تعيش الامم واقعا مريرا و خاصة الامم العربية، فهناك اتجاهات سلبية في تحليلنا وتأويلنا ونظرتنا للأشياء، ألا يمكن ان نغير هذه الاتجاهات من ماهو سلبي الى ماهو ايجابي؟ بمعنى اخر نلاحظ ان هناك مجموعة من الازمات و خاصة النفسية الاجتماعية منها ناتجة عن نظرتنا السلبية للأشياء التي جعلت المشاعر الطيبة تنقلب الى ضدها لان الطبيعة لا تقبل الفراغ. من هنا يمكن طرح سؤال بسيط، لماذا لانغير نضرتنا السلبية الى ما هو ايجابي للقضاء على هذه السلوكيات السلبية : الكراهية، اللامهنية، اللانسانية، الانتقام، هوس المادة، التفكك الاسري، اللامسؤولية، الاعتباطية، السياسة الشعبوية، الأنانية، السادية، العدوانية، الاستغلال، اللامساواة، الدغمائية، النفاق الاجتماعي... وهده السلوكيات ترجع الى اسباب وعوامل متداخلة في تكوين البنية النفسية الغير المتوازنة للفرد داخل المجتمع، والتي تأثرت بهذا الواقع الوهمي المجرد من كل الصفات الادمية والذي جعل كل العلاقات بين البشر تطغى عليها النزعة المركنتيلية الى ان اصبح الانسان كسلعة بصلاحية محددة (عند انتهاء المصلحة تنتهي العلاقة)، يعني ما دام كل شيء يباع و يشترى حتى العلاقات اصبحت هكذا، الى ان اصبح الانسان الرقمي يعيش مللا و فتورا في حياته اليومية و السبب نزعته الجشعة وانعدام المشاعر الطيبة. اعتقد ان الانسان و خاصة الانسان العربي في زماننا الحالي هو في حاجة الى منقد ينقده من وهميته و يقينيته و فرغه الروحي الذي تأسس على دوغمائيات وخرافات... الى ان سدت امامه جميع المنافذ وأصبح يعاني غربتان: الغربة الداخلية و الغربة الخارجية اللتان جعلته يعيش سجين ذاتيته، لعدم انفتاحه ايجابيا على محيطه و على الاخر الذي ربما سيزوده بذلك المعنى المفقود والذي هو الحب، هاته الكلمة بمفهومها الثقيل و الايجابي الغير الموجودة تقريبا في مجتمعاتنا الحديثة، هي احد اسباب ازمات العصر التي تعيشها مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية. لان انعدام الحب ما بين الافراد و الاسر... داخل المجتمع ممكن ان يصنع من الانسان الة مبرمجة خالي من كل المشاعر النبيلة (الخير، الحب، الفضيلة...) التي تميزه كانسان بوجوده المليء بالحب الذي لولاه لما عاشت البشرية جمعاء ملايين السنين، ولما سمي الانسان انسان بإنسانيته التي تسكنها العاطفة المليئة بالحب الايجابي و النقي و الروحي لا المادي لان اسباب اختفاء هذا الحب راجع الى طغيان الماديات والواقع الوهمي اللذان افقدى الانسان جوهر و جوده. اذن في نظري يبقى الحب بمفهومه الرقي هو الحل لكل الازمات التي يعيشها الانسان الرقمي، وفي هذه النقطة يقول الدكتور اريك فروم صاحب كتاب « فن الحب » " ان الحب هو الجواب الصحيح عن مشكلة الوجود البشري لو اننا ادركناه و فهمناه بطريقة صحيحة باعتباره اهتماما بحباة الاخارين و شعورا بأننا جزء من كل، و ان نشترك في العمل من اجل سعادة البشرية. و ماكانت الامراض النفسية العقلية و السرقة و الرشوة و الاختلاس و الانحراف و الجناح و الانتحار و الدعارة و الادمان و غير ذلك من الامراض النفسية الاجتماعية إلا لأنها جميعا مظاهر متنوعة لعجز الانسان عن الحب و عدم القدرة على تحقيق اي نوع من التآزر بين الفرد و الاخرين، الذي ادى في نهاية المطاف الى الاحساس بالقلق والغربة و الضياع و العبث و اللامعقول، مما جعل الفرد يشعر بأنه ذرة تافهة ولا احد يريده ولا حتى يلتفت اليه و كأنه عبء ثقيل لا يطاق، لايتجاوب معه أحد و لا تجمعه اي روابط بأشباهه من الناس" من هنا يتبين ان هذا الشعور السامي " الحب " هو الذي يمكن ان يحررنا من كل الانحرافات و الامراض النفسية الاجتماعية التي تنخر المجتمع يوما بعد يوم لأنه اصبح حبيس الدعاية وكائن الايقونات و مستقبل لا مرسل. لكن رغم ذلك ارى ان الانسان بطاقته الهائلة قادر على تجاوز كل هذه المعيقات للخروج من تقوقعه و غربته و البحث عن كنهه الوجودي الذي يتمثل في ارجاع المشاعر الراقية والجانب الانساني لإنسانه التائه بين اوهام الواقع اللاحقيقي.