أحيانا نشعر بحصار كبير يطوقنا ويسلب منا حرية الكتابة ، كأنه بداخلنا شرطي يراقب أفكارنا ، ويفرض علينا رقابة ، وحتى حين يختفي منا يبقى حضوره يلزمنا كلما حاولنا اختراق بياض الورقة وتفجير طاقة الكتابة . الأمر الذي يتطلب منا شجاعة نادرة للتعبير عن أفكارنا ،وتمردا على هذا الشرطي الذي يرافقنا منذ ولادتنا وتلزمنا قوة كبيرة للتغلب على الخوف الذي يزرع فينا منذ الصبا من طرف المجتمع والثقافة السائدة التي لا تشجع على تمكين الفرد من الحس النقدي والإبداعي . فكلما كانت هناك مبادرة إلا ووجدت من يقمعها ويقف في طريقها بشتى الوسائل . بالأمس عرفت بلادنا مهرجان الموازين الذي كان حدثا متميزا للقاء الثقافات والحضارات ، وفترة للفرح والاحتفاء بالذات ، ومنبرا للتواصل وتقديم أرقى ما أبدعه الفنانين، وفرصة لبيع المنتوج السياحي لبلادنا ، وتفعيل الدبلوماسية الفنية . لكن هذا المهرجان لم يسلم من النقد والتحريم من طرف جهات متعددة تختلف في منطلقاتها الايديلوجية وتلتقي في مهاجمة هذا المهرجان بمبررات متعددة ، وتتناسى أن الفن لايقبل القمع وتكبيل الحرية ، وليس من الضروري أن يساير هؤلاء في قناعاتهم ، لأنه ينبع من الحلم والخيال لاغناء الثقافة الفنية والجمالية وإشعال نور المعرفة لمواجهة الظلام . أصبحنا اليوم أكثر من أي وقت مضى نخاف من التهديدات التي يتعرض لها الكتاب والفنانين من طرف أعداء التنوع و الرأي الأخر واتهام كل من يختلف معهم بالكفر . فحين عبر الأستاذ أحمد عصيد عن موقفه من قضايا فكرية مختلفة هاجمته بعض المنابر والأشخاص بتهم مختلف وصلت إلى درجة التصفية الجسدية ، واستغل بعض خطباء الجمعة المساجد لتمرير مواقف تنمي الحقد والتفرقة والفتنة بين الناس كأن المساجد ملك لهم لوحدهم ، ويعتقدون أن بإمكانهم تمرير خطاب معين يدعم هذا التوجه السياسي أو ذاك . لازلنا نتذكر محنة صحفي الأحداث المغربية حين عبر عن موقف يخصه يتعلق بالعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج وما تعرض له من تهم وسب وشتم من طرف أشخاص لا يؤمنون بالحق في التعبير الذي يكفله القانون والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور المغربي ، وينصبون أنفسهم للدفاع عن القيم الدينية ، ويريدون أن يحتكروا ديننا الإسلامي الحنيف ، دون أن يستحضروا قيم التسامح والاجتهاد الذي ينص عليه ويشجعه. إن هذه الظواهر تهدد المكتسبات الحقوقية التي راكمها الشعب المغربي بفضل نضالات قواه الحية . ولا يمكننا العودة إلى الوراء في بناء دولة ديمقراطية تؤمن بالحق في التنوع والاختلاف وحرية الإبداع وتشجيع الثقافة باعتبارها عنصرا أساسيا في التنمية .على مثقفينا تشكيل جبهة قوية لتحصين هذا المكتسبات ومواصلة النضال من اجل بناء ثقافة مغربية ديموقراطية .