أعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود" الثلاثاء أنها تقدّمت بدعوى قضائية في ألمانيا تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في حق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، منددة ب"مسؤوليته" في قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وأفادت المنظمة في بيان أن الشكوى التي رفعت الاثنين إلى "النائب العام في محكمة العدل الفدرالية في كارلسروه" بسبب ولايتها القضائية للنظر في "الجرائم الدولية الأساسية"، تتعلّق ب"الاضطهاد المعمم والممنهج للصحافيين في السعودية" وبينهم ثلاثون قيد الاعتقال حاليا.
وتستهدف إلى جانب ولي العهد، أربعة مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى آخرين. وإضافة إلى ولي العهد الذي "يشتبه بأنه دبّر بشكل غير مباشر قتل" خاشقجي، تستهدف الشكوى "مستشاره المقرب" السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، و"نائب رئيس الاستخبارات السابق" أحمد العسيري، والقنصل العام السابق في اسطنبول محمد العتيبي، و"ضابط الاستخبارات" الذي يشتبه بأنه قاد "الفرقة التي عذبت وقتلت" خاشقجي ماهر عبد العزيز مترب. وأكدت النيابة العامة في كارلسروه لوكالة فرانس برس تلقي الدعوى المرفوعة أيضا في حق مجهول. وتعرض الشكوى غير المسبوقة التي اطلعت عليها وكالة فرانس برس بالتفصيل التجاوزات المرتكبة ضد 34 صحافيا مسجونين في المملكة، و33 منهم لا يزالون قيد الاعتقال بينهم المدوّن رائف بدوي المسجون منذ العام 2012 بتهمة "إهانة الإسلام". وتذكر الوثيقة "التعذيب" و"العنف" و"الإكراه الجنسي" و"الاخفاء القسري" و"الحرمان من الحرية الجسدية بشكل غير مشروع" وغيرها من التجاوزات. واعتبرت مراسلون بلا حدود أنه بمواجهة ما تصفه بأنه "جرائم في حق الإنسانية"، فإن النظام القضائي الألماني "مؤهل أكثر من سواه" بسبب الولاية القضائية العالمية التي تسمح للدولة بملاحقة مرتكبي أخطر الجرائم أيا كانت جنسياتهم ومكان حصول الوقائع. وعملا بالولاية القضائية، حكم القضاء الألماني الأربعاء بالسحن أربع سنوات ونصف السنة على عضو سابق في الاستخبارات السورية لإدانته بتهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية"، في أول محاكمة في العالم تتعلق بانتهاكات منسوبة إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد. "مرحلة أساسية" وقال الأمين العام للمنظمة كريستوف ديلوار خلال مؤتمر صحافي عبر الفيديو "إنها أول مرة توجه اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية إلى السلطات العليا في السعودية لمعاملتها للصحافيين". ورحبت خطيبة خاشقجي التركية خديجة جنكيز بهذه الخطوة، مجددة دعوتها لمعاقبة محمد بن سلمان. كذلك رحبت بها المقررة الخاصة للأمم المتّحدة حول عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامار معتبرة أنها "مرحلة أساسية" وفرصة "لتوسيع نطاق القضاء الدولي". ويأتي ذلك بعد أيام على رفع الرئيس الأميركي جو بايدن السرية عن تقرير استخباري خلص إلى أن ولي العهد السعودي "أجاز" العملية في اسطنبول "لاعتقال أو قتل" خاشقجي. وذكر التقرير أنه تمّ إيفاد 15 شخصا لاستهداف خاشقجي في تركيا، بينهم عناصر "نخبة في فريق الحماية الشخصية" لولي العهد، في إشارة إلى قوات التدخل السريع التي شكّلت "من أجل حماية ولي العهد" و"تتصرف بناء على أوامره فقط". وعلق كريستوف ديلوار على صدور التقرير معتبرا أنه "مرحب به" غير أنه يترك المدافعين عن الصحافيين "خائبي الظن". وبعدما انتقدت لعدم اتخاذها تدابير فيحق ولي العهد السعودي لعدم إثارة أزمة مفتوحة مع السعودية، حضت واشنطن الاثنين الرياض على حلّ وحدة التدخل السريع الضالعة في عملية قتل خاشقجي. وفرضت إدارة بايدن عقوبات على هذه القوة، ما يعني أن أي تعامل أميركي معها سيعتبر جريمة، وأوضحت أنها ستحظر دخول 76 سعوديا إلى الولاياتالمتحدة بموجب سياسة جديدة ضد المسؤولين الأجانب الذين يستهدفون المعارضين. وكان خاشقجي مقيما في منفى طوعي بالولاياتالمتحدة حيث كان يكتب مقالات في صحيفة واشنطن بوست إلى أن قتِل في 2 ت أكتوبر 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول. ولم يتم العثور على جثته التي تم تقطيعها. وبعدما نفت السعودية أن يكون تم قتله، أقرت في نهاية المطاف بأن عملية القتل كانت عملية فردية ولم يتورط فيها ولي العهد. برّأت محاكمة جرت في السعودية في جلسات مغلقة القحطاني والعسيري اللذين ينظر إليهما على أنهما العقل المدبر للجريمة، فيما حكم على خمسة متهمين لم يتم الكشف عن أسمائهم بالإعدام وعلى ثلاثة آخرين بعقوبات طويلة بالسجن. وبعد تسعة أشهر، تم تخفيض عقوبات الإعدام إلى السجن لمدة تصل إلى عشرين عاما، وهو ما وصفته خديجة جنكيز خطيبة جمال خاشقجي بأنه "محاكاة ساخرة للعدالة". والقحطاني والعسيري همت ضمن عشرين سعوديا يحاكمهم القضاء التركي غيابيا منذ تموز/يوليو لاتهامهم بالضلوع في قتل خاشقجي. وتحتل السعودية المرتبة ال170 من أصل 180 بلدا في الترتيب العالمي لحرية الصحافة الذي تضعه مراسلون بلا حدود، والمرتبة الثانية من حيث عدد الصحافيين المعتقلين، بعد الصين وأمام مصر.