شكلت ظاهرة الهجرة السرية، للرياضيين المغاربة في الفترة الأخيرة نحو إسبانيا مصدر إزعاج للمسؤولين عن قطاع الرياضة والشباب بالمغرب ،بعدما ارتفع عدد الأبطال الذين يبحثون لبلوغ ” الفردوس الأوروبي المفقود”. المغامرة في قوارب الموت المغامرة في “قوارب الموت” لبلوغ الضفة الجنوبية لإسبانيا انطلاقا من المغرب، والاختباء أسفل الشاحنات، والهروب في غمرة استحقاق دولي، طرق من بين أخرى فضلها رياضيون مغاربة هربا من جحيم الممارسة بالوطن، بحثا عن آفاق أرحب في الفردوس الأوروبي المفقود، بعدما استشاطوا غضبا، وفقدوا الأمل في مستقبل مشرق بالقرب من العائلة والأصدقاء. الإحساس بالتهميش، والمعاناة مع الفقر وقلة ذات اليد، فضلا عن البحث عن آفاق أرحب، عوامل من بين أخرى جعلت علي حبابا، قائد أمل فريق أولمبيك أسفي، يفضل ركوب قوارب الموت والمخاطرة بحياته في سبيل بلوغ الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط هربا من وضعية الكرة بالمغرب. يقول حبابا من مدينة اشبيلية الاسبانية عاصمة الأندلس: “هربت من الواقع المرير، وخاطرت بنفسي حينما اتخذت قرار العبور إلى إسبانيا على مثن “قارب الموت”، ما عشته من ظلم وحيف داخل فريقي كان كافيا لترك كل شيء ورائي، فريق أولمبيك أسفي تنكر لي ولم يكن من خيار أمامي سوى المجازفة”. وتابع بتأثر بالغ :”لعبت رفقة الفريق أزيد من 9 سنوات، كنت قائدا في أغلب الفئات التي مررت منها، لكن في الأخير تخلوا عني وتنكروا لي”. وتابع مغالبا دموعه :”لا يمكن لي العيش مع أهلي لأني أنحدر من عائلة فقيرة، مكونة من أم و4 إخوة، بعدما ضاع مستقبلي بسبب التخلي عن الدراسة للعب كرة القدم، واليوم فريقي الأم تخلى عني بعدما استفاد مني، لن أسامحهم أبدا لقد باعدوا بيني وبين أمي”. وختم قائلا: “أنا الآن باشبيلية، أنام في الشارع، ولن أعود إلى المغرب، وفي حال أرادوا ترحيلي سأطلب منهم قتلي بالرصاص على أن أعود”. من حلم الاحتراف إلى العمل في المزارع من جانبه لم يكن أحمد، ابن مدينة سلا المتاخمة للعاصمة الرباط، يعتقد يوما أن القدر سيقوده إلى البحث عن جني الفواكه في الحقول الإسبانية بعدما كان حلمه احتراف الكرة التي داعبها بالملاعب ليجد نفسه مهاجرا سريا يبحث عن تأمين قوته ومساعدة عائلته. هاجر منير سرا إلى إسبانيا على مثن قارب مطاطي، في رحلة ملغومة قال إنها جعلته يعيش جحيما حقيقيا وضع حياته في كف عفريت نتيجة المشاكل التي رافقت الرحلة في جنح الظلام انطلاقا من شمال المملكة المغربية صوب السواحل الجنوبية لإسبانيا، يقول أحمد لموقع “لكم”، وهو يستحضر شريط الليلة الظلماء التي غامر خلالها بحياته :”قضيت أسابيع بشمال المملكة في انتظار اليوم الموعود لخروج قارب الموت، كان حلمي وقتها بلوغ الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، كنا ننتظر بفارغ الصبر، وبترقب كبير أن يعتدل الجو وينخفض ارتفاع الأمواج لخوض مغامرة الهجرة سرا، العملية لم تكن سهلة وكلما اقترب الموعد ازدادت نبضات القلب بشكل يصعب وصفه.. إنها لعبة الحياة، يمكن أن يتحقق المبتغى كما يمكن أن تتكسر الأحلام الوردية على صخرة الواقع، عشت لحظات يصعب وصفها امتزج فيها الأمل بالخوف مما يخبئه لنا القدر”. وتابع بتأثر: “أدينا مبلغ الرحلة الذي كان محددا في قرابة 15000 درهم، قضينا أياما في الغابة