاكماً للبلاد بل شكروه وايدوه وكرموه، وزادوا على ذلك بتشويه الثوار والطعن فيهم وفي شرفهم وهاهي اليوم هذه الجماعات تكتوي بنار من كرمت وأيدت وشكرت فليس للمجلس العسكري معشوق دائم . إعلام ترويج الكراهية...لا إعلام ثورة بمجهود إعلامي جبار سعت هذه الامبراطوريات الاعلامية الي ترويج خطاب كراهية يهدد اللحمة الاجتماعية للشعب المصري في الأمد القصير. بين عشية وضحاها أصبح جماعة الأخوان والمنتسبين اليها شيطانا رجيما وجب على المصريين محاربتهم والتصدي لأفكارهم الأرهابية ولقياداتهم المحرضة على العنف والتكفير. خطاب أثر على بعض القيادات الشبابية للثورة وانحازت له ورددته وساهمت في نشره ووجد أذانا صاغية عند قاعدة لابأس بها من المصريين خصوصا بعد سنة من حكم الأخوان واستثمار أخطائهم الكثيرة في ترويج هذا الخطاب مثل تعيين أحد كوادر الجماعة الاسلامية محافظا بمدينة الأقصر السياحية وهي نفس الجماعة التي نفدت عمليات ارهابية سنة 1997 راح ضحيتها 62 سائح. نفس خطاب الكراهية هذا روجته نفس القنوات الليبرالية لإثارة تحريض طائفي بين المسلمين والمسحيين تحت الرعاية الرسمية للجيش في الوقت الذي اهتزت صورته شعبيا. أين إعلام الثورة ؟ في ظل هذا التشويه الإعلامي المنظم للثورة المصرية يفتقر كادحو مصر إلي إعلام يناصر ثورتهم ويغطى مضمونها الاجتماعي والاقتصادي ويكشف الحقائق للشعب بعيدا عن إعلام البرجوازية. الثورة في حاجة الي إعلام ثوري مناضل يفضح المتاجرين بدماء الشهداء وأنصار الثورة المضادة. توجد أكثر من 105 فضائية مصرية في ملكية رجال أعمال مصريين لا يعرفون غير لغة المال والربح والبزنس مصالحهم مناقضة لمصالح الكادحين. لا القنوات الدينية ولا القنوات الليبرالية تعبر عن صوت الثورة فالواجب الاعلامي تجاه الثورة المصرية خصوصا في ظل انحسار اليسار وضعف الإمكانات يقتضي من كل الشرفاء ما يلي : 1- التضامن الإعلامي الواسع إقليميا وعالميا بين كل أنصار الثورة المصرية والمتعاطفين معها. 2- ترجمت كل المقالات المعبرة عن الثورة المصرية إلى لغات العالم. 3- ترجمة ما يفيد من تجارب الشعوب الثورية والمناضلة إلي اللغة العربية وتزويد المنظمات المصرية الشبابية الثورية بها ونشرها إعلاميا على أوسع نطاق. 4- الفضح الاعلامي لكل تلاعبات المؤسسة العسكرية والأحزاب الليبرالية لتمويه الثورة المصرية وتفريغيها من مضمونها الاجتماعي.