قال نزار بركة الأمين العام لحزب “الاستقلال” إن الفعل الحكومي يعيش في الشهور الأخيرة انتظارية كبرى تعطل مصالح الوطن والمواطنين. وأوضح بركة في أشغال منتدى التفكير الذي ينظمه حزبه على مدى يومين، حول موضوع “الجيل الجديد من التعاقدات للخروج من الأزمة”، أن حزب “الاستقلال” سبق ونبه الحكومة إلى خطورة الانزواء إلى منطقة الانتظارية والترقب دون أن تضطلع بمسؤوليتها الدستورية النابعة من الانتداب الشعبي والبرلماني وثقة الملك، كما سبق أن دعاها إلى تسريع وتيرة الإصلاح وخدمة المواطن والقطع مع التوجهات والممارسات التي تغذي الاحتقان والفوارق، والشروع في بلورة الجيل الجديد من الاستراتيجيات القطاعية في أفق انطلاق ورش النموذج التنموي الجديد.
وأكد بركة أنه كلما تمت إضاعة فرصة أو أجهض أمل بالإصلاح والتقويم والتصحيح والتغيير الذي نطمح إليه جميعا، كُلَّما اتسعت دائرةُ الشك في المجتمع، وازدادتِ الأوضاع تعقيدا، وضاقت هوامشُ التدخل وارتفعت كلفته بالنسبة للفاعل الحكومي والعمومي. وتابع بركة كلامه قائلا: “اسمحوا لي أن أقول لكم، بما تستلزمه الروح الوطنية والمسؤولية ولغة الحقيقة، وبدون بلاغة ولا مُحسنات تواصلية، ينبغي أن نعترفَ اليوم أن بلادنا، تعيشُ أزمة، وهي أزمة عميقة ومركبة ومتعددة الأبعاد”. وأبرز بركة أن ما يؤكد هذه الأزمة هو استعداد الشباب والأسر للمغادرة والهجرة إلى الخارج، في صفوف مختلف الشرائح الاجتماعية بما فيها الطبقات الوسطى والميسورة، وما يسجله المغرب من تقهقر متعدد المجالات، في النمو والتشغيل في الاستثمار والادخار، وفي الاستهلاك والقدرة الشرائية. إضافة إلى تراجع دور المدرسة العمومية التي كانت قَنطرة سالِكة نحو الارتقاء الاجتماعي، وأصبحت اليوم بؤرة لإنتاج الفوارق الاجتماعية، والتفقير الممنهج الذي تعيشه الطبقة الوسطى بسبب ارتفاع الأسعار، والتحامل الضريبي المتزايد، بل والتضريب المزدوج أمام تدهور الخدمات العمومية الأساسية، في التعليم والصحة والنقل. وشدد بركة على أن الاستمرار في النموذج التنموي الحالي لا يمكنه إلا أن يفرز مزيدا من الفوارق الاجتماعية والمجالية، ومزيدا الخيبات ومظاهر الحيف، ومزيدا من الشروخ في المجتمع. وأكد بركة أن مسار الإصلاح السياسي والمؤسساتي دخل منطقة رمادية تتسم بالبطء والتردد، والشك في جدوى الآليات التمثيلية للمواطن من الحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة المحلية ومدى فعاليتها في التجاوب مع الحاجيات والانتظارات المعبر عنها. وتساءل بركة عن مدى الفائدة من المشاركة الانتخابية إن لم يكن لهذه الأخيرة امتداد فعلي في أداء الحكومة والبرلمان والجماعات الترابية، وإن لم تكن آلية رقابية في يد المواطن لإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وانتقد استمرار النموذج المبني على الريع والامتيازات والاستثناءات، وهو ما يمنع من تحرير الطاقات والكفاءات والابتكارات، ومن اتساع قاعدة الفاعلين ولا سيما من المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا. وأشار أن سياسة التحرير عموما، باستثناء بعض القطاعات الرائدة ، لم تنجح في خلق الاندماج المرجو في المنظومات الاقتصادية وسلاسل القيمة رغم الجهود المالية والجبائية المرصودة، وفي المقابل ظلت ثمار التحرير محصورة في المجموعات الكبرى والشركات الرائدة، دون أن تصل هذه الثمار بالقدر الكافي إلى النسيج المقاولاتي الصغير والمتوسط، وأن تنتشل القطاع غير المهيكل. ودعا بركة إلى ضرورة الالتزام بالوعود في الممارسة السياسية والديمقراطية، لاسترجاع الثقة في المؤسسات والفعل العمومي، وربطه العمومي بتحقيق النتائج التي يكون لها وقع على الحياة اليومية للمواطن، وترجمة المساهمة الضريبية للمواطن إلى رفاه اجتماعي ملموس. وتحقيق العدالة والإنصاف، والقطع مع مظاهر الحيف والتمييز في التمتع بالحقوق، والاقتسام العادل في الالتزامات والتضحيات وفي منافع الثروة بين الجميع.