بين مطرقة الهروب من المطاردة الأمنية وسندان المغامرة بأرواحنا في سبيل بلوغ الفردوس الأوروبي المفقود، لم نفقد خلالها الأمل وتسلحنا بالصبر والعزيمة في سبيل تحقيق المبتغى بحثا عن آفاق أرحب”. وأضاف: “وصل اليوم الموعود، ودون سابق إنذار طلب منا التوجه على عجل نحو الشاطئ حيث كان قارب مطاطي في انتظارنا، أطلقنا سيقاننا للريح، في مشهد يوحي بأننا نخوض الأمتار الأخيرة لسباق عالمي، وكان الهدف أخذ مكان في القارب وعدم تضييع الفرصة حتى لا ندخل في خانة الانتظار، كان عددنا كبيرا، وحجز مكان في قارب الموت قاسمنا المشترك”.وتابع: “بعد رحلة محفوفة بالمخاطر بلغنا السواحل الإسبانية في رحلة عشنا خلالها ذعرا حقيقيا وأدركنا وقتها المعنى الحقيقي للمغامرة والمخاطرة بأرواحنا، لم يكن من خيار أمامنا، ونحن في عرض البحر، سوى مواصلة الرحلة المجهولة، فكرنا في الوصول سالمين أكثر من التفكير في المستقبل الغامض الذي ينتظرنا إن نجحنا في تجاوز الأمواج العاتية". وختم قائلا: “بعد نجاح المغامرة اصطدمت بواقع مرير، البحث عن مكان يأويني، وعمل يضمن قوت عيشي، المهمة لم تكن سهلة وكان الخيار البحث بين حقول الفواكه والخضر عن عمل ينتشلني من الضياع ويساعدني على تغطية متطلباتي، وبعد بحث مضني نجحت في إيجاد فرصة شغل لدى مالك ضيعة إسباني، لأجد نفسي أبحث عن جني الفرولة في الحقول بعدما كان حلمي مداعبة الكرة في الملاعب”.. كلوش لاعب “جمعية سلا” يختار الهجرة غير النظامية مشهد آخر من مشاهد الهجرة السرية كرسه هشام كلوش، لاعب الجمعية السلاوية والمنتخب المغربي سابقا، عندما أدار ظهره للكرة وسلك طريق الهجرة السرية بحثا عن مستقبل أفضل في الديار الأوروبية. هشام تدرج في الفئات الصغرى للمنتخبات الوطنية ولعب لفريق الجمعية السلاوية بدوري الدرجة الثانية المغربي، قبل أن تتربص به الإصابة في أربع مناسبات وتفرض عليه خوض عمليات جراحية حالت دون مواصلته حلم مداعبة الكرة، الشيء الذي دفعه للتفكير في الهجرة السرية على مثن قارب بعدما تنكر له الجميع ووجد نفسه وحيدا يقاوم قساوة الحياة ومتطلبات العيش الكريم. لعب هشام رفقة ياسين بونو، الحارس الحالي للمنتخب المغربي، في الفئات السنية ل “الأسود” قبل أن يدفعه القدر لترك الذكريات خلفه وسلك طريق الهجرة على مثن قارب مطاطي سعيا وراء مستقبل يحفظ كرامته ويؤمن حياته. قاسم مشترك الهروب نحو أوروبا قاسم مشترك بين مجوعة من الرياضيين المغاربة، ولا يقتصر على صنف دون الآخر، طالما أن الرغبة في تحسين ظروف الممارسة والبحث عن آفاق أرحب يبقى قاسما مشتركا بين جميع الممارسين الذين فضلوا خيار "الهجرة السرية". التفكير في الهجرة السرية خيار لا يقتصر على الذكور، وإنما حلم يتقاسمه الجنس اللطيف هروبا من واقع الممارسة، وبحثا عن مسار احترافي قد يؤمن المستقبل تفاديا لمفاجآت المستقبل. مريم بويحد، لاعبة المنتخب المغربي النسوي وفريق أولمبيك آسفي، واحدة من بين من اختمرت لديهن فكرة الهجرة السرية، ولم تفوت فرصة تواجدها باسبانيا للمشاركة في دوري “الكوتيف” الدولي لتحقيق حلم الهجرة،وقال مصطفى بنسليمان، مدرب إناث فريق أولمبيك أسفي في تصريح له إن هروب لاعبة المنتخب جاء بشكل إرادي رغبة منها في تحسين الظروف الاجتماعية لعائلتها، وتأمين مستقبلها بعيدا عن مشاكل هذا الصنف الرياضي بالمغرب.