أكد عبد اللطيف جواهري والي بنك المغرب أنه بالرغم من الإجراءات التي اتخذتها السلطات من قبيل الدعم المباشر وخطة الإقلاع الاقتصادي مكنت من تخفيف الأثر السلبي للوضعية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن مستوى الصدمة يبقى استثنائيا. وأوضح الجواهري خلال العرض الذي قدمه في مجلس النواب، اليوم الثلاثاء، حول السياسة النقدية، ومؤسسات الائتمان، وتأثير جائحة كورونا على الاقتصاد الوطني، أن آخر المعطيات والسناريوهات المتاحة حاليا تشير إلى تراجع قوي في الاقتصاد وخسارة ملموسة في مناصب الشغل وتدهور في التوازنات الماكرو اقتصادية، مشيرا أن التطورات الأخيرة للجائحة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، تزيد من مستويات الشكوك حول مآل الوضعية الاقتصادية والاجتماعية. وأبرز أن جميع التوقعات سواء التي أعدها البنك الدولي، أو بنك المغرب أو المندوبية السامية للتخطيط، أو وزارة الاقتصاد والمالية، والمركز المغربي لتحليل الظرفية، تشيرا إلى تراجع نمو الاقتصاد المغربي من 5.8 إلى 7.2 في المائة. وأشار أن آخر انكماش عرفه الاقتصاد الوطني بهذا الحجم وصل إلى 5.4 في المائة، مضيفا أن البنك سيخرج عن توقعاته النهائية بشأن تراجع نمو الاقتصاد الوطني في شهر دجنبر المقبل. ولفت إلى أنه من المتوقع أن يبقى التضخم في مستوى ضعيف (أقل من 1 في المائة) سواء في 2020 أو 2021. وأكد أن نسبة البطالة تبقى نقطة سوداء خلال هذه الأزمة، ارتفاعا قويا خلال الفصل الأخير وذلك حسب آخر إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، حيث تم فقدان 581 ألف منصب شغل على أساس سنوي، وارتفاع نسبة البطالة بواقع 3.3 نقطة لتصل إلى 12.7 في المائة على المستوى الوطني، حيث انتقلت من 12.7 إلى 16.5 في المدن، ومن 40 إلى 46.7 في المائة لدى الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و 24 سنة في العالم الحضري. وأضاف أنه يرتقب أن يرتفع عجز الحساب الجاري من 4.4 في المائة إلى 19.6 في المائة، وأن تغطي الأصول الاحتياطية سبعة أشهر. وتوقع والي بنك المغرب أن يتواصل عجز الميزانية دون احتساب موارد الخوصصة من 4.1 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2019 إلى 7.9 في المائة هذه السنة. وتوقع أيضا أن ترتفع مديونية الخزينة من 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام إلى 76 في المائة خلال 2020. وخلص الجواهري إلى أن هذه الأزمة متعددة الأوجه وآثارها الاقتصادية والاجتماعية استثنائية، متوقعا أن يكون الانتعاش الاقتصادي بطيئا على العموم وطويل الأمد بالنسبة لبعض القطاعات كونه رهين بتطور الجائحة ومدى توفر حل طبي على نطاق واسع. وشدد على أن آثار هذه الأزمة لن تنتهي إلا بحلول سنة 2023، مؤكدا أن التدابير التي اتخذت ساهمت لا شك في تخفيف آثارها لكن يجب استخلاص جميع الدروس من هذه الأزمة والتصدي لمواطن الضعف التي أبرزتها، ومنها الخصاص في النظام الصحي والهشاشة الاقتصادية لشريحة كبيرة من الساكنة، والحجم الكبير للقطاع غير المهيكل، والهشاشة في النسيج الإنتاجي وهيمنة التعامل النقدي. وأكد أن مواجهة هذه التداعيات ستكون على المدى الطويل، مشيرا أنه من المؤكد أن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي ستأخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار عند صياغة توصياتها وبلورة رؤيتها الجديدة للتنمية. ودعا الجواهري إلى تسريع عدد من المشاريع والبرامج التي هي في طور الإنجاز، وإطلاق الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها تعزيز المتانة الاقتصادية والاجتماعية للمغرب لجعله قادرا على مواجهة تحديات وصدمات المستقبل، بدل الاقتصاد على لعب دور الإطفائي فقط. وشدد والي بنك المغرب على ضرورة الاستثمار في منظومة التعليم والصحة وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، والرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني، وتغيير العقليات بشكل جذري، وتحسين الحكامة خاصة في الإدارات العمومية وربط المسؤولية بالمحاسبة على جميع المستويات، وترخيص نزاهة منظومة العدالة وتحسين منظومة العدالة، واستعادة التوازنات الماكرو اقتصادية، وهو ما يتطلب ترشيد وترتيب الأوليات